انتكاسة تائب من أهل الفن

منذ 2015-02-08

الإيمان يزيد وينقص كما هو مثبت في عقيدة أهل السنة والجماعة ويلزم له المتابعة الدائمة، فأغلب من يتوب من أهل (الفن) أو غيره يحتاج إلى من يبصره بالطريق ويُعينه على نفسه، ويضع له خطة مسير تقيه من الانتكاس ويتابعه فيها..

دخلت كعادتي على مواقع التواصل الاجتماعي أقلب في الأخبار الجديدة لأتابع الأحداث، فإذا بي أرى خبرًا عن انتكاس مطرب تائب، لم أتأكد حتى دخلت صفحته الشخصية لأتأكد بأم عيني، وللأسف حدث ما كنت أخشاه ولا أتمناه..

رأيت المطرب التائب قد حلق لحيته وألغى كل صوره القديمة واستبدلها بصور جديدة، استبدل الأناشيد التي أنشدها طيلة فترة توبته بأغاني جديدة (يصالح) بها جمهوره، إنه للأسف انتكس!

فعلى قدر الفرحة التي تملكتني وقت توبته على قدر ما أصابني الهم والحزن بعد قراءة الخبر، وتسائلت.. لماذا ينتكس أهل (الوسط الفني) بعد توبتهم؟!، لماذا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
هل قصّر أهل الدعوة معهم، أم أنهم فُتنوا ولم يتحملوا الطريق؟!
هذا ما نطرحه في المقال علنا نجد حلاً لذلك اللغز.

من أسباب انتكاسة أهل (الفن) بعد التوبة..
1- ترك المتابعة:
الكثير ممن اعتزلوا ذلك المسار تشبه توبتهم توبة أي شخص عادي من الناحية الروحانية..
وقفة مع النفس.. علو صوت النفس اللوامة على الأمارة بالسوء.. اشتداد لحرارة الإيمان في القلب.. صدور قرار التوبة بعد صراع..

أما من الناحية الإعلامية فتختلف عن بقية البشر في التبعات والابتلاءات.
وأغلب من تاب ثم انتكس سواء من أهل (الفن) أو غيرهم، كان سببًا رئيسًا في انتكاسته غياب المتابعة الإيمانية، سواء من مربي أو من داعية، وذلك لأن النفس البشرية ليست آلة يُضغط على أزرارها فتتركها تعمل وتنصرف، بل هي نفس تحوي قلبًا دائم التقلب، ونفساً أمارة بالسوء متعددة المطالب، وشيطانًا ملحاحًا يجري منها مجرى العروق، لا يردع تلك الصعاب إلا حرارة المواعظ والطاعات..

وذلك ما حدث مع حنظلة رضي الله عنه حين أساء الظن بنفسه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "نافق حنظلة! فرد عليه صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيدِه، لو كنتم تكونون في بيوتِكم على الحالةِ التي تكونون عليها عندي، لصافَحَتْكُمُ الملائكةُ، ولَأَظَلَّتْكم بأجنحتِها، ولكن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً»" (صحيح الجامع:7073).

الشاهد أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مثبت في عقيدة أهل السنة والجماعة ويلزم له المتابعة الدائمة، فأغلب من يتوب من أهل (الفن) أو غيره يحتاج إلى من يبصره بالطريق ويُعينه على نفسه، ويضع له خطة مسير تقيه من الانتكاس ويتابعه فيها، "فالعجينة البشرية عجينة عصية تحتاج إلى متابعة دائمًا، وليس يكفي أن تضعها في قالبها المضبوط مرة فتنضبط إلى الأبد وتستقر هناك! بل هناك عشرات من الدوافع المواراة في تلك النفس، دائمة البروز هنا والبروز هناك، ودائمة التخطي لحدود القالب المضبوط من هنا ومن هناك، ولا بد في كل مرة من توجيه لإعادة ضبطها داخل القالب، حتى تنطبع نفس المتلقي بالتوجيه، فيقوم هو بذاته بعملية المتابعة والضبط بدلًا من المربي" (منهج التربية الإسلامية: الجزء الثاني).

فالمتأمل في حال المنتكسين عمومًا يجد أنهم أُهملوا حتى تغولت نفسهم الأمارة واجتذبهم طريق السوء، وضعفت جذوة الإيمان في قلوبهم بسبب عدم المتابعة من الدعاة، فحري بأهل الدين تخصيص دعاة -غير متميعين- لمتابعة -التائبين إيمانيًا وفكريًا- من أهل الفن خصيصًا لما وراءهم من فتح حال الصلاح، وفساد إن هم قصروا معهم وتركوهم لأنفسهم.

2- إهمال استغلال الموهبة:
من الأخطاء التي تحدث مع أهل (الفن) التائبين هي عدم استغلال مواهبهم وعدم توجيه طاقتهم لما يحسنونه أيام جاهليتهم، تلك الطاقة التي إن ما أحسنا توجيهها تصير سببًا في انتكاس البعض من التائبين، فهي كـ(البالونة) المنتفخة بالهواء إن لم يجد الهواء مساغًا انتفخت وانفجرت.

وهنا نقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام لما وجه الطاقات حين دخل المدينة، فوجه بلال في الآذان لحسن صوته، وزيد لكتابة الوحي، وخالد بن الوليد في القتال، وحسان بن ثابت وكعب بن مالك في جانب الإعلام والشعر، وابن مسعود ومعاذ بن جبل في العلم، حتى التجار وجه طاقاتهم في البذل للدين، فهذا عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة ويشتري بئرًا ليفك كرب المسلمين.

فلو ما وجهنا طاقة ذلك التائب –المغنم- في فنه الذي يجيده ويتقنه إما سيسير في مسار آخر مضطرًا، أو سيترك الأمر بالكلية بسبب عدم توجيه طاقته، وما فعله الشيخ (أحمد الأسير) مع (فضل شاكر) عنا ببعيد، فوظف الشيخ إمكانات المطرب التائب فضل ووضعها في المدار الصحيح، فجعله ينشد في وسط الحشود كما كان يغني في الحفلات، حافظاً له شهرته وصيته، كما زج الشيخ الأسير بـ(فضل) في مجاله الذي يجيده وهو الإنشاد.

وليس كل الطاقات تصلح أن يكون لها بديلاً في الإسلام..
فلو استطعنا إيجاد بديلٍ حلالٍ في الدين كان بها، وإن لم يكن هناك بدلٌ أو مجالٌ قريبٌ فليصبر التائب على بلائه.

3- عدم مراعاة الحالة المادية للتائب:
وبالاطلاع على حال المنتكسين من أهل الفن وتصريحاتهم بعد رجوعهم مرة أخرى للوسط الفني، ستجد أن أغلبهم مر بأزمة مالية طاحنة، لا سيما وهم كانوا في مجالٍ فتنته كبيرة بسبب كثرة عوائده المالية، والنفس الضعيفة إن مرت بابتلاء في المال ضعفت وانقلبت، فهذه ممثلة مصرية اتنكست بعد توبتها وتقول أنها مرت بأزمة مالية طاحنة بعد ارتدائها الحجاب وبعدها عن المجال 14 عام، وهذا ممثل سعودي انتكس بعد 5 أعوام من توبته بسبب قلة المادة أيضًا!

وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من الفقر فقال: «اللّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ» (صحيح أبي داود:1544)، لأن الفقر قد يذل المرء، وقد يودي به إلى ما لا يحب، ومن شدة ابتلاء الفقر وما يفعله بالناس فقد قال علي رضي الله عنه: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".

فالواجب نحو التائب من أهل الفن تحصينه من ذلك الداء الذي استعاذ منه خير البشر، بتخصيص كفالة مالية له أو توفير فرصة عمل تناسب وضعه لكي لا يلجأ للعودة إلى الوسط الجاهلي مرة أخرى.

وأخيرًا..
تلك الفئة -أهل الفن- على قدر ما تفسد من الشباب بما تقدمه، على قدر ما تكون فتحًا ونصرًا للدين وللدعوة إن استقامت، فتوبتهم فرص ذهبية لأهل الدين، وغنيمة ليس من الحكمة التفريط فيها. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد الرحمن ضاحي

كاتب إسلامي مصري