علاة الهمم وبناء الأمم (2)
إن من سجايا الإسلام التحلي بعلو الهمة وذلك يجلب خيراً غير مجذوذ، ويجري في العروق دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل، إن التحلي بعلو الهمة يسلب سفاسف الآمال والأعمال، ويجتث شجرة الذل والهوان، والتملق والمداهنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه، وبعد:
تحدثنا في مقال سابق عن بعض أساليب القرآن والسنة في استنهاض الهمم والارتقاء بها، ونكمل في هذا المقال الحديث حول شيء من آثار علو الهمة فنقول:
إن من سجايا الإسلام التحلي بعلو الهمة وذلك يجلب خيراً غير مجذوذ، ويجري في العروق دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل.
إن التحلي بعلو الهمة يسلب سفاسف الآمال والأعمال، ويجتث شجرة الذل والهوان، والتملق والمداهنة، قال الشنقدي:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متحول
أديم مطال الجوع حتى أميته وأصرف عنه الذكر صفحاً فأذهل
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له علي من الطول امرؤ متطول
ولا يظنن ظان أننا عندما نتحدث عن علو همة أسلافنا العظام يعني الانطواء في الماضي وقطع الصلة بالحاضر والمستقبل، وإلا صرنا كالترجمان الذي يتوقف أمام الآثار ويشيد بالماضي فحسب، دون أن يقدم شيئاً للحاضر.
ولا يظنن ظان أننا بهذا الحديث عن علو همة سلفنا الصالح، وعن مجدهم وعزهم أننا نرجع إلى الوراء في زمن تتسابق فيه الأمم نحو المستقبل، فإن اقتداءنا بخير أمةٍ أخرجت للناس هو ترق وصعود وارتفاع إلى مستوى ذلك الجيل الفريد الذي لم تعرف البشرية له نظيراً، وإن إبراز هذه النماذج أقرب طريق إلى إيقاظ الهمم نحو إصلاح هذه الأمة التي لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ }. وباب المجد والمكرمات لم يزل مفتوحاً يرحب بكل راغب:
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منه ما يعجبك
فليس لدى المجد والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك
فيا من يروم ولوج هذا الباب واجه الحقائق، وتبصر موقع قدمك، ولا تفزع إلى انتظار خراب العالم على أمل أن ينهض المسلمون على أنقاضه، ولا تهرب إلى افتراض حصول خوارق للسنن التي لا تحابي من لا يحترمها، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. وتذكر يوم بدر حين خرج ثلاثة من الأنصار فقالوا: والله لا نطعن في أحسابهم ولا أنسابهم، ولكن أخرج لنا أكفاءنا من قريش، فأخرج لهم علياً وحمزة وأبا سفيان بن الحارث فقتلوهم وكذلك الناس دوماً ، تحب المكافأة حتى إذ هم يُقتلون، والقرشية اليوم تتمثل في الصروح العلمية، والمجامع الأدبية، والمؤسسات الصحفية والمعاهد السياسية والدور الوثائقية، والشركات الصناعية، والقاعات المصرفية، وعلى دعاة الإسلام اليوم أن ينطلقوا منها للمبارزة.
هذا زمان لا توسط عنده يبغى المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه أو ابق بمعزل ليس التوسط للنبوغ سبيلا
وأنت أنت أيها المصلح المرتقب، والمجدد المنتظر، ستخرج إلى الحياة بإذن الله مهما حاول الفرعون أن يتقيك، ومهما وأد من الصبية كي يبدل وعد الله الذي لا يخلف، قد تكون الآن كامناً في ضمير الغيب، أو حقيقة في عالم الشهادة، قد تكون رضيعاً في المهد، أو لعلك نشئت تقرأ الآن هذه السطور:
أنت نشء وكلامي شعل عل شدوي مضرم حريقا
ليس في قلبي إلا أن أرى قطرة فيك غدت بحراً عميقا
لا عرى الروح هدوء ولتكن بحياة الكد والكدح خليقا
إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة عمرية توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة المدلهمة، وتنتظر منك صيحة أيوبية تغرس بذرة الأمل في بيداء اليأس وعلى قدر المئونة تأتي من الله المعونة، فاستعن بالله ولا تعجز.
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود
ورسمناها خطى للـ ـعز والنصر تعود
فتقدم يا أخا الإسـ ـلام قد سار الجنود
ومضوا للمسجد إن المجد بالعزم يعود
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله "وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً، يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوي لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي يبلغ ملكها ما زوي لي منها".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعزل الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه.
الشبكة الإسلامية
موقع الشبكة الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: