ساعات العمر.
إنها الساعة التي تهيجُ فيها الفرحة الكبيرة فتغمر النفس ببشائر الفرح والسعادة، وينشرح لها الصدر والفؤاد، ويطرب لها القلب ويغرِّد أجمل نشيد يفكُّ عقدة اللِّسان، ويطلق سراح الكلمات، فتحلٍّق في الآفاق حاملةً خواطر تجيشُ بالمعاني الصادقة، تبعث الإحساس بدورة الحياة وحركة الكائنات ودبيبها على الأرض.
العمر عبارة عن ساعات، منها ساعاتٌ تمرُّ بنا من غير أن نشعر بها، فتجري مراكبها تسابق الرِّياح، وتحمل معها من الذكريات ما نحبُّ وما نكره، وساعاتٌ نترقَّب قدومَها بشوقٍ جارِف كضيفٍ عزيز يزَيِّن مجالسَنا، فتأخذنا النشوة فرحةً بلقائِه، كأنها فَوْحِ أريجٍ يعطِّر أيَّامَنا، فتُزْهِرُ الآمال والأفراح على وجْنتا الوجه الكئيب، وتتفتَّق البسمات وتشرقُ كالشمس في البكور، وساعاتٌ تفِرُّ منها كفِرارنا من مواجهة الخطوب والأرزاء، ونخشاها كخشيتنا من ملاقاةِ الأعداء في الحروبِ الطِّحان.
ووسط زحمة هذه الساعات التي تمرُّ وتنقضي، تولَدُ ساعةٌ نفيسة من رحمِ الزمن، ترفع صوتَها مجلجِلة بالتَّهليل والتكبير، صادحةً بنبضات الحياة، سارِيةً في خلجاتِ النفس، ومحرِّكةً لنشاطِ الحواس، تغيث عطشَ النفوسِ الظَّامئة، وتخمد ثورة القلوب الحائرة، وتضمِّد نزف الجراح، إنها الساعة التي نختارها على امتداد الفصول والأيام، لتبعث فينا فورة الشباب، فتتحرَّك الجوارح لتخلِّد آثارها وبصمتها المشرقة في هذا الوجود المكتض، وتعبر الخطى طريق العابرين والسَّالكين، والصَّامدين في وجه الشدائد والمحن، لتكون في زمرة الفاتحين المنتصرين على الأهواء والفتن، وندرك ما أدركوه من مراتب الإيمان، ومن يقينٍ وثباتٍ على الحق، وما وسِعَته عقولهم ومداركهم من فهمٍ عميق لمعانى الزُّهد الحقيقي، ومقاصده النبيلة، كسلوكٍ شامل لمناحي الحياة.
فيسعون في الأرض على هدى وبصيرة بلا طمعٍ ولا ترفٍ زائد، مخلصين في عبوديتهم لله وحده، حتى تكتمل فيهم خصائص الاستخلاف، والتكريم والتشريف.
إنها الساعة التي تُمزِّق لثام العتمة ليظهر الوجه الإنساني على طبيعته وفطرته النقية، فيتمثَّل الإنسان المؤمن عبوديته لله من حلال التزامه بقيم الدين وتطببقه لأحكامه في أقواله وأفعاله، وخضوعه للحقِّ والواجب بعدلٍ وإنصاف، وإقباله على الله بكامل إرادته وحرية اختياره، مُتحلِّلاً ممَّا يُزْريه من النقائص ومما يُشينُه من خوارمِ المروءة، متحلِّيًا بالفضائل ومكارم الأخلاق، زاهِدًا في زخرُفِ الدنيا ومتاعِها الزائل.
إنها الساعة التي تهيجُ فيها الفرحة الكبيرة فتغمر النفس ببشائر الفرح والسعادة، وينشرح لها الصدر والفؤاد، ويطرب لها القلب ويغرِّد أجمل نشيد يفكُّ عقدة اللِّسان، ويطلق سراح الكلمات، فتحلٍّق في الآفاق حاملةً خواطر تجيشُ بالمعاني الصادقة، تبعث الإحساس بدورة الحياة وحركة الكائنات ودبيبها على الأرض، في اتصالٍ روحي لطيف، وإشراقة نفسٍ تتأمَّل في الآيات الكونية الباهرة، وترتقي بالعبد المؤمن مراتب علوية من السمو، فيندرج في سلك من خلعوا عنهم لباس الدنيا وتزينوا للآخرة، وتخلصوا من أدرانها وأصدائها، وتخلوا عن أنجاسها، إنها ساعة الصِّدق مع النفس، وساعة الصفاء والنقاء الروحي، وطهارة القلوب من المشاعر المزيفة، وتحرُّر العقول من الأفكار والتصورات الخاطئة، وجمعت الكثير من الأسرار في عمر الإنسان القصير، فاستحقَّت أن تحتل الصدارة، ويكون لها بصمات خالدة على التاريخ الإيماني والإنساني.
صفية الودغيري
كاتبة إسلامية حاصلة على دكتوراه في الآداب - شعبة الدراسات الإسلامية.
- التصنيف: