أطب مطعمك
منذ 2003-09-11
لا يخفى أننا في زمن فتحت فيه الدنيا على الناس، وكثرت تجارتهم، وتعددت مكاسبهم، وكثرت صور البيع التي حيرت الناس ولبست عليهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي على الناس زمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا
محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لا يخفى أننا في زمن فتحت فيه الدنيا على الناس، وكثرت تجارتهم، وتعددت مكاسبهم، وكثرت صور البيع التي حيرت الناس ولبست عليهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام.
ولكن من يسعى إلى اللحاق بركب النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لا يتأثر بما يتأثر به الناس، ولا يتابعهم فيما يخالفون فيه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأكل التمرة، لأنه يخشى أن تكون من تمر الصدقة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : « أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام » [السلسلة الصحيحة 2607]، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } [المؤمنون: 51]، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ » [رواه مسلم].
قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث : ( وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكوا إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله، فإنه قال بعد تقريره « إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } » والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالاً فالعمل صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟! وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام )
وقد اختلف العلماء في حج من حج بمال حرام ومن صلى في ثوب حرام، هل يسقط عنه فرض الصلاة والحج بذلك؟ وفيه عن الإمام احمد روايتان، وهذه الأحاديث المذكورة تدل على أنه لا يتقبل العمل مع مباشرة الحرام، لكن القبول قد يراد به الرضا بالعمل،ومدح فاعله، والثناء عليه بين الملائكة، والمباهاة به، وقد يراه به حصول الثواب والأجر عليه، وقد يراد به سقوط الفرض به من الذمة كما ورد أنه لا تقبل صلاة الآبق ولا المرأة التي زوجها عليها ساخط، ولا من أتى كاهناً، ولا من شرب الخمر أربعين يوماً، والمراد- والله أعلم- نفي القبول بالمعنى الأول أو الثاني وهو المراد - والله أعلم - من قوله عز وجل : { إنما يتقبل الله من المتقين } [المائدة:27] ، ولهذا كانت هذه الآية يشتد منها خوف السلف على نفوسهم، فخافوا أن لا يكونوا من المتقين الذين يتقبل منهم، وسئل أحمد عن معنى (المتقين) فيها فقال: "يتقي الأشياء فلا يقع فيما لا يحل له". وقال أبو عبد الله النباجي الزاهد رحمه الله : ( خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله -عز وجل-، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل، وذلك أنك إذا عرفت الله -عز وجل- ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإن عرفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحق ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع )
وقال وهيب بن الورد: "لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام".
ويقول ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
ويقول حذيفة المرعشي: "جماع الخير في حرفين: حل الكسرة، وإخلاص العمل لله".
ويقول أبو حفص النيسابوري: "أحسن ما يتوسل به العبد إلى مولاه الافتقار إليه، وملازمة السنة، وطلب القوت من حله".
وقال يوسف بن أسباط: "إذا تعبد الشاب يقول إبليس: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمه مطعم سوء قال: دعوه لا تشتغلوا به، دعوه يجتهد وينصب، فقد كفاكم نفسه".
وقال سهل بن عبد الله: "من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى".
وسأل رجل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول فقال: "انظر كسرتك التي تأكلها من أين تأكلها؟ وقم في الصف الأخير"
وكأنه رحمه الله- رأى من الرجل استهانةً بهذا الأمر، فأحب أن ينبهه إليه، لأنه أهم مما سأل عنه".
وقال إبراهيم بن أدهم: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه".
وقال يحيى بن معاذ: "الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال"
وقال ابن المبارك: "رد درهم من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف حتى بلغ ستمائة ألف"
وكان يحيى بن معين ينشد:
المال يذهب حله وحرامه يوماً وتبقى في غد آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه فعلى النبي صلاته وسلامه
لقد كانوا- رحمة الله عليهم- يؤكدون على هذا المعنى كثيراً حتى أن الفضيل- رحمه الله- لما أراد أن يعرف أهل السنة قال: "أهل السنة من عرف ما يدخل بطنه من حلال".
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: sales@dar-alqassem.com
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
لا يخفى أننا في زمن فتحت فيه الدنيا على الناس، وكثرت تجارتهم، وتعددت مكاسبهم، وكثرت صور البيع التي حيرت الناس ولبست عليهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام.
ولكن من يسعى إلى اللحاق بركب النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لا يتأثر بما يتأثر به الناس، ولا يتابعهم فيما يخالفون فيه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأكل التمرة، لأنه يخشى أن تكون من تمر الصدقة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : « أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام » [السلسلة الصحيحة 2607]، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } [المؤمنون: 51]، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ » [رواه مسلم].
قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث : ( وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكوا إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله، فإنه قال بعد تقريره « إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } » والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالاً فالعمل صالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟! وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام )
وقد اختلف العلماء في حج من حج بمال حرام ومن صلى في ثوب حرام، هل يسقط عنه فرض الصلاة والحج بذلك؟ وفيه عن الإمام احمد روايتان، وهذه الأحاديث المذكورة تدل على أنه لا يتقبل العمل مع مباشرة الحرام، لكن القبول قد يراد به الرضا بالعمل،ومدح فاعله، والثناء عليه بين الملائكة، والمباهاة به، وقد يراه به حصول الثواب والأجر عليه، وقد يراد به سقوط الفرض به من الذمة كما ورد أنه لا تقبل صلاة الآبق ولا المرأة التي زوجها عليها ساخط، ولا من أتى كاهناً، ولا من شرب الخمر أربعين يوماً، والمراد- والله أعلم- نفي القبول بالمعنى الأول أو الثاني وهو المراد - والله أعلم - من قوله عز وجل : { إنما يتقبل الله من المتقين } [المائدة:27] ، ولهذا كانت هذه الآية يشتد منها خوف السلف على نفوسهم، فخافوا أن لا يكونوا من المتقين الذين يتقبل منهم، وسئل أحمد عن معنى (المتقين) فيها فقال: "يتقي الأشياء فلا يقع فيما لا يحل له". وقال أبو عبد الله النباجي الزاهد رحمه الله : ( خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله -عز وجل-، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل، وذلك أنك إذا عرفت الله -عز وجل- ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإن عرفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحق ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع )
وقال وهيب بن الورد: "لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام".
ويقول ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
ويقول حذيفة المرعشي: "جماع الخير في حرفين: حل الكسرة، وإخلاص العمل لله".
ويقول أبو حفص النيسابوري: "أحسن ما يتوسل به العبد إلى مولاه الافتقار إليه، وملازمة السنة، وطلب القوت من حله".
وقال يوسف بن أسباط: "إذا تعبد الشاب يقول إبليس: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمه مطعم سوء قال: دعوه لا تشتغلوا به، دعوه يجتهد وينصب، فقد كفاكم نفسه".
وقال سهل بن عبد الله: "من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى".
وسأل رجل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول فقال: "انظر كسرتك التي تأكلها من أين تأكلها؟ وقم في الصف الأخير"
وكأنه رحمه الله- رأى من الرجل استهانةً بهذا الأمر، فأحب أن ينبهه إليه، لأنه أهم مما سأل عنه".
وقال إبراهيم بن أدهم: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه".
وقال يحيى بن معاذ: "الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لقم الحلال"
وقال ابن المبارك: "رد درهم من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف حتى بلغ ستمائة ألف"
وكان يحيى بن معين ينشد:
المال يذهب حله وحرامه يوماً وتبقى في غد آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه فعلى النبي صلاته وسلامه
لقد كانوا- رحمة الله عليهم- يؤكدون على هذا المعنى كثيراً حتى أن الفضيل- رحمه الله- لما أراد أن يعرف أهل السنة قال: "أهل السنة من عرف ما يدخل بطنه من حلال".
عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: sales@dar-alqassem.com
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
- التصنيف: