إشارات وعبر من سيرة ومؤلفات الشيخ بكر أبو زيد - (3) التواضع

منذ 2015-04-26

من المعالم البارزة في شخصيته : علو الهمة في الترقّي في مدارج العلم..

جانب التواضع:

التواضع من صفات العلماء الراسخين في العلم، وقد حصل الشيخ بكر على مراتب علمية أكاديمية متقدمة، فحصل على لقب (العالمية) و(العالمية العالية) كما يُحب أن يُطلق عليهما في كتاباته، وهما في المصطلح العلمي المعاصر (الماجستير) و(الدكتوراه)، ومع هذا لم يكن يصف نفسه بها ولا يقدّم تلك الألقاب أمام اسمه عند طباعة كتبه، ولا يضع لفظة (الدكتور) ولا يرمز باختصارها (حرف الدال)، وقد سبق أن له رسالة في علاج ونقد هذه الظاهرة وهي: (تغريب الألقاب العلمية).

ومما يدل على تواضعه، بل دقّته عليه رحمة الله: أنه كان يكتب على مؤلفاته العبارات التالية: بعضها عبارة: "تأليف.."، وهو ما قام بتأليفه، مثل: كتاب (تصحيح الدعاء) وكتاب (طبقات النسّابين).

وبعضها عبارة : "قرأه" كما في كتاب (الجدّ الحثيث في بيان ما ليس بحديث)، ولعله يريد رحمه الله أنها "مَنْزِلة أقل من تحقيق، أو حقّقه"، وقد ذكر فوائد في ذلك انظرها للفائدة في (ص: [6] من الكتاب نفسه، طبع دار الراية ط:[1] 1412 هـ).

من المعالم البارزة في شخصيته : علو الهمة في الترقّي في مدارج العلم:

بدأ الشيخ دراسته الشرعية النظامية في كلية الشريعة فتخرج فيها، ثم عُيّن قاضيًا في محكمة المدينة النبوية، ولم يقف عند هذا الحد مع ما في عمل القضاء من متاعب وصعوبات، إلا أن ذلك لم يثنه، بل واصل دراسته وحصل على ما يحب أن يطلق عليه في كتاباته : درجة (العالمية) (الماجستير)، وقدّم أطروحته في جانب الرجل الذي أحبّه وتخصّص به الإمام (ابن قيم الجوزية)، وكان عنوان تلك الدراسة (الحدود والتعزيرات عند ابن قيم الجوزية؛ دراسة موازنة) طُبِعَ في دار العاصمة عام 1415 هـ في مجلد واحد.

وتعالت همّة الشيخ مع علوّها وتسامت مع سموّها مكتسبة من ابن القيم قدوة، وانبعثت الآمال لمواصلة المسيرة في المجال نفسه؛ كما أفصح في مقدمة كتابه الذي عنون له بـ(أحكام الجناية على النفس وما دونها عند ابن قيم الجوزية؛ دراسة موازنة) صدر عن مؤسسة الرسالة (ط [1]) 1416هـ.

وواصل الشيخ بحوثه وإبداعاته في نشر العلم ما بين تأليف، وتحقيق، وعناية، وإخراج لبعض الكتب في جوانب مختلفة من علوم الشريعة في مخاطبة شرائح المجتمع بمختلف طبقاته (عامة، طلبة علم، مثقفين، علماء، متخصصين..) وإن الناظر في مسرد مؤلفات الشيخ يأخذه العجب من تلك الشمولية والتنوع في فنون متنوعة حباه الله إياها.

ولم يقف عند هذا بل واصل في مجال خدمة العلم وتوجيه الطلاب عن طريق الإشراف على الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه) فقد أشرف الشيخ على عدد من الرسائل وطبع شيئًا منها وقدَّم لها[1].

قال الدكتور عبد الرحمن الأطرم في مقدمة رسالته للدكتوراه (الوساطة التجارية) التي أشرف عليه فيها الشيخ بكر أبو زيد، قال عنه ص: [17]: ".. فهو الذي وضع يدي على هذا الموضوع وأشار عليّ به وأرشدني إلى جملة من مظانه، وقَبِل الإشراف عليه بصدر رحب، وكان كلما وجد مسألة تتصل بهذا البحث زوَّدَني بها، فاكتسبت من مجالسته العلم والأدب والتوجيه والإرشاد وعرفت منه النصح والغيرة فَشَكَر الله له وأعظم أجره".

وواصل خدمته للعلم وأهله في مجال آخر؛ وهو الإشراف على المشاريع العلمية القيّمة التي أخرجها مَجْمَع الفقه الإسلامي، بتمويل من مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية - جزاهما الله خيرًا - فكان الشيخ بكر مشرفًا على تلك المشروعات ومتابعًا وموجّهًا لمن يقومون بالعناية والتحقيق لتلك المجاميع العلمية المباركة، مع التقديم والمشاركة فيها أيضًا، وقد صدر منها الآتي:

1- (آثار شيخ الإسلام وما لحقها من أعمال) وطُبع في أحد عشر مجلدًا، وشارك الشيخ في هذه المجموعة بمؤلَّف -يُعتبر من آخر ما كتبه قبل مرضه الذي أقعده عن كثير من الأعمال- سمَّاه (المدخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال) في مجلد صغير.

2- (آثار ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال) المطبوع في ثمانية عشر مجلدًا، وقد قدّم الشيخ بكر لذلك المشروع بمقدّمة ضافية مفيدة حول هذا المشروع، تهم طالب العلم كما في المجلد الأول من (بدائع الفوائد) ضمن تلك السلسلة.
3- (آثار العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي) وطُبع في تسعة عشر مجلدًا حوى آثار ومؤلفات ذلك العَلَم الذي أراد الشيخ بكر أن يرد له شيئًا من جميل ما حباه به من علم وأدب ووقت وإفادات حصّلها وتلقّاها على يديه مدة ملازمته التامة له؛ عندما كان قاضيًا في المدينة النبوية ما يقارب عشر سنوات، فبرّ التلميذُ بشيخه، عليهما رحمة الله.

ونأمل من مجمع الفقه الإسلامي الذي رأسه الشيخ بكر قرابة خمسة وعشرين عامًا، والذي تبنّى طباعة تلك المشروعات العلمية التي أشرنا إليها؛ لأنها من ضمن الأهداف التي قام من أجلها المجَمْع، وكذلك نأمل من مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية التي قامت -مشكورة- بتمويل تلك المشروعات، نأمل منهما أن يقدّما لأهل العلم وللشيخ بكر -رحمه الله- بعد وفاته خدمة وشكرًا عمليين مقابل جهوده في المَجْمَع والمؤسسة؛ يمدّ في أجره، ويسهّل على الباحثين والمحبين والراغبين في مطالعة إرث الشيخ العلمي؛ فيقوموا -فضلًا لا أمرًا- بتبنّي مشروع (مؤلفات وآثار العلَّامة بكر أبو زيد) لتكون ضمن هذه السلسلة، وذلك لما تحمله مؤلفاته من فائدة وعلم وأصالة شهد له بها أهل العلم، والقبول والانتشار الواسع لها.

____________

[1]- من ذلك كتاب (التأخير وأحكامه في الفقه الإسلامي) رسالة دكتوراه تأليف د محمد العيسى مطبوعة في مجلدين، وكتاب (الوساطة التجارية في المعاملات المالية) رسالة دكتوراه تأليف د عبد الرحمن بن صالح الأطرم.

المصدر: مجلة البيان - العدد: [264] - صفحة: [76] - شعبان 1430 / أغسطس 2009
المقال السابق
(2) معالم في مؤلفات وشخصية الشيخ
المقال التالي
(4) الصبر والجلد والمعايشة