بين (فَهمِ السلَف) و(فهمِ كلامِ السلَف)
إنَّ اتباعَ السلَفِ حقًا هو بموافقة منهجهم وأدواتهم في التعاطي مع النوازل المختلفة.
من صوَرِ الإرهابِ الفكريّ الذي تُمارسُهُ بعضُ التياراتِ الإسلاميةِ في مُصادَرَةِ آراءِ المُخالفينَ، زعمُهُم أنَّهُم على الكتابِ والسنةِ بفَهم سلَفِ الأمَّة!! فسيكونُ المخالفونَ لهم بطبيعةِ الحالِ مُخالفينَ لفَهمِ سلَفِ الأمَّة، وسيُصَنَّفونَ بالتالي وَفقَ قوالبهم الجاهزَةِ التي يجمَعُها إطارٌ عامٌّ "أهلُ الأهواءِ والبدَع"! وهم بذلك يُسَوّقونَ لأفهامِهم الخاصَّةِ كيفما كانت ويَهابُ المخالفُ أن يرُدَّ عليهم لأنَّهُ يُساوي عندَهُ الرَّدَّ على السلَفِ الصالح.
نعم، قد يصدُقُ هذا القولُ على مسائلَ محدودةٍ تمايَزَ فيها مذهبُ السلفِ عن مذهبِ الخَلَف، كمسائل (الصفات) و(الإيمان) ونحوها، ولكنَّ القومَ يُرهبونَ خصومَهم بـ(فهم السلف) في كلِّ آرائِهم التي يتبنَّونَها، حتى في النوازِلِ التي لم يشهدْها السلفُ!!
لا رَيبَ أنَّ هذه جنايةٌ منهُم على السلف، عندما يُقحِمونَ أقوالَهم في غيرِ مِحْورِ البحثِ أحيانًا ويقولون لك: هذا فهمُ السلف! وهو في الحقيقة فهمُهم لكلام السلف وليس فهمَ السلف، فهم يُريدونَ إلزامَنا بفَهمِهم لتلك النقولاتِ التي نتعامَلُ معها ونفهمُ منها غيرَ ما يفهمون! فإذا كانت الآثارُ واحدةً والأفهامُ مُختلِفَةً فلِمَ لا يكونُ فهمُنا هو فهمَ سلفِ الأمة؟!
إنَّ اتباعَ السلَفِ ليس بالجمود على رأيٍ قالوا به في نازلةٍ لها حيثياتها التي أدَّت باجتهادهم إلى ذلك الرأي، ولكن اتباعهم حقًا هو بموافقة منهجهم وأدواتهم في التعاطي مع النوازل المختلفة.
خلاصَةُ القَول:
شتَّانَ بينَ (فهم السلف) و(فهم كلام السلف)، فكن يا صاحبي يقظًا من مصايد المصطلحات، وأخطرُها ما كان حقًا يُرادُ به باطل.
جمال الباشا
مؤهلات الشيخ جمال بن محمد الباشا: ماجستير في القضاء الشرعي، دكتوراه في الفقه وأصوله، رسالة الدكتوراه في السياسة الشرعية، مدرس في أكاديمية العلوم الشرعية.
- التصنيف: