مع القرآن - هل نقدر حقاً فضل القرآن؟

منذ 2015-03-01

ن أبي موسى رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأتْرُجة، طعمها طيب وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها».

هل حقيقة نعلم فضل القرآن على سائر الكلام؟
هل حقيقة يعي المسلمون مافي أيديهم من نعمة ومنة كبرى، تفوق جميع ما أنزل على المرسلين من قبل؟
هل تعاملنا مع القرآن يتناسب مع فضل القرآن وشرفه؟
هل تطبيقنا للقرآن يليق به كمنهج متكامل يضمن ويكفل السعادة والسلامة في الدنيا ثم في الآخرة؟
هل نعلم حقاً قيمة القرآن؟

قال ابن كثير رحمه الله في مقدمة التفسير: فضل القرآن على سائر الكلام..
حدثنا هُدْبة بن خالد أبو خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن أبي موسى رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأتْرُجة، طعمها طيب وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها» (صحيح البخاري برقم:5020)، وهكذا رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به (1).

ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودًا وعدمًا، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر، ثم قال: حدثنا مُسَدَّد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أجلكم في أجل من خلا، من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاءً! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت» (صحيح البخاري برقم:5021).

تفرد به من هذا الوجه، ومناسبته للترجمة: أن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلَتْ الأمم الماضية مع طول مدتها، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران من الآية:110].

وفي المسند والسنن عن بَهْزِ بن حكيم عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله» (2). وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنًا عليه، وناسخًا له، وخاتمًا له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجمًا بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى..

فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثمّ إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطًا قيراطًا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفي ما أعطى أولئك، فقالوا: «أي ربنا، ما لنا أكثر عملاً وأقل أجرًا؟ فقال: هل ظلمتكم شيئًا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلي» أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:28،29].
__________
(1) صحيح البخاري برقم (5059 ، 5427 ) وصحيح مسلم برقم (797) وسنن أبي داود برقم (4830) وسنن الترمذي برقم (2865) وسنن النسائي (8/ 124 ، 125) وسنن ابن ماجة برقم (214).
(2) المسند (5/ 3) وسنن الترمذي برقم (3001) وسنن ابن ماجة برقم (4287 ، 4288) وقال الترمذي : "حديث حسن".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
من الأولويات: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}
المقال التالي
الوصية بكتاب الله