إصلاح القلوب - (2) أخرج خبيئة قلبك

منذ 2015-05-07

القلب عامل زي جهاز (الريسيفر)، لازم يكون سليم ومظبوط، صح عشان يقدر يستقبل رسائل ربنا بصورة واضحة ونقية.

إتكلمنا في المقال السابق عن عبادات القلوب، وهي سر بين العبد وربه، وهي أقرب للإخلاص عن عبادات الجوارح، طيب إيه هي عبادات القلوب؟ طب تعالوا نفتحه الأول ونهويه بدل ما هو مقفول كده وأكلته العتة!

مشهد داخلي: ظلام دامس ويسمع صوت صرير باب صدئ ما اتفتحش بقاله سنين، فين كوبس النور؟ إضاءة خافتة و..! إيه ده؟! كل دي كراكيب؟ كح كح كح إيه التراب ده؟ إفففف.. إيه ده ريحة فسيخ؟! طب وينفع نصلي في المكان ده! مش ننضفه ونفرشه الأول عشان نعمره؟

القلب السليم:
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (حديث صحيح)، طيب عايزين نصلحه يبقى الأول نفتحه.

أخرج خبيئة قلبك:
فاكر الحديث بتاع الشاب اللي راح للنبي صلى الله عليه وسلم وقاله ائذن لي بالزنا!
عن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه! فقال: «ادنه»، فدنا منه قريبًا «أتحبه لأمك؟ أفتحبه لأختك؟ فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه»"، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء، وفي رواية: "فلم يكن شيء أبغض إليه منه -يعني الزنا-" (حديث صحيح).

جريء مش كده؟ عمرك فكرت في الحديث ده وقلت في نفسك: ياااااه لو كنت أيام سيدنا محمد كنت رحت واشتكيت له من حب معصية معينة، وقام حط إيده على صدري ودعا لي كده «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه»، يقوم قلبي يخف منها! طيب من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

معلومة جديدة: على فكرة ربنا موجود، وقادر طبعًا يصلح لنا قلوبنا، بس بشرط! الاعتراااااف، أيوة الاعتراف الأول.. حتى شوف صيغة توبة سيدنا آدم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23].

أيوة أخرج خبيئة قلبك ما تهربش؟ أنت فاكر إنك لما تدفن رأسك في الرمل إنك كده تمام ومحدش شايفك! هتعمل زي الطفل اللي لما يحب يستخبى من الناس يغمض عنيه! لا ربنا مطلع على قلبك وعليم به أكتر منك، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]، ويقول: {يعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، ولا عايز تهرب وتنكر وتكتم لحد ما.. {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد:29].

أخرج خبيئة القلب قبل ما تتمكن من القلب، ولا عايز تنكر وتهمل لحد ما المرض يبقى ضغينة وربنا يخرجه في الدنيا على الجوارح أو في يوم الحساب؟! من حديث حُذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا فأي قلب أُشربها نُكت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف مَعروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه» (صحيح مسلم).

روح لربنا وافتح قلبك وقوله: قول: أنا عندي شك في وجودك! هو ليه النبي صلى الله عليه وسلم تزوج 9 نساء؟ أنا في صدري حرج من الإسلام، هو الإسلام فعلاً الدين الحق اللي أنت بتحبه؟ ليه فيه ظلم على الأرض؟ ليه مش بتنصر المظلومين بمعجزة عاجلة؟ أنا بحب الفلوس حتى لو من الحرام، أنا بحب فلوس الربا السهلة، أنا بحب آخد اللي عند الناس، أنا مش بحب أتصدق، أنا بحب الزنا، أنا بحب الصور العارية، بحب إطلاق النظر للنساء.. أيوة أنا مفتون بالنساء، أنا مفتونة بالرجال، أنا بلاقي متعتي في العلاقات الحرام أكتر من الحلال!

أنا بحب جمالي، بحب نظرات إعجاب الرجال، أنا بحب كلمات المدح والثناء، أنا بحب الشهرة، أنا معجب بنفسي وعلمي وعقلي، أنا مش بحب الصلاة تقيلة أوي على قلبي! أنا مش بحب قراءة القرآن أنا مش فاهم، أنا بحب النوم أكتر من الصلاة، أنا مش بحب الصوم، أنا بحب اللي عند الناس أنا بتمنى زوال النعمة عن المنعمين، اشمعنى أنا يا رب اللي عندي الابتلاء ده؟ اشمعنى أنا يا رب اللي اتحرمت من النعمة دي؟ أيوة أنا بخيل، أيوة أنا أناني، أيوة أنا كذاب، أيوة أنا بحب الغيبة، أنا بحب النميمة، أنا بحب الغش، أيوة أنا بصرّ على رأيي حتى لو طلع غلط، أيوة أنا بحب الفاسقين، لو بس جاتلي فرصة وأكون زي فلان حياتي خمر ونساء! أنا بحب السجاير، الخمور، المخدرات..

اعترافات صادمة مش كده؟ بس يفيد بإيه إنك تخبي إن عندك (سرطان) وتقول أنا كويس وهعيشلي يومين بشوية مسكنات! لحد ما السرطان يتمكن من جسمك ويبان عليك ويفسد عليك اليومين اللي أنت ناوي تعيشهم! طلع كراكيب قلبك وارميها بين يدي الله الطبيب.. إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قادر إنه يشفي صدر الشاب من حب الزنا بدعاء اللهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه، فربنا اللي النبي دعاه قادر إنه يشفي قلوبنا من أمراض القلوب لو رأى مننا (الصدق)، صدق سيدنا آدم لما قال ظلمنا أنفسنا، صدق سيدنا يونس لما قال إني كنت من الظالمين، صدق من قال وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم .

المناجاة:
تعالوا نكلم ربنا! أغلبنا بيتعامل مع ربنا كأنه مش موجود! سبحانه وتعالى عما يصفون!موجود وهيبعتلك رسايل وهتحسها.. ودي مرحلة (التنضيف)، يتبعها مرحلة (التعمير) المرحلة القادمة بإذن الله نكون نفضنا التراب ومسحنا بالمطهرات وبعد كده نبدأ على قلب أبيض.

إصلاح القلب:
اتكلمنا عن القلب (الصندوق الأسود) فتحناه وواجهنا اللي فيه..
القلب عامل زي الـ(GPS) أو جهاز تحديد المواقع، لازم يكون سليم عشان أقدر اعتمد عليه! لو الـ(GPS ) كان بايظ هيشوف الشرق غرب والشمال جنوب، وإن حديث النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي (وابصة ابن معبد): «يا وابصة، استفت قلبك، والبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك» (قال الألباني: حديث حسن لغيره)، خلي بالك النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل استفتوا قلوبكم، هو قال لوابصة «استفت قلبك»، فهو مش أمر لعامة المسلمين، خصوصًا إن المعنى ده يتعارض مع أحاديث، «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (متفق عليه)، وقال: «للقلب أشد تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا» (حسنه ابن تيمية لغيره).

وحديث: «تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيما قلب أُشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب رفضها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصبح القلوب على قلبين، قلب أبيض خالصًا، وقلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا» (صحيح مسلم)، إزاي أستفتي قلب قابل للفساد والتقلب ويتأثر بالفتن، فيكون كالكوز المقلوب لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه!يبقى استفتاء القلب خاص فقط بـ(القلب السليم)، معلش أنا عايزة أضغط على النقطة دي عشان مهمة.

طيب عشان يكون سليم من أمراض القلوب: (الشرك بالله، النفاق، الرياء، الكبر، الحسد، حب الشهوات والمعاصي، كراهية الحق..). هنروح التوكيل ونطلب(restore factory setting) إستعادة ضبط المصنع، أي بالدعاء، طيب نبدأ مرحلة (الإعمار)، قبل كل شيء مفتاح القلب هو الإستعانة بالله، لازم نعترف إننا لا شيء وإن لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني الطاعة رزق والإيمان بالله يزيد وينقص، وما سمي القلب قلبًا إلا من شدة تقلبه؟ يبقى الضمان والشيء الثابت الوحيد هو (الاستعانة بالله)، يعني استسلم لله واستعن بالله، حضرتك كفيف بيعدي طريق الأوتستراد! سيب إيدك بقى لربنا يعدي بيك لبر الأمان: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، لازم نفهم علاقة القلب بالجوارح خاصة اللسان، عشان نعرف نشغله صح.

• القلب واللسان:
القلب واللسان عاملين زى شريط كاسيت من نوع خاص وجهاز ريكوردر، ما بينهم (Input & Output)أو مدخلات ومخرجات بالتبادل!مرة يعمل (Record) تسجيل، ومرة يعمل (Display) عرض!ازاي؟! يعني شريط القلب بيقول اللي أنت سجلته عليه باللسان ودي مرحلتين:

مرحلة (Record)التسجيل:
هي مرحلة التسجيل وهي بكثرة ترديد اللسان بيسجل على القلب، ولذلك دائمًا يصف الله الذكر في القرآن بالذكر الكثير! وما وصف الذكر بالقليل إلا لوصف حال المنافقين! الذكر باللسان هي عملية زراعة العقيدة في قلبك، بتزرعها، وعشان كده بتكون مرحلة فيها جهاد ومشقة، خااااصة إذا كان شريط القلب متسجل عليه قبل كده أصوات صاخبة! فبتكون عملية المسح والتسجيل فيها صعوبة شوية ومحتاجة شوية مجاهدة ومثابرة، معلش اصبروا وصابروا عشان نوصل لمرجلة الحصاد الجاية.

وهي مرحلة (Display) العرض:
ودى مرحلة عرض القلب للمدخلات اللي أنت سبق وسجلتها عليه في المرحلة السابقة، يا هناءك يا سعدك لما تلاقي لسانك ذاكرًا شاكرًا بدون أي مجهود، لأنك في مرحلة حصاد اللي أنت زرعته استمتع.

القلب والعين:
علاقة القلب بالعين، والعين من المداخل الخطيرة جدًا على القلب أو كما قال العلماء: "الباب الأكبر للقلب"!
القلب والعين زى شريط الفيلم الحساس وعدسة الكاميرا، اللي بتشوفه بيطبع على الفيلم الحساس جدًا، والصور المتكررة القلب بيعمل لها (Review) عرض طول الوقت!

صور زحمة وتشتت!
ولذلك أُمرنا بغض البصر وكف البصر حتى عن فضول النظر للحفاظ على نقاء القلب، عشان ما نلاقيش الصور دي بتطاردنا مثلاً في الصلاة، وبتشوش علينا تفكيرنا وتفسد نقاء الجهاز الحساس ده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان زناها النظر، والأذنان زناها الاستماع، اللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، الرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» (البخاري ومسلم).

أخيرا وليس آخرًا:
القلب عامل زي جهاز (الريسيفر)، لازم يكون سليم ومظبوط، صح عشان يقدر يستقبل رسائل ربنا بصورة واضحة ونقية.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: «من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» (رواه البخاري).

عايزين نوصل لمرحلة الحب دي، أن يكون ربنا هو سمعنا اللي بنسمع بيه وبصرنا وبصيرتنا، ساعتها هنشوف الحق حق وهنشوف الباطل باطل.. وهنستقيم.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

ريهام فوزي

كاتبة إسلامية

المقال السابق
(1) اختبار الصخرة
المقال التالي
الحسد