المؤمن لايجبن

منذ 2015-04-06

لا تكتمل حرية الأحرار إلا بصفة الشجاعة والإقدام، وليس في العبودية وصف أقرب من الجبن والانكسار، لذا كانت الشجاعة والإقدام دوما من صفات المؤمنين بربهم سبحانه، وصارت صفة قادة الإسلام دوما هي الشجاعة والبسالة.

لا تكتمل حرية الأحرار إلا بصفة الشجاعة والإقدام، وليس في العبودية وصف أقرب من الجبن والانكسار، لذا كانت الشجاعة والإقدام دوما من صفات المؤمنين بربهم سبحانه، وصارت صفة قادة الإسلام دوما هي الشجاعة والبسالة.

أصل الشجاعة مبناه على المبادىء التي تدفع النفس إليها، فتتوق الى تطبيقها، وترفض التنازل عنها، فتبذل لها.

والجبناء دائما عندهم خلل في عبادة التوكل على الله سبحانه، فالمتوكلون على ربهم كلهم شجعان بواسل، إذ علموا أن رزقهم لن يأخذه غيرهم، وأن أجلهم لن يقدم ولن يؤخر.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لايمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو سمعه فإنه لا يقرب من أجل ولا يمنع من رزق» (الترمذي).

وقد ذم الله تعالى الجبناء الذين ينكصون في مواطن الحق، ويتراجعون في مواقف المروءة، بل قد جعل سبحانه صفة الجبن من صفات المنافقين الذين لم يتذوقوا حقيقة الإيمان.

قال سبحانه : {فإذا جاء الخوف رأيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً}.

فهم أشحاء بأنفسهم وأموالهم، فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نظر المغشي عليه مِنَ الْمَوْتِ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حداد.

إنها صفة الجبن والخور، التي لا تنبني معها حضارة، ولا تقام معها الحقوق، ولا تؤدى الواجبات، ولا تحيا بها الأمم، بل يطغى فيها القوي على الضعيف، وتصير الحياة غابة .

لقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة، فقال : «وأعوذ بك من الجبن والبخل» (البخاري)، قال ابن القيم: " والجبن والبخل قرينان؛ لأنهما عدم النفع بالمال والبدن، وهما من أسباب الألم؛ لأنَّ الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذوذات عظيمة، لا تنال إلا بالبذل والشَّجَاعَة، والبخل يحول بينه دونها أيضًا، فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام"، وفي رواية أنس لهذا الحديث السابق قوله " فكنت كثيرا ما اسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقولهن " البخاري.

والجبن يمنع المرء من أخذ حقوقه، ومن الدفاع عن الضعيف، ومن مجرد المطالبة بالحق، فيظل الجبن بالمرء حتى يجعله خائرا منكسرا منطويا، عديم النفع.

قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه : «لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا» (رواه البخاري)، إنها صفات لا تليق بنبي كريم، فما بالك بأكرم الأنبياء وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو لنا قدوة واسوة تطبيقية واقعية.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شرُّ ما في رجل شحٌّ هالع، وجبن خالع» (أخرجه أحمد وابو دود)، قال ابن القيم :" الشحَّ و الجبن أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحُّه هالعًا، أي ملقٍ له في الهلع، وجبنه خالعًا أي: قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة، ولا شجاعة، ولا نفع بماله، ولا ببدنه، كما يقال: لا طعنة ولا جفنة، ولا يطرد ولا يشرد، بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع" عدة الصابرين.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَسْبُ الرجل أن يكون فاحشًا بذيًّا بخيلًا جبانًا» (أخرجه احمد).

ولست في حاجة أن ابين واؤكد أن الحكمة استخدام الشىء في مكانه، فليس من الشجاعة مثلا وضع النفس موضع الهلكة المعلومة المتأكدة، وليس منها خرق القوانين السائدة، وليس منها مضادة الشريعة وارتكاب الأضرار للنفس أو المجتمعات بحجة الشجاعة وعدم الجبن، إنما الشجاعة قول الحق والعمل به، والالتزام بمبادىء الخير والهدى، وصون العرض وحفظ من تعول، والثبات على قيم الإيمان مهما تغيرت الأحوال.


خالد روشه