الحج ووحدة الأمة
وإن في الحج الكثير من المنافع الدنيوية والأخروية؛ فمن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصاحب الحج المبرور جزاؤه الجنة، والحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم، إلى غير ذلك من الخير العميم الذي يمنحه الله تعالى لحجاج بيته.
يعيش المسلمون هذه الأيام موسما من أعظم مواسم الخير، إنه موسم الحج إلى بيت الله الحرام الذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا.
وإن في الحج الكثير من المنافع الدنيوية والأخروية؛ فمن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصاحب الحج المبرور جزاؤه الجنة، والحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم، إلى غير ذلك من الخير العميم الذي يمنحه الله تعالى لحجاج بيته.
لكن من أعظم منافع الحج وآثاره المباركة انه يشعر أبناء هذه الأمة بوحدتهم، وهذا هو الحال في جميع شعائر الإسلام، لكن الصورة في الحج أوضح؛ إذ يؤدي الحجيج مناسكهم في مكان واحد،يطوفون ببيت واحد، بلباس واحد، يناجون ربا واحدا، حداؤهم واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
حين يطوف المؤمن بالكعبة ـ شرفها الله ـ ، أويسعى بين الصفا والمروة، أو يقف بعرفات، أو يبت بمزدلفة، أو يرمي الجمار فإنه يستحضر في ذهنه قائمة شريفة عريقة من خلق الله الذين طافوا بهذا البيت ،وأدوا هذه المناسك، على رأسهم الأنبياء والمرسلون، فقد حجَّه الخليل إبراهيم، وإسماعيل, ويونس وهود وصالح...لقد طاف به خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وها نحن نسير على خطاه، بل لقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى سيطوف بهذا البيت: " والذي نفسي بيده، ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا، أو ليثنينهما"(رواه مسلم).
فحين يستحضر المسلم هذا المعنى يشعر أن له جذورا راسخة ضاربة في أعماق التاريخ، فيحمد الله أنه من خير أمة أخرجت للناس؛ فهي تتصل في نسبها بالثلة المباركة من الأنبياء والمرسلين الذين قال الله بعد أن قص شيئا من قصصهم: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).
إن الحج يشعرنا أمة الإسلام بوحدتنا التي من الله تعالى بها علينا حين أكرمن بهذا الدين وهذا النبي الذي دعا إلى الله تعالى فأجابه أبو بكر العربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فصهرهم الإسلام في بوتقة واحدة حتى إن شعار الواحد منهم :
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
إنه الشعور بالانتماء لهذه الأمة الذي جعل سلمان الفارسي حين سئل : ابن من أنت؟يقول: أنا ابن الإسلام.
إنه الشعور بهذا الرباط الإيماني العجيب الذي ربط الله تعالى به بين قلوب المؤمنين وامتن عليهم بذلك: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103).
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنها في موسم الحج صريحة مدوية: "يا أيها الناس ! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فليبلغ الشاهد الغائب ".
وفي هذا اليوم عظم حرمة الدماء والأموال والأعراض، قال: " أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام. قال: فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم..."الحديث.
ولعلك تلمس هذا المعنى بوضوح في قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم".
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا *** عذب تحدَّر من غمام واحد
أو يفترق نـسـب يـؤلـف بـيـننا *** ديـن أقـمـنـاه مــقـام الـوالد
إنها الوحدة التي نَحِنُّ إليها ونشتاق لأننا حين نكون متحدين لا يكون لأعدائنا مطمع فينا، أما حين نفترق فإنهم يستأسدون علينا ويطمعون فينا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا *** وإذا افترقن تكسرت آحادا
والتاريخ شاهد، فما ضاعت الأندلس إلا حين تفرق أمراؤها، وما ضاعت فلسطين ولا أفغانستان ولا العراق إلا في ظل فرقتنا، وها هو السودان مقبل على المجهول، فبعد قليل شمال وجنوب، ثم ماذا؟
ولا ندري على من سيأتي الدور.فهل نستلهم من الحج هذا الدرس العظيم، فنراجع أنفسنا وديننا لنفوز بخير الدنيا والآخرة؟!!.
الشبكة الإسلامية
موقع الشبكة الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: