دليل الوجود، الحواس أم التأثير؟
الإلحاد ليس مبنياً على حجج عقلية أو علمية، فالكمبيوتر الذي ترى من عليه هذا المقال مبني من أشياء لم ولن تراها (الإلكترونات)، ولكن الأمر كله لا يتعدي أن يكون جحوداً كما قال الله تعالى في سورة الأنعام آية (33): {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
لنأخذ مثلاً على الحواس بحاسة البصر، شروط الرؤية:
لكي نرى جسماً ما سواءً بأعيننا أم بأي جهاز آخر نستخدم الموجات لهذا الغرض، ولنأخذ أهم هذه الموجات ألا وهي الموجات الكهرومغناطيسية مثلاً، لهذا يوجد شرطان يجب أن يتحققا لكي نرى جسماً وندرك تفاصيله، وذلك عند تسليط عليه موجة كهرومغناطيسية انتظار انعكاسها..
أ- يجب أن يكون الطول الموجي المستخدم في الرؤية أقل بكثير من أبعاد تفاصيل هذا الجسم.
ب- يجب أن تكون طاقة الفوتونات الساقطة على الجسم أقل بكثير من طاقة سكون الجسم؛ حتى لا يتطاير الجسم أو يتمزق نتيجة لسقوط الفوتونات عليه.
ويمكن بمعادلات فيزيائية بسيطة استنتاج ما يلي:
أن الشرط الأول يضع علينا حداً أدنى لتردد الموجة حتى نستطيع رؤية جسم ما، والشرط الثاني يضع علينا حداً أعلى لتردد الموجة حتى نستطيع رؤية نفس الجسم..
صفة الأجسام التي نراها..
ونستنتج من هذا أن جميع الأجسام التي نراها تكون رؤيتنا لها بسبب أننا نستطيع أن نجد مجموعة من الترددات التي تحقق الشرطين المذكورين معاً، فهذه الترددات أعلى من الحد الأدنى وأقل من الحد الأعلى..
هل من الممكن استحالة الرؤية؟
نعم فلو وجد أجسام يكون بالنسبة لها الحد الأدني لتردد الموجة الصالحة لرؤيتها أكبر من الحد الأعلى، يستحيل إيجاد ترددات صالحة لهذه العملية، وذلك كأن أقول لك أريد رقماً أكبر من 5 وأقل من 3! هل يوجد هذا الرقم؟ الإجابة هي لا وبالتالى من الممكن استحالة رؤية بعض الأجسام.
أمثلة على جسيمات يستحيل رؤيتها..
الأجسام دون الذرية مثل الإلكترونات صغيرة جدًا في حجمها، حتى أننا لو أردنا رؤيتها تحقيقاً للشرط الأول، سنختار موجات ذات أطوال موجية غاية في الصغر، وبالتالي يكون لها ترددات غاية في الكبر، مما يخالف الشرط الثاني، وبالتالي تتم الاستحالة.
هل الإلكترون موجود ولماذا؟
بالطبع الإلكترون موجود بالرغم أننا -من حيث المبدأ- لا نستطيع رؤيته! إذًا لماذا نعده موجوداً؟
لأن فرضية وجوده هي قسرية لكي نستطيع تفسير كل شيء ابتداءً من التكوين الذري إلى تصميم وتصنيع الإلكترونيات عالية الدقة، فمن العبث بعد كل هذا أن نقول أنه ليس له وجود، وإن قال أحد ما في زمننا هذا ذلك القول لحكم الناس عليه بالجنون، إذًا نحن حكمنا على وجوده بتأثيره وليس بإحساسنا به بحواسنا المادية.
تعريف الموجود هو: "ما له تأثير".
قاعدة: ليس كل ما لا نراه ليس موجوداً ولكن كل ما ليس له أثر وفعالية عن طريق مباشر أو غير مباشر ليس موجود..
وجود الله حقيقة علمية، إننا لا نحس بحواسنا الخمسة في حياتنا الدنيا بالله عز وجل، ولكن تأثيره يظهر في كل شيء ابتداءً من وضع قوانين الطبيعة -فلن توضع وتُألف من تلقاء نفسها وتحفظ من التغيير وتتميز بالثبات من تلقاء نفسها-، مروراً بظاهرة الحياة والروح التي يعجز العلم عن تفسيرها، وتُعد معجزة متكررة لله عز وجل، وانتهاءً بوجود الكون بأكمله الذي يُعتبر هو تأثير الله في عالمنا المتواضع، مقارنة بملك الله الذي لا يتخيله عقل وإن علا..
قال تعالى في سورة الطور آية (35): {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}.
والفطرة السليمة تدل على ذلك كما قال الأعرابي الذي سُأل عن وجود الله: "البعرة تدل على البعير، وخط السير يدل على المسير، فكيف بسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على العلي القدير؟!".
الاستنتاج:
الإلحاد ليس مبنياً على حجج عقلية أو علمية، فالكمبيوتر الذي ترى من عليه هذا المقال مبني من أشياء لم ولن تراها (الإلكترونات)، ولكن الأمر كله لا يتعدي أن يكون جحوداً كما قال الله تعالى في سورة الأنعام آية (33): {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: