(التفحيط) رياضة الموت في السعودية

منذ 2015-02-27

أن الشخصيات المفحطة بماهي إلا (السيكوباتية)، وهي المنافية لأخلاقيات المجتمع، كما يراها شخصيات غير مسؤولة وغالباً ما يكون المفحط مهمشاً اجتماعياً، ولا يرى دوراً له في الحياة، أو يكون مكتئباً يعاني من ضغوط نفسية فيمارس التفحيط لجذب الانتباه وجلب السعادة، وعادة لا يخشى الموت ولا يتأثر بقتلى حوادث التفحيط، لأن لديه ميولاً انتحارية ولا قيمة للحياة عنده.

تزايدت في المملكة العربية السعودية مؤخراً، الحوادث المأساوية الناجمة عن عبث الشباب الجنوني بالسيارات، أو ما يسمى بـ(التفحيط)، وتناقلت وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية العديد من المشاهد المؤلمة لشباب فقدوا حياتهم نتيجة تلك الممارسة المميتة.

فقبل ثلاثة أشهر وقع حادث مآساوي لعدد من الشباب كانوا يمارسون (التفحيط) وسط جمهور كبير، حين فقد السائق التحكم بالسيارة مما أدى إلى انقلابها بسرعة عالية وتطاير من فيها جثثاً وأشلاء.

وخلال الشهر الماضي تداول المجتمع مشاهد (فيديو) لتجمع (تفحيط) بالسيارات في المنطقة الشرقية، صاحبه إطلاق نار نتج عنه فيما بعد وفاة أحد الشباب بالإضافة إلى احتراق إحدى السيارات، وبعد فترة وجيزة أعلن أيضاً عن مصرع شاب سعودي في سن 17 عاما أثناء ممارسته التفحيط شرق الرياض، حيث كان يقود سيارته بسرعة جنونية ليختل توازنه ويصطدم، وليستقر أسفل شاحنة كانت قريبة من الموقع.

وقد دفع تفاقم هذه الظاهرة، بعدد من المواطنين والمقيمين إلى مطالبة الجهات المسؤولة بتحرك فوري ملموس وجاد من الجهات المختصة لإيجاد حلول ناجعة لإيقاف حمام الدم هذا الذي أصبح يستنزف أرواح الشباب.

وتلقى مجلس الشورى العديد من الشكاوى على شكل مكالمات هاتفية أو عرائض مكتوبة من قبل مواطنين منزعجين من انتشار هذه الظاهرة و?لتي دفعت ببعض العائلات إلى البحث عن مساكن أخرى، بعد أن تحولت الشوارع التي تُطل عليها بيوتهم، إلى ساحاتٍ تُقام فيها حفلات التفحيط بشكلٍ متكرّر.

كما أثار ناشطون هذه القضية من خلال عدة حملات على شبكات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن تلك الحوادث لا بد وأن تكون بداية للحديث عن الأسباب والدوافع وراء تمسك الشباب والمراهقين بتلك العادة المميتة، ووضع الحلول الفورية لها.

بداية المشكلة وأسبابها:
أشارت دراسات إلى أن مشكلة التفحيط في الخليج والمملكة تحديداً ظهرت إلي حيز الوجود عام 1399هـ، حيث كانت الإمكانات لدى دوريات الأمن محدودة، مما أدى إلى تفشي هذه الظاهرة، وعلى مر الوقت، أصبح لها جمهور من الشباب، حتى تحولت إلى مشكلة اجتماعية يعاني منها المجتمع بشكل ملحوظ وبات من الصعب التخلص منها.

كما أرجعت دراسات متفرقة نشرت على موقع الفيس بوك انتشار هواية التفحيط بين الشباب مع ما تسببه من كوارث إلى ما يعانيه هؤلاء الشباب من مشكلات، مقترحة لمواجهة ذلك تشديد القبضة القانونية على ممارسي هذه المخالفات وتوفير النوادي الرياضية التي يستطيع فيها الشباب توجيه الطاقات التي يتمتعون بها بطريقة إيجابية.

وبالنظر إلى النتائج الحتمية الملازمة لـ(التفحيط) من خسائر في الأموال والأرواح والممتلكات فإن ضعف الوازع الديني يأتي في مقدمة الأسباب لتلك الهواية القاتلة، كما أن حب الظهور والشهرة متلازمان أيضاً مع هذه الممارسة.

ومن أسبابها أيضاً الفراغ، ومحاكاة رفقة السوء، وضعف رقابة الأسرة، وغفلة كثير من الآباء عن أبنائهم، وتأثير وسائل الإعلام والاتصال، والألعاب الإلكترونية، كما أن للغنى والترف الدور الكبير في انحراف بعض الشباب في مثل ظاهرة التفحيط، ويعزز ذلك كله دور الجمهور الكبير في تشجيع المفحط.

ويرى مراقبون أن هناك قصورا واضحا من قبل الجهات المعنية وخاصة وزارة التربية والتعليم، والتي يقع على عاتقها ضرورة التوعية بأخطار هذا السلوك، كما أن هناك شبه إجماع على أن غياب العقوبات الرادعة في حق مرتكبي التفحيط أدى إلى تماديهم فقد وصل الاستهتار بالبعض إلى مزاولتها أمام رجال الدوريات، كما أن جمهور المتفرجين لـ(التفحيط) يعمدون إلى عرقلة رجال الآمن لدى محاولتهم إيقاف المفحطين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تناقلت وسائل الإعلام السعودية أخباراً عدة عن وقوع (مفحطين) ينتمون إلى جهات أمنية وعسكرية في قبضة رجال الأمن، فقد ألقت سلطات محافظة عنيزة شمال المملكة القبض على أحد أشهر (المفحطين) والملقب باسم (فايزر)، حيث تبين أنه يعمل في أحد القطاعات العسكرية بالرياض برتبة (نقيب).

كما أوقفت إدارة المرور في محافظة بقيق شرق السعودية، أحد عناصر المرور التابعين للإدارة، بعد اكتشاف احترافه هواية "التفحيط"، ضمن فريق من الهواة يضم 14 شاباً آخراً.

ولا تزال حاضرة في الأذهان القضية الشهيرة للمفحط (أبو كاب) والذي عمل ضابطاً بالبحرية السعودية، والذي حكم عليه بالإعدام عام 2005، بعدما أدين بقتل ثلاثة قصر في حادث تفحيط، ثم خفف لاحقاً إلى ثلاثة آلاف جلدة و20 عاماً سجنا.ً

وكشف أحد المفحطين الملقب (بإعدام) خلال استضافته في برنامج ( الدين المعاملة) بإذاعة (يو إف إم) أن بعض رجال الأمن يقومون بالتعاون مع مواكب التفحيط من خلال إبلاغهم عن توجه دوريات المرور لموقع التفحيط؛ من أجل هروبهم ومغادرة الموقع، كما نشر موقع اليوتيوب أيضاً مقاطع لأشخاص يمارسون التفحيط بسيارات الشرطة.

ما وراء الظاهرة:
ومما أجمع عليه باحثون ورجال أمن، وما أقر به الكثير ممن مارسوا التفحيط: أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على كونها مغامرة، أو لعبة موت فقط أو حباً للشهرة بل أصبحت بؤرة لسلوكيات منحرفة ومخالفات قانونية.

فقد أصبح التفحيط بوابة لتعاطي المخدرات وترويجها، فمروجوا المخدرات يعمدون إلى التعرف على المفحطين لعرض الأموال عليهم في مقابل إيصال المخدرات، كما أن كثيراً من المفحطين يقومون بالتفحـيط بسرعات عالية وهـم تحت تأثير المخدرات أو المسكرات.

ومن الأسباب الخفية لظاهرة التفحيط هي العلاقات الشاذة، من خلال محاولة بعض الشباب لفتَ انتباه الأحـداث والمردان واستدراجَهم لعلاقات عاطفية أو جنسية شاذة، أضف إلى ذلك فإن كثيراً من حوادث سرقة السيارات في السعودية يعود سببها إلى التفحيط.

رأي العلماء والمختصين:
أفتى علماء المسلمين في هذا العصر بحرمة التفحيط، وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم: (22036) في (27/7/1427هـ) ما نصه: (التفحيط ظاهرة سيئة.. يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم نتيجة لقصور في تربيتهم وتوجيههم، وإهمال من قبل أولياء أمورهم، وهذا بالفعل محرم شرعاً، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتل للأنفس وإتلاف للأموال وإزعاج للآخرين وتعطيل لحركة السير) .

ويقول د. خالد بن سعود الحليبي الأستاذ في كلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الإحساء والمستشار الأسري: "بأنّ التفحيط ظاهرة سلبية كلياً وليس فيها أية إيجابية تستحق أن تترك هكذا لتتنامى وتفسد في أكثر من اتجاه، فها هي ذي تتحول من مجرد هواية إلى أداة لسحق القيم، وإثارة النعرات القبلية الخامدة، بل وإلى بيئة مفتوحة يموج في أحشائها عدد من الظواهر السيئة".

ويضيف: "والأسرة التي تتيح لابنها أن يلتحق بركب هؤلاء مفحطاً أو متفرجاً إنما هي تقذف به خارج السرب، ليلتقطه من لا خل?ق له، وقد يرجعه إليهم جريحاً في خَلقه ضعيفاً في دينه، قذراً في لسانه سيئاً في خُلقه، وتلك والله خسارة عليها وعلى الوطن والأمة كلها، وقد تبذل بعد ذلك كثير من الأوقات والجهود والأموال، بل والآلام لمعالجة ابنها من إدمان أو ارتباط بعصابة مجرمة أو إخفاق في الدراسة".

أما أخصائي الطب النفسي (الإكلينيكي) وليد الزهراني فيقول: "بأن الشخصيات المفحطة بـ(السيكوباتية)، وهي المنافية لأخلاقيات المجتمع، كما يراها شخصيات غير مسؤولة وغالباً ما يكون المفحط مهمشاً اجتماعياً، ولا يرى دوراً له في الحياة، أو يكون مكتئباً يعاني من ضغوط نفسية فيمارس التفحيط لجذب الانتباه وجلب السعادة، وعادة لا يخشى الموت ولا يتأثر بقتلى حوادث التفحيط، لأن لديه ميولاً انتحارية ولا قيمة للحياة عنده".

العلاج:
ولعل من أهم الأسباب لعلاج هذه الظاهرة، قيام أولياء الأمور بدورهم المناط بهم شرعا ونظاما بنصح وتحذير ومراقبة الأبناء من الوقوع في مثل هذه الأفعال المشينة، وعدم التدخل لصالح الابن في حالة وقوعه في يد الجهات الأمنية لهذا السبب.

كما يأتي دور المدرسة والحي والمسجد، وكذلك وسائل الإعلام المختلفة في بيان خطورة هذه الأفعال المشينة ومناقشة هذه الظاهرة مع المختصين والشباب لبيان الوجه الحقيقي لخطورة ممارستها.

ويقترح البعض تفعيل البحث العلمي في الجامعات المعالجة ظاهرة التفحيط بين الشباب من خلال دراسات ميدانية توزع فيها استبانات في المدارس والأماكن العامة والأندية لمعرفة آرائهم وأسباب مزاولتهم لهذه العادة السيئة.

ويبقى دور الجهات الأمنية والقضائية، هو الدور الأبرز في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، واعتبارها قضية أمن وطنية كقضايا الإرهاب والمخدرات، وسن القوانين الرادعة لمن يرتكبها أو يشارك فيها وملاحقته وتجريمه، وذلك لحماية الشباب المفحطين أولاً من نتائج أفعالهم وحماية المجتمع من شرورهم.

 

محمد لافي