خجل بألف لسان
خجلـت الأنفاسُ قبل مولدها في صدري.. عن مَسْراهـا ومَجْراهـا.. وعلى أديمِ الأرض الْتَحفَت تصدُّعاتِ أنَّاها.. وتلك الرِّيـاض توشَّحَـت نضارةَ الحيـاة.. وارْتـدَت وشاحَهـا الأخضـرَ الزَّاهـي.. وذَرَّاتِ صحاريها حملتهـا رياحٌ هَوْجـاء إلـى حيـث منفاهـا كـان سُكْناهـا..
-1-
خجِـل الدَّمعُ أن يـُراق
على مصبِّ الخـدِّ المَشْبـوبِ بالاحتـراق
والصوتُ الشَّاكي خرس في محرابِ العتمة
بلا صَـدْحٍ ولا شدْوٍ علـى الأغصـان
والكلماتُ الخَرْساء بلغَت من الألـمِ مَـداه
ومن الجرحِ الغائِر بين الحَنايا تلوَّثت مُقْلتاه
والصَّرخـةُ الأبِيَّـة ُدَوَّت فـي الآفـاق
وتيبَّسَت في رَحِمِ الجذوع قبل المخـاض
-2-
خجلـت الأنفاسُ قبل مولدها في صدري
عن مَسْراهـا ومَجْراهـا
وعلى أديمِ الأرض الْتَحفَت تصدُّعاتِ أنَّاها
وتلك الرِّيـاض توشَّحَـت نضارةَ الحيـاة
وارْتـدَت وشاحَهـا الأخضـرَ الزَّاهـي
وذَرَّاتِ صحاريها حملتهـا رياحٌ هَوْجـاء
إلـى حيـث منفاهـا كـان سُكْناهـا
-3-
أيُّ وطـنٍ هذا؟
يؤرِّق الجفنَ فيكْتحِلُ السُّهـادَ والأوجـاع
وروحًا تَخْبو كشمعةٍ توشِكُ على الانْطفاء
تَنْسلُّ كعقيقٍ مضمـومٍ في عقد الافْتراض
رفيـعٍ يوشِـكُ على الانْقطـاع
وأوراقًـا غضَّـةً خضـراء
اقْتلعَتهـا أعاصيـرُ الخريفِ قبل الأوان
فارْتدَتْ ثـوبَ الذُّبولِ بعد الاصْفِـرار
-4-
أي وطنٍ هذا؟
يشرد قلبي الموقـَد بنيـرانِ الاحْتـراق
يشـقُّ ألف طريـقِ ليس له من انْتهـاء
يلزمُـه اجْتراعَ المهالك في كـل درب
ليس له بوصلة ولا خارطة ولا نبراس
ليس له إلا القحطَ يعشِّشُ في النفس فلا ترياق
والدمـعَ سخيـًّا مَجْـراهُ مرْتـع الأقـدام
ليس له إلا وجهًا لتجاعيدِ الزمان بألفِ قناع
ووخزاتٍ لها أشواكٌ تسلخُ كرامةَ الإنسـان
-5-
ماذا أقول أكثر من خجلي من اهْتزازاتِـك يا قلمـي
مـن كيـانِ كلماتكَ زلْزلتْ خفقانَ نبضي
فهـاجَ مَـوْجُ دمـي رَقْراقـًا
أَغْرقَ سريرَ الرقاد ومزَّقَ ستائرَ الظلام
فأشْـرقَ الفكـرُ الخامِـل
وصحا فـي الذَّاكِرةِ تاريـخُ الانْبعـاث
لـوَّنَ خـطَّ المشيـب بسُمْرَةِ الشَّبـاب
أيقظَ الرُّوحَ من ذاكَ السُّبـات
-6-
ماذا أقول لسائلي؟
منذ عقودٍ يخْتبِـئ في كهـفٍ مهجـور
ينتظرُ أشواقه أن تشرق من ذاك المغيب
فينْفكَّ عن روحِه قيدُ الظلام والاسْتعباد
وعمَّا في حوزتـي من أسرارٍ غائـرة
تشتكي دقاتٍ خلف أسـوارِ الكتمـان
ومـا مضـى منقوشًا في ذاكرةٍ مثقَلةٍ بتاريخِ الانْعتاق
وبقايا إنسانٍ مخلَّعٍ مفكَّكٍ مُهْترِئ
يبحـث عـن أشيـاء ضاعـت في طريـقِ النِّسيـان
-7-
ماذا أقول لذاكَ الغريب؟
يبحث عن اسْمِه وعنوانِه
عن بيتـه ودينِـه
عن هويَّتِـه ووطنـه
يبحث عمَّا ضاعَ من تاريخه العتيد
وعمَّا اغْتُصِب من أجزاءِ أرضِه
يبحث عـن بقايـا كـلامٍ يقـال
بصـوتٍ مجَلْجِـلٍ في الآكوان
بلغَـةٍ يفهمُهـا كـلُّ إنسـان
بلسـانٍ عربـيٍّ مبيـن لا أعجمـيٍّ
ينفثُ دخَّانًا مًسْتوردًا في الفضاء
-8-
لـم يتبق لـي ما أقولُه أكثـر
لكنني سأردِّدهـا كلمـاتٍ
هي كلُّ ما لي من حضارةٍ وأمجـاد
تفتح لي باب المغـارة الموصـدة
تقرؤُني من جديد يوميَّاتٍ بلا عنوان
تشـقُّ ذاكَ الرَّحِـمَ الضيِّـق
تهدِّئ ثورتي ومخاضَ الأوجـاع
تُخـرِسُ صرخـاتِ النُّـواح
وتكتُـمُ ضجيـج الأنـات
تبعثُ في دفاتري أقلامًا لها حيـاة
تكتبُنـي من جديـد
منـارةً على صفحـاتِ الشمـس
تشرق على صدري ساطعةً مدى الحياة
صفية الودغيري
كاتبة إسلامية حاصلة على دكتوراه في الآداب - شعبة الدراسات الإسلامية.
- التصنيف: