مع القرآن - بين صاحب القرآن وحاسديه

منذ 2015-03-02

نرى العجب في دنيانا من حسد الناس وحقدهم على بعض بسبب دنياهم.. حتى أن العين تتسبب في هلاك أسر كاملة، أو في إصابتهم بمكروه! كل هذا لتمني الحاسد زوال النعمة عن حاسده.

نرى العجب في دنيانا من حسد الناس وحقدهم على بعض بسبب دنياهم..
حتى أن العين تتسبب في هلاك أسر كاملة، أو في إصابتهم بمكروه!
كل هذا لتمني الحاسد زوال النعمة عن حاسده.

والأعجب من هذا ما أثبته الشرع عن سرور أهل القرآن بقرآنهم، وعن حال من يحسدونهم.
ترى ما هو حال من يحسد -يغبط- صاحب القرآن ويتمنى أن يكون له مثل ما لديه؟

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في مقدمة التفسير:
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار»" (البخاري).

انفرد به البخاري من هذا الوجه، واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري: "حدثنا علي بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن سليمان: سمعت ذَكْوان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار»، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، «ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق»، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل" (البخاري).

ومضمون هذين الحديثين: أن صاحب القرآن في غبطة وهو حسن الحال، فينبغي أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غبطه يغبِطه غبطًا: إذا تمنى ما هو فيه من النعمة، وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا وهذا مذموم شرعًا، مهلكٌ، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم عليه السلام، على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام.

والحسد الشرعي الممدوح هو تمني مثل حال ذلك الذي هو على حالة سارة؛ ولهذا قال عليه السلام: «لا حسد إلا في اثنتين»، فذكر النعمة القاصرة وهي تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29].

وقد روي نحو هذا من وجه آخر، فقال عبد الله بن الإمام أحمد: "وجدت في كتاب أبي بخط يده: كتب إليّ أبو توبة الربيع بن نافع، فكان في كتابه: حدثنا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن يزيد بن الأخنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانًا فأقوم كما يقوم به، ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفقه ويتصدق، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به»".

وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد: "حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبادة بن مسلم، حدثني يونس بن خباب، عن أبي سعيد البختري الطائي، عن أبي كبشة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر..

وأما الذي أحدثكم حديثًا فاحفظوه،
-فإنه قال-: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعمل لله فيه حقه، -قال-: فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان، -قال-: فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعمل لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو كان لي مال لفعلت بعمل فلان، -قال-: هي نيته فوزرهما فيه سواء».

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
من الأولويات: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}
المقال التالي
التغني بالقرآن