أخطاء وأمراض المربين
لا شك أن التربية هي من أهم المتطلبات في بناء جيل جديد، تُعلق عليه بعد ربهِ الآمالُ والطموحات في إعادة بناء الأمة، والسعي للتمكين الذي هو وسيلة لإقامة العبودية على الأرض.
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
في مسيرة الصحوة الإسلامية المباركة عقبات كثيرة متراكمة بتراكم الأيام والسنين التي بعدت فيها الأمة عن دينها، وفي محاولة لإزالة تلك العقبات في إحدى مجالات الدعوة، ألا وهي التربية الإسلامية، يأتي هذا المقال.
لا شك أن التربية هي من أهم المتطلبات في بناء جيل جديد، تُعلق عليه بعد ربهِ الآمالُ والطموحات في إعادة بناء الأمة، والسعي للتمكين الذي هو وسيلة لإقامة العبودية على الأرض.
وإن كنا نسعى لإيجاد جيل جديد ينصر دين الله عز وجل فهو يحتاج إلى جيش من المربين، وكلما كان هذا الجيش ذا همة وكفاءة وخلا من الأمراض والأخطاء، كان نجاحنا في هذه المهمة أكبر وأسرع.
ونتناول بإذن الله عز وجل بعض الأمراض والأخطاء التي تصيب أو يقع فيها بعض المربين، نسأل الله عز وجل أن يصلحنا ويصلح بنا ونكون من المفلحين.
1- عدم التأهل، والتصدر المبكر:
فإن من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه، فأحيانًا يتصدر الحدث لعدم وجود غيره بين إخوانه، والتربية أمر معقد بتعقيد فهم النفوس والتعامل معها، وتحتاج إلى دراية كبيرة بعلم الأخلاق والنفوس والخبرة بطباع الناس ومهارة الاتصال بهم، وهذا ما لا يحسنه كثير من الناس، ونتكلم هنا على من عنده الملكة، ولكن يحتاج إلى الخبرة ومطالعة كتب المتخصصين، فهذا يوفر عليه الكثير من التخبط.
2- كثرة الخلطة مع المربى:
إن المربي بشر له طباع وهفوات، ومن أخطر الأمور أن يطلع عليها المربَّى، فهذا يفقده الثقة في مربيه، خصوصًا في البداية، حيث يستشعر التناقض منه، وكان أحد السلف يتصدق في طريقه إلى معلمه ويقول: "اللهم أخفِ عني عيبَ معلمي".
3- الانتقاد الدائم والتعنيف للمربّى:
فيجب على المربي أن يكون رفيقًا بالمربى، خصوصًا في البداية، فالنفوس تنفر من الانتقاد والتعنيف مع ما فيها من رواسب جاهلية، فهذا يولد نفورًا من هذا المربي، بل قد يصل الأمر إلى انتقاده والصد عنه.
4- دخول المربي في جدال مع المربى في قضايا لا يحسنها:
قد يطرح المربى قضية أمام المربي ليناقشه فيها، فإذا كان المربي ليس لديه خبرة بهذه القضية فلا يستحْيِ من إظهار جهله بها، فهذا أفضل من أن يكتشفه المربى، بل يحيله على أهل التخصص بها من أهل الثقة، ولا يخوض نقاشًا لا يحسنه، فهذا فيه تربية بعدم التكلم بغير علم.
5- كثرة المزاح مع المربى:
إن هذا من أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها المربي؛ فإن كثرة المزاح تسقط الهيبة وتولد الأحقاد، قال أحد السلف ناصحًا ابنه: "يا بني لا تكثر من المزاح، فيحقد عليك الكبير، ويستخف بك الصغير"، إنها نصيحة عامة، ولكنها أخص بالمربي، ولا مانع من الملاطفة والتبسم ولكن بدون إفراط، وقد ضربَ المربي الأعظم أروع نموذج في هذه المسألة، فقد كان ضحكه صلى الله عليه وسلم تبسمًا.
6- عدم سماع عذر المربى:
كثيرًا ما يخطئ المربى من وجهة نظر المربي، فلا يدع له فرصة لبسط أسبابه، بل يبادره بالتعنيف أو التخطئة، مما يشعر المربى بالتسلط والظلم من جهة المربي.
7- عدم مراعاة الفروق الفردية للمربى:
قد يضع المربي برنامجًا للتربية، ويوحده على جميع من يتعامل معهم، ولا يراعي فيه الفروق الفردية أو اختلافات الأفراد، ثم تجده يشتكي من عدم الامتثال والتباطؤ.
8- تعنيف المربى أمام أقرانه:
إذا صدر من المربى أمر يستحق التعنيف عليه، وكان ممن يحتمل هذا التعنيف ولا ينفر منه، فيجب أن لا يكون ذلك أمام أقرانه، فهذا قد يكسر قلبه.
9- اعتراف المربي بالخطأ إذا أخطأ:
فيجب أن لا يتكبر على الاعتراف بالخطأ، ويتذرع بالخوف من ذهاب ثقة المربى، فإن اكتشاف المربى للخطأ بعد ذلك أخطر عليه، واعتراف المربي بالخطأ فيه تربية له على ذلك، وهذا من مكارم الأخلاق.
10- الاهتمام ببعض أو أحد المتربين دون الآخرين:
وهذا قد يكون مرضًا، وقد يكون خطأ، ونتكلم الآن على الخطأ، فهذا يكسر قلوب الآخرين، ويولد بينهم وبين من اهتم به المربي شحناء، وربما سعى بعضهم إلى تخطئته أمام المربي.
11- تهميش المربى داخل الفريق:
ربما كان المربى بطيء الفهم أو بطيء الحركة، فيجب على المربي البحث له عن المهام التي تناسب مهاراته ويشعره أن ما يقوم به لا يقل في شيء عما يقوم به إخوانه، فبعمل الكل نتكامل، وإذا حدث العكس وأشعره بأن ما يقوم به لا أهمية له، فإن ذلك يكسر قلبه ويصيبه بفتور.
12- عدم وضع منهج مدروس للتربية:
فالتربية العشوائية وعدم مراعاة التدرج في التربية وما تحتاجه كل مرحلة وكيفية التعامل مع المربى في كل مرحلة يحدث الكثير من الخلل والتخبط.
13- تربية المربى على آراء المربي وتصوراته الخاصة في كل مجال:
مثل أن يكون تصور المربي عن الدعوة أن تكون عن طريق توزيع الأشرطة أو طلب العلم أو الجهاد، فيصب مجهوده التربوي في هذا التصور فقط، فينشأ جيل أعور المفاهيم.
14- اطلاع المربى على الخلافات التي لا يحسن فهمها:
فهذا يضره كثيرًا، فالواجب على المربي ترسيخ المبادئ أولا في كل مجال لدى المربى مع شرح أدب الخلاف له.
15- اختلاف المربين أمام المتربين:
فمع الخلاف يكون أحدهم مخطئًا، فيظهر ذلك أمام المربى، وقد يتدخل في النقاش على أساس أنه طرف يؤيد أحد المختلفين، وربما تجرأ ووصف مربيه بضعف الحجة، وتسول له نفسه أنه حاج شيخه وانتصر عليه، ويصعب على المربى التسليم لشيخه بعد ذلك.
16- التعامل مع المربى وكأنه طفل:
يجب احترام المربى بل المبالغة في ذلك، فهذا يعطي فعلا عكسيًا باحترام المربى للمربي، بل وكل الناس، والحذر من التعامل معه على أنه طفل يسمع ويطيع فقط ولا يستشار، فهذا ينتج شخصية مهزوزة هشة، غير مؤهلة لتصدر في يوم من الأيام، بل يجب أن يناقش ويستشار.
17- الحذر في المعاملات المادية بين المربي والمربى:
فهي كثيرة المشاكل، وقد تفسد العلاقة بينهما، و في الغالب يحاول المربى الإحسان إلى المربي، مما يجعله يتجاوز عن الكثير من حقوقه، فيستمرئ المربي الأمر فينقلب إلى الأكل بالدين.
18- الاهتمام بالمربى فقط دون من حوله:
من والديه أو إخوانه، فيجب الاهتمام بوالد المربى على سبيل المثال حسب الإمكان فهذا يسهل مهمة المربي.
19- عدم مراعاة العادات والتقاليد التي لم ينه عنها الشرع:
فإن نهي المربي عنها برغم عدم ورود دليل من الشرع على حرمتها قد يعطي تصورًا للمربى بأن مربيه متشدد.
أمراض المربين:
ملاحظة: جميع هذه الأمراض تصب في عدم الإخلاص، شَعَر بذلك المربي أو لم يشْعر.
1- مجانبة الإخلاص:
تعتمد التربية على الاحتكاك المباشر بين المربي والمربى، وفي كثير من الأحيان يتعمد المربي فعل الشيء ليقتدي به المربى، وهذا عمل شاق يحتاج إلى الكثير من المجاهدة لتحري الإخلاص، والتفريق المستمر بين المصلحة وبين الرياء، خصوصًا مع مرور الزمن، يغفل المربي عن مراقبة النية ويقع المحظور.
2- حب التزعم والتوقير:
يتجه البعض إلى مجال التربية لما فيه من التزعم والتوقير من المتربين، إذ إن المربي متبوع، وهو لا يقبل أي تهاون أو تقصير في توقيره أو أي مساس بتزعمه للمجلس.
3- التعصب للرأي بحيث لا مجال للمخالفة:
حتى وإن كان الأمر سائغًا، فمبدأ المخالفة والاستقلالية مرفوض، وإظهار المخالفة وكأنها سوء أدب مع المربي، وهذا من أخطر الأمراض التي يكتشفها المربى بمرور الوقت والنتيجة معروفة.
4- الميل للمدح وحب القرب من أهله:
والعكس كذلك مع عدم مراعاة الأفضل من جهة القابلية للتربية، فالمادح مقرب وإن كان من أفشل الناس، والذي لا يحسن المدح له العدل فقط وإن كان لدية مهارات ويستطيع أن يتحمل مهامًا، ولكنه لا يحسن فن المدح.
5- اختلاق الخلاف من أجل اختبار الطاعة:
أحيانًا يكون المربى من أصحاب الرأي، وإن لم يكن في مجال التربية، فيختلق المربي الخلافات من أجل التأكيد أنه ما زال هو المربي.
6- الحزن عند ترقي المربى والبعد عنه:
فمن المفترض أن يفرح المربي لذلك أيما فرح، فقد نجح في مهمته ولكن صاحبنا تقمص شخصية الأم التي تحزن لفراق ابنها وتغار من زوجته.
7- التربية على عدم التخلي عن المربي:
وهذا ليتلافى نتيجة المرض السابق، فرأي المربى دائمًا، وإن كان صوابًا، ناقص حتى يُتِمََّه المربي، أو على الأقل يطلع عليه، وبدون ذلك فهو على خطر ويتجرأ على دين الله.
8 - الحزن عند انشغال المربى عن المربي:
حتى وإن كان ذلك في العمل الدعوي أو حتى العبادة.
9- الحزن والغضب عند تردد المربى على مربٍ آخر:
وخصوصًا إذا أتى من عنده برأي يخالف المربي وإن كان سائغًا، فتقوم الدنيا ولا تقعد، ويبدأ الهجوم المضاد والتخطئة وهجر المربى قليلا من باب (خليه ينفعك).
10- عشق المربى:
هذا لعمر الله مرض خطير غريب، والمراد بذلك توقي الشغف بالمربى، وشدة التعلق والولع به، وتحميل النفس فوق طاقتها في خدمته والتقرب إليه، وتمني الصحبة الدائمة والحزن وعدم الاستقرار عند الغياب، والبحث عن ما يجعله قريبًا حتى وإن خرج الأمر عن برنامج التربية، بل ربما انقلب الحال فيصبح المربي هو التابع، المهم هو دوام القرب والآلفة.
من وجد في نفسه شيئًا مما ذكرنا، فليبادر بالتوبة، والعمل على التخلص من هذا المرض أو ذاك الخطأ، ومن لم يجد فليحمد الله.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إيهاب إبراهيم
باحث شرعي وكاتب صحفي
- التصنيف:
- المصدر: