الحرب القذرة على تركيا
من الذي يتكلم عن حقوق الأرمن والتجاوزات في حق الأرمن؟ ومن الذي ينصب اليوم نفسه مكافحًا للإرهاب ومحاربًا له؟ الذين هم أول من مارسوا الإرهاب على ظهر الكرة الأرضية..
حين كانت تركيا ترزح تحت الفقر وغارقة في الديون وتعاني أسوأ المعاناة في داخلها من نيران الانقلابات، وانعدام سبل العيش، وعدم توفر مياة الشرب الصالحة، لم يكن هناك من يذكر مذابح الأرمن ولا ما حدث للأرمن، لكن حينما نهضت تركيا وأصبح هناك من يتوضأ ويصلي ويحرر شعبه من الفقر ويضعه في مصاف الكبار وقيادة العالم، ويعلّم الكبار أن السياسة ليست بالضرورة أن تكون نجاسة، أو خيانات للشعوب أو إشعالًا للفتن والحروب، وإنما يمكن أن يكون للسياسة وجه آخر بنشر الحرية واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها..
والوقوف بجانب المظلومين، واحترام الميثاق العالمي لحقوق الإنسان حتى لا يفقد الضعفاء ثـقـتهم في العدالة الدولية، وحتى لا تظن الشعوب الضعيفة أن الكبار في هذا العالم ليسوا إلا مجموعة من الذئاب المفترسة أو المتوحشة كما هم الآن فتمتلئ هذه الشعوب كراهية لهم بما ينشر العنف ويمنع الاستقرار وينشر الإرهاب.
حين سلكت تركيا هذا المسلك النظيف، وأبت أن تتلوث وتشارك في المعارك القذرة ضد إرادات الشعوب، ورفضت أن تتورط في المجازر الحديثة، ظهر هذا المخطط القذر وظهرت مذابح الأرمن وضرورة الاعتراف بما حدث في حق الأرمن للتغطية على الجرائم التي تورط فيها الكبار.
من الذي يتكلم عن حقوق الأرمن والتجاوزات في حق الأرمن؟ ومن الذي ينصب اليوم نفسه مكافحًا للإرهاب ومحاربًا له؟
الذين هم أول من مارسوا الإرهاب على ظهر الكرة الأرضية، واستخدموا السلاح النووي الذي أباد أكثر من مائتي ألف نفس بشرية، مات أكثر من نصفهم في ساعات من اليوم الأول بالقنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناجازاكي في أغسطس 1945 م، وكانت الهجمات الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة النووية في تاريخ الحرب.
الذين أبادوا الملايين من الهنود الحمر الذين استقبلوهم على أرضهم، وحسبوهم أنهم الآلهة البيضاء والملائكة التي ستنشر عليهم السعادة، واستقبلوهم بقرابين الذهب، فإذا بهم يبيدونهم من على ظهر الأرض ويستأصلون شأفتهم، ويقيمون حضارتهم على أرضهم.
الذين دعموا وشاركوا في أبشع جرائم التطهير العرقي والإبادة في حق المسلمين في العصر الحديث في البوسنة والهرسك، وفي أفريقيا الوسطى.. الذين قتلوا أكثر من ثلاثمائة ألف مواطن سوري بالبراميل المتفجرة والغازات السامة، وهجّروا الملايين، ودمروا وطنًا كاملًا وشردوا شعبه.
هؤلاء تحولوا إلى حمائم سلام، ينبشون في قبور الماضي لعلهم يجدون مذابح مثل المذابح التي ارتكبها أجدادهم في إبادة الهنود الحمر، أو في بيت المقدس في الحروب الصليبية الأولى حين قتلوا أكثر من سبعين ألف نفس بشرية في ساعات من نهار، وارتكبوا من الجرائم الآثمة في قتل الأطفال والنساء ما حفلت به كتب تاريخهم ومصادرهم كما قال: (Raymond d`Aiglesريمون داجيل)، وكذلك كتاب: "أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس"، وكذلك ما ذكره (وليم الصوري) في هذا الشأن، الذين قتلوا وأبادوا المئات في سويعات من نهار في فض اعتصام رابعة والنهضة تحت حماية ودعم دولي كامل.
ما هو الإرهاب الذي يحاربونه ومن هم الإرهابيون الذين يحاربونهم؟
إنهم داعش!
داعش الذين يحاربون العالم كله ويفتحون الجبهات مع كل الجهات لكنهم يرون أن الاقتحام على بشار الأسد وفتح دمشق ليس من الجهاد الذي يتشرف به تنظيم داعش! وإنما جهاد داعش هو قتل وجرح العشرات من اللاجئين وترويع الأطفال والنساء في مخيم اليرموك وتحويله إلى جحيم الحياة فيه مستحيلة.
داعش الذين تقطع قوافلهم العسكرية وأرتالهم التي تبلغ أحيانًا المائتي سيارة بالعدد والعتاد مئات الكيلو مترات من العراق إلى الشام كأنها في نزهة خلوية طوال المسافة، لكن أقمار الرصد الصناعية التي ترصد لأصحابها حبات الثمار على الأرض لا ترصد المركبات المحمّلة بالأسلحة الثقيلة لتنظيم داعش!
داعش لديهم انتحاريون جاهزون لتفجير أنفسهم، لكن سياراتهم المفخخة لا تنفجر إلا في قادة حركة الأحرار والنصرة والجيش الحر، وصفوف المقاومة من الثوار!
داعش لديهم القدرة أن يحاربوا العالم كله في ليبيا، لكنهم لا يقاتلون ولا يقتلون إلا قوات فجر ليبيا والرعايا الأجانب العزل، ويتخذون من سرت مسقط رأس القذافي مركزًا لهم، وتنعم قوات خليفة حفتر وحكومة طبرق وشرق ليبيا في ظل وجودهم بسلامة وأمن ورخاء، وربما تبادل الهدايا في الخفاء!
داعش أعلنوا عن تدشين ولاية جديدة لهم في صعيد مصر بعد ولاية سيناء، لتبدأ مرحلة (ماعش) بعد (داعش)! أي مصر والشام، وأنهم سيقيمون الخلافة في مصر بعد أن ضيعها "المرتدون الكفار" أمثالنا من أنصار محمد مرسي "الكافر المرتد"، هو وكل من ذهب إلى صناديق الانتخابات وسلك المسار السياسي السلمي عند داعش! داعش يهتمون في العراق بتكسير الآلات الموسيقية والتماثيل، بينما تتكسر عظام الفتيات السنيات الأسيرات في سجون بغداد.
بعد ما سلف.. هل يمكن للذين يتآمرون ويريدون إعلان الحرب على تركيا أن يعلموا أن الشعوب باتت تعرف من الذين صنعوا داعش، ومن هم الوجه الآخر لداعش، حتى ولو كانوا ممن يملكون حق الفيتو الذي يحمون به من وراء داعش؟
حسن الخليفة عثمان
كاتب إسلامي
- التصنيف: