وسائل التواصل الاجتماعيّ.. والقطع الأسري (1-2)
في نظرة واقعية وحقيقية فقد تجد أن تلك الوسائل التكنولوجية بالإضافة إلى عملها في إضاعة الوقت، ونقل كل ما هب ودب، دون التثبت من أي أمر.. ورغم اقتناع فئة بأنها تنقل الثقافة عن طريق المقالات والروابط بكثافة.. فإنها وسائل لقطع العلاقات وليس لوصلها، وذلك حين أصبحت للبعض كمن تلهيه السنّة عن الفرض! فهو يكلم أصدقاءه نعم.. لكن على حساب أهله.. أو قد يقضي عليها جلّ وقته..!
يُقنعك مخترعو التقنيّة بالاسم الذي يطلقونه عليها..!
فكما أطلقوا قديمًا على الربا اسم (فائدة)، وعلى الخمور (مشروبات روحيّة)، صاروا يقولون: برامج التواصل الاجتماعية متل (الفيس والوتس آب واللاين) وغيرها.. ونحن نصدّق ونمضي قدمًا، بل أقدامًا..! فلا ينبغي أن يظهر جهلنا في التطور ومجاراة العصر، ولا بأس بالمقابل في بعض الجهل بالدّين أو بالسياسة أو بالتاريخ.. مهما بلغ بنا العمر!
وأنت إذا نظرت نظرة سطحية إلى وسائل التواصل الاجتماعي تجد أنها تصلك بالعالم رغم أنها في أحيان كثيرة تصلك بعالم افتراضيّ.. قد تصطدم لو رأيته في الواقع! كما أنها تنقل لك من الأخبار (الصادق والكاذب)! ومن ناحية أخرى فإنّ القصد من نشر هذه البرامج بيننا هو إفساد الدين وتردّي الأخلاق.. -وهي كما أعتقد أساس الفكرة-!
أما في نظرة واقعية وحقيقية فقد تجد أن تلك الوسائل التكنولوجية بالإضافة إلى عملها في إضاعة الوقت، ونقل كل ما هب ودب، دون التثبت من أي أمر.. ورغم اقتناع فئة بأنها تنقل الثقافة عن طريق المقالات والروابط بكثافة.. فإنها وسائل لقطع العلاقات وليس لوصلها، وذلك حين أصبحت للبعض كمن تلهيه السنّة عن الفرض! فهو يكلم أصدقاءه نعم.. لكن على حساب أهله.. أو قد يقضي عليها جلّ وقته..!
وقد توصلت إلى هذه الفكرة وأنا أراقب سلوك الناس لفترة..
وأنا أجلس بين الناس لعدة مرات، في غرفة بها عائلات، مكوّنة من أولاد وآباء وأمهات.. لا يوجد بينهم أي حوار، الكلّ يجلس وبيده إحدى التقنيّات، بينما الأب العجوز ينظر في الجدار! فالخطّة: أن لا تكلّم من يقابلك في نفس الغرفة.. وإنما تستحضر الشخص البعيد لتحاوره حوارًا صامتًا باليد.. وهكذا يكون المؤدّى أنك تترك الأرحام وأنت في زيارتهم لتتواصل مع أشخاص بالكاد عرفتهم!
وهكذا تجد الإخوة في نفس الغرفة لا يطيق أحدهم من إخوته كلمة! كي لا يقطع محادثاته مع أصدقائه عبر وسائل التواصل القطعية! فلم تعد هناك حميمية عائلية ولا جلسة طبيعية ولا علاقة أخوية.. كما كانت قديمًا، لقد فُقدت العلاقات الأخوية الجميلة.. كما كانت في جيلنا..!
حيث كانت أختنا الكبيرة عابدة تجلس للقراءة بينما نتشاجر أنا وأختي مؤمنة كمنظومة يوميّة مؤكدة.. فنزعجها بأصواتنا فتدبر خطّة.. وهي أن تثير الحماس بواحدة فينا لتبدأ بالشّجار.. ثم بالأخرى لتأخذ بالثأر.. بل وتدلنا على أسلحة تنفع في القتال! حيث ترشدني إلى إحضار المكنسة، ولمؤمنة بفك زجاج النافذة.. وما إن نبدأ المبارزة حتى تنادي الوالدة لتوبخنا وتحبس كل منّا في غرفة.. وتكمل هي قراءتها مسرورة فرحة!
وهكذا كان التواصل بين العائلات بالزيارة.. ثم أصبح بالهاتف.. ثم بالرّسائل والمسجات.. وأخيرًا صار بالمجموعات! فلا يجب أن تتعب وتكلّم أفراد الأسرة كلّ على حدة، بل تشملهم جميعًا بكلمات موحّدة.. ابتداءً من ابن خالة عمة جدتك.. وانتهاءً بالوالدة!
ولهذا فأنا ألحّ في إصدار جديد لأغنية (ابعتلي جواب وطمّني) بأن تصبح (ابعتلي وتس أب وطمّني)! فلم تعد الرسائل -مقصود بها البريد- مجديّة.. بل بتًّ أخشى أن تظهر أغنية لفصم عرى الزوجية.. بعنوان: ابعتلي مسج وطلقني! تتبعها أغنية: -أعجبني- أنت طالق يا عمري.. لنجاري التطور وعصر السرعة! هذا وتساعد فكرة آخر ظهور في قطع العلاقات أو في زيادة النزاعات.. أو إخفاء الظهور في بعض الأجهزة للتساؤل لِمَ استخدم الشخص هذه الميّزة!
أيضًا بدأت هذه البرامج تعبث بعقلي، حيث لدي مجموعة من الأخوات ألتقي بهنّ كل فترة.. أحبهنّ جميعًا لكن بينهنّ واحدة كلما قابلتها أُصبتُ بوعكة، فأخذ عقلي يُومئ لي أن ماذا لو جعلتُ عليها حظرًا في الجلسة.. فلا تراني ولا أراها ولا أمرض بعد لقياها!
لكنني مع هذا لا أنفي أهمية هذه البرامج ولا الأجهزة التي تحتويها.. إذ أنّه قديمًا كانت الأمّ تسهر لتشتكي -آي من آلام ظهري وركبتي- وكذا الأب –آي من رأسي ورقبتي-، فاستعاضوا عنها بالـ(آي باد وآي فون)! مع وجود أشخاص ومجموعات إليهم يشتكون! وعندما ناقشت أحدهم أننا لا نستخدم هذه البرامج بطريقة صحيحة قال لي: "للضرورة أحكام"!
والسؤال: عددوا أحكام الضرورة لاستخدام الأجهزة المذكورة؟!
أروى العظم
كاتبة إسلامية