غَيرة النساء

منذ 2015-05-05

الغيرة هي أميز ما تتميز به المرأة فهي من الصفات التي فطرت عليها، ولكنها تتفاوت بين امرأة وأخرى.

الغيرة هي أميز ما تتميز به المرأة فهي من الصفات التي فطرت عليها، ولكنها تتفاوت بين امرأة وأخرى. فالله سبحانه وتعالى خلق المرأة وكتب الغيرة عليها وركبها في طباعها. وهذه الغيرة الحاصلة للنساء قد تخرجهن عن دائرة العقل وتدبر العاقبة فيحصل بذلك ما لا يحمد عقباه.

 

معنى الغَيرة:

والغَيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين (تحفة الأحوذي). وقال الكفويّ: الغيرة: كراهة الرّجل اشتراك غيره فيما هو من حقّه، وذكر الرّجل هنا على سبيل التّمثيل، وإلّا فإنّ الغيرة غريزة تشترك فيها الرّجال والنّساء، بل قد تكون من النّساء أشدّ (موسوعة نضرة النعيم).

 

نماذج من غَيرة النساء:

وقد وقعت هذه الغيرة من فاضلات النساء وأزواج الأنبياء وأمهات المؤمنين؛ ومن ذلك ما حدث للسيدة سارة زوج نبي الله إبراهيم عليه السلام- من الغيرة من هاجر وولدها إسماعيل، وهذه الغيرة هي التي دفعت إبراهيم عليه السلام أن يبعدهما عن نظر سارة؛ "فإن سارة امرأة الخليل صلى الله عليه وسلم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة فإنها كانت جارية فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة سارة فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها هاجر وابنها ويسكنها في أرض مكة لتبرد عن سارة حرارة الغيرة وهذا من رحمته تعالى ورأفته" (زاد المعاد).

 

وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تغار على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تغار من ضرائرها أمهات المؤمنين بل إنها كانت تغار من خديجة رضي الله عنها التي ماتت قبل أن تراها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر من ذكر خديجة رضي الله عنها، "وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة" (فتح الباري)؛ فكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة جعلت عائشة تغار منها رضي الله عنهما. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غِرتُ على أحدٍ من نساءِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما غِرتُ على خديجةَ، وما رأيْتُها، ولكن كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُكثرُ ذِكرَها، وربما ذبح الشاةَ، ثم يُقَطِّعُها أعْضاءً، ثُمَّ يَبْعَثُها في صَدائِقِ خديجَةَ، فربما قُلْت له: كأنهُ لم يكُن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجةُ، فيقول: «إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولدٌ» (أخرجه البخاري). وفي الحديث السابق دليل على "ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عمن دونهن" (فتح الباري).

 

وفي موقفٍ آخر ترويه أيضًا عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ: فَغِرْتُ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ؟ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِى لا يَغَارُ مِثْلِى عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَمَعىَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّى أَعَانَنِى عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمُ» (أخرجه مسلم).

 

ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه موقفًا من مواقف غيرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها فأهدت إليه إحدى أمهات المؤمنين صحفة بها طعام فغارت عائشة وضربت يد الخادم فوقعت الصحفة وانكسرت وتبعثر الطعام على الأرض؛ يقول أنس: "فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمكم»، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت" (أخرجه البخاري).

 

"وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة" (شرح النووي على مسلم). "وقوله غارت أمكم اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا يُحمل صنيعها على ما يُذم بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها" (فتح الباري).

 

وهناك الكثير من المواقف التي روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لغيرتها على النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن ما الذي ينبغي فعله تجاه غيرة المرأة؟ وكيف يتصرف الزوج تجاهها؟ وما هو ضابط تلك الغيرة؟

 

ضابط الغيرة:

نبدأ أولًا بضابط الغيرة ألا وهو التوسط فلا إفراط ولا تفريط؛ فالإفراط في الغيرة يؤدي إلى نتائج كارثية قد تستحيل معها الحياة الزوجية، فالمرأة التي تسرف في الغيرة على زوجها ترتكب أفعالًا تضايق الزوج كالتجسس على مكالماته وفتح هاتفه وقراءة رسائله والسؤال عنه في أوساط عمله وتتبع تحركاته وغير ذلك من الأفعال التي لا يجد معها الزوج إلا النفور من زوجته وقد يتمادى بعض الأزواج فيفعلون ما يثير الشك في نفوس زوجاتهم نكايةً فيهن وانتقامًا.

فالغيرة التي بدون دليل وإنما هي محض شكوك وظنون وأوهام هي غَيرة مذمومة لا يحبها الله سبحانه وتعالى كما في الحديث الذي صححه الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ ومِنها ما يُبغِضُ اللَّهُ، فأمَّا الَّتي يحبُّها اللَّهُ فالغيرةُ في الرِّيبةِ، وأمَّا الغيرةُ الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ».

 

التصرف تجاه الغيرة:

وأما عن تعامل الزوج وتصرفه تجاه هذه الغيرة الفطرية، وكذا تصرف المرأة العاقلة إن بدر منها أفعال تدل على الغيرة فألخصه في هذه النقاط:

 

- على الزوج أن يتفهم أن هذا الطبع في المرأة إنما هو فطري طبعي جبلت عليه، وعليه أن يتعامل معها بناء على هذا التفهم. قال القاضي قال المصري وغيره من العلماء: الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك، ولهذا لم تُزجر عائشة عنها (شرح النووي على مسلم).

- على الزوج ألا يهزأ من غيرة زوجته إذا رجع يومًا متأخرًا ووجدها تتذمر وتسأله أين كنت وماذا كنت تفعل، وألا يراوغ في الكلام ويزيد من توترها وقلقها وإنما عليه أن يخبرها بما أخره وله في نبي الله صلى الله عليه وسلم أسوة؛ ففي يوم من الأيام خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته ليلًا فقامت عائشة رضي الله عنها وخرجت وراءه وتبعته ثم عادت إلى البيت وعاد هو صلى الله عليه وسلم بعدها مباشرة وفهم أنها هي التي كانت تتبعه فسألته فأخبرها بالذي كان وقال: «فإنَّ جبريلَ أتاني حين رأيتِ. فناداني. فأخفاه منك. فأجبتُه. فأخفيتُه منك. ولم يكن يدخل عليكِ وقد وضعتِ ثيابَك. وظننتُ أن قد رَقدتِ. فكرهتُ أن أُوقظَكِ. وخشيتُ أن تستَوْحِشي. فقال: إنَّ ربَّك يأمرُك أن تأتيَ أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهم» (أخرجه مسلم)؛ فأخبرها عليه الصلاة والسلام بما حدث.

- على الزوجة العاقلة أن تصرف نظر زوجها إلى أمر آخر إن بدر منها فعل من أفعال الغيرة وألا تتمادى في غيرتها كما فعلت عائشة رضي الله عنها في نهاية الموقف السابق؛ فقد صرفت الموضوع إلى الحديث عن كيفية الاستغفار لأهل البقيع؛ قالت: قلتُ: كيف أقول لهم؟ يا رسولَ اللهِ! قال: «قولي: السلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللهُ المستقدمين منا والمُستأخِرين. وإنا، إن شاء اللهُ، بكم لَلاحقونَ» (أخرجه مسلم).

- على الزوج ألا يثير الشكوك في نفس زوجته وخصوصًا إن كانت من النوع الغيور، وأن يعدل في القسمة بين زوجاته، "وَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْج مُقْسِطًا عَادِلًا وَأَدَّى لِكُلٍّ مِنْ الضَّرَّتَيْنِ حَقّهَا فَالْغَيْرَة مِنْهُمَا إِنْ كَانَتْ لِمَا فِي الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة الَّتِي لَمْ يَسْلَم مِنْهَا أَحَد مِنْ النِّسَاء فَتَعَذَّرَ فِيهَا مَا لَمْ تَتَجَاوَز إِلَى مَا يَحْرُم عَلَيْهَا مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف الصَّالِح مِنْ النِّسَاء فِي ذَلِكَ" (فتح الباري).

- وأخيرًا على الزوجة أن تروض صفة الغيرة في نفسها وأن تقلل منها قدر الإمكان، وقد كان سلفنا الصالح يوصون بناتهم بذلك: "إياك والغَيْرة فإنها مفتاح الطلاق" (عيون الأخبار لابن قتيبة).

 

ومما سبق يتضح لنا كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع غيرة عائشة رضي الله عنها وكيف أنه صلى الله عليه وسلم كان متفهمًا لهذه الصفة المجبولة عليها معظم النساء فلم يُذكر عنه أنه عنفها أو أنبها على ذلك بل كان يضحك من فعلها ويمازحها ولا يثير شكوكها ولا يوغر صدرها. وكذا يجب أن يتعامل كل الأزواج مع زوجاتهم مع توصية النساء بالتقليل من هذه الصفة.

 

جعل الله بيوتنا عامرة بذكره، وأصلح ذات بيننا.