تساؤلات حول نشر الدعوة بالسيف
السيف المُسلط هكذا دون ضابط يعني القسوة والغلظة، وقد نفى الله تعالى عن الحبيب عليه الصلاة والسلام الغلظة والقسوة، وأثبت له الرحمة بالعالمين كافرهم ومؤمنهم، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بالسيف كما يدَّعون ليسلطه على رقاب الناس، فلماذا ترك كل من أشرك وكفر بالله يحيا على وجه الأرض، خاصة بعد أن ثَبَت دعائم وأركان الدولة الإسلامية، لماذا لم يقتلهم ويبدهم ويُنه نسلهم؟! ولماذا كان يأمر جيش المسلمين بأن لا يقتلوا امرأة أو طفلاَ أو وليدًا أو أعزلاً من السلاح أو عابدًا في صومعته، وألا يغدروا بأحدٍ أو يمثلوا بجثة..؟
حول جملة: "بُعث بالسيف رحمة للعالمين" أحببت كتابة هذا المقال كي أظهر فيه أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحروب فقد أثارت جملة "بُعث بالسيف رحمة للعالمين" شجون وتساؤلات في نفسي، تلك الجملة التي قالها من يطلقون على أنفسهم تنظيم الدولة الإسلامية في فيديو الذبح الذي تم بثه على اليوتيوب، وبعيدًا عن بشاعة الفيديو وما يحمله من آثار سيئة وقاسية على نفس كل إنسان، إلا أنني لن أتحدث عنه ولكن حديثي سيكون عن تلك الجملة المنسوبة زورًا وبهتانًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام..
إذ كيف تستقيم كلمة السيف مع الرحمة؟
وكيف يصف هؤلاء المبعوث رحمة للعالمين، والمتمم لمكارم الأخلاق أنه صلى الله عليه وسلم بُعث بالسف ليُسلط على الرقاب بطريقتهم اللاإنسانية هذه؟!
في حين أن الله تعالى قال عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وقال تعالى عنه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية:159]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه مبينًا الغرض الأساسي من بعثته: « » (مسند أحمد:9187)، ومكارم الأخلاق هذه أساسها حفظ حقوق الآخرين، وعدم الاعتداء، ونشر الرحمة والعدل والفضيلة..
فالسيف المُسلط هكذا دون ضابط يعني القسوة والغلظة، وقد نفى الله تعالى عن الحبيب عليه الصلاة والسلام الغلظة والقسوة، وأثبت له الرحمة بالعالمين كافرهم ومؤمنهم، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بالسيف كما يدَّعون ليسلطه على رقاب الناس، فلماذا ترك كل من أشرك وكفر بالله يحيا على وجه الأرض، خاصة بعد أن ثَبَت دعائم وأركان الدولة الإسلامية، لماذا لم يقتلهم ويبدهم ويُنه نسلهم؟! ولماذا كان يأمر جيش المسلمين بأن لا يقتلوا امرأة أو طفلاَ أو وليدًا أو أعزلاً من السلاح أو عابدًا في صومعته، وألا يغدروا بأحدٍ أو يمثلوا بجثة..؟
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه في خاصتِه بتقوى اللهِ ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال «صحيح مسلم:1731). وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: « » (مسند أحمد:300/1). والعسيف هو الأجير أو العامل الذي لا يحمل سلاحًا ولا يقاتل..
» (وأنا هنا لا أنفي ولا أُنكر الحديث الذي ذُكر فيه السيف، نعم هناك حديث في مسند أحمد:(44/8) فيه: «العلماء في ذلك..
»، ولكن هذا الحديث ليس معناه قتل كل من كفر وأشرك إذ الكفر والشرك في حد ذاته ليس بموجب للقتل، وسأبرهن على ذلك وبالأدلة من كلام رب العالمين، وسأورد كلامقال الإمام مالك في (المدونة الكبرى:3/6): "أما الحرب عند المسلمين فهي دومًا اضطرارية؛ كضرورة لتأمين سُبُل الدعوة، والدفاع عن حرية العقيدة وحرمات المسلمين وأعراضهم، لا مبادأة للقهر والتسلط، فليس الإسلام وحده هو المانع من القتل، وليس الكفر وحده هو الموجب له، -وهذا ما قرّره فقهاء المالكية والحنفية والحنابلة-، أن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء وليس الكفر؛ فلا يُقتل شخصٌ لمجرّد مخالفته للإسلام، إنما يُقتل لاعتدائه على الإسلام، وغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يُلتزم معه جانب السلم".
وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء الذين ساروا على نهجه لم يقاتلوا إلا من قاتلهم واعتدى عليهم ومنعهم من نشر الدين، فقد كانت غزواتهم وحروبهم لأجل رد الاعتداء على الإسلام والأعراض، وليس لإجبارهم على الدخول في الإسلام، ووجود الملل الأخرى التي تُدين بغير الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد من خلفوه في الأمة وإلى يومنا هذا لأكبر دليل على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل بالرحمة والأخلاق الحميدة، وكانت حياتهم –أي الملل الأخرى- في ظل الإسلام آمنة مطمئنة..
قال ابن كثير في (البداية والنهاية:1/337): "ولعلّ من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه خُلق الرحمة؛ فلقد كان رسول الله رحيمًا بالطفل الصغير، والشيخ الكبير، والنساء والمرضى والعواجز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي قادة الجند بالتقوى ومراقبة الله؛ ليدفعه إلى الالتزام بأخلاق الحروب، وبالرحمة في المعاملات حتى في غياب الرقابة البشرية عليه...".
والله سبحانه وتعالى أمرنا في أيات بينات لا تحتاج لتفسير: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]، هذا أمر من الله ألا نقاتل إلا من قاتلنا فقط وأمرنا ألا نعتدي في القتال وهذا تم تفسيره في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للجيوش التي تغزو في سبيل الله، وقال تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بالسيف ليسلطه على رقاب كل من أشرك فكيف يأمرنا الله بالبر بهم والقسط إليهم؟!
إنما بُعث الحبيب بالسيف ليقاتل في سبيل الله من منعه من نشر دعوته واعتدى عليه وعلى أعراض المسلمين، وليس على كل من أشرك وخالف عقيدتنا وديننا.. فمن كانت تلك أخلاقه في حرب من آذوه وعادوه، هل يقال عنه أنه بُعث بالسيف رحمة للعالمين؟! لا والله بل بُعث بالسيف لمن كابر وعاند ومنعنا نشر الدعوة.. أما الذبح والحرق والتمثيل بالقتلى فليس من أخلاق المبعوث رحمة للعالمين.
صلوات ربي عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين يا من بُعثت بالرحمة المهداة، والنور المبين الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
أم سارة
كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام