ثقافة التلبيس - عدم تكفير اليهود والنصارى!

منذ 2015-05-12

يمارس هذا التلبيس فريقٌ من المنافقين المؤاخين لليهود والنصارى ممن أشربت قلوبهم محبتهم حتى أداهم ذلك إلى أن يمدحوا أديانهم الباطلة ويعدوها أديانًا حقًة لا تثريب عليهم في اتباعها، وأنهم لا يكفرون بهذا!

يمارس هذا التلبيس فريقٌ من المنافقين المؤاخين لليهود والنصارى ممن أشربت قلوبهم محبتهم حتى أداهم ذلك إلى أن يمدحوا أديانهم الباطلة ويعدوها أديانًا حقًة لا تثريب عليهم في اتباعها، وأنهم لا يكفرون بهذا! في مجاوزة منهم لحدود الله وأحكامه، ووقوع في ناقض من نواقض الإسلام، كلُ هذا طلبًا لرضاهم أو خلطًا بين تقدم بعضهم دنيويًا والحكم على أديانهم. وهذا ليس بمستغرب ممن قال الله عنهم: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140]، ولكنه مستغربٌ من بعض من يُسمون بالمفكرين الإسلاميين! الذين هان عندهم الوقوع في هذا الناقض في سبيل أن يحظوا بوصف التسامح، أو بسبب الهزيمة النفسية التي تمنعهم من الصدع والفخر بدين الله الذي جعله خاتم الأديان.

ولتأكيد ضلال اليهود والنصارى وأنهم على دين باطل بعد نسخه بدين محمد صلى الله عليه وسلم أمر اللهُ المسلمَ أن يسأله في كل يوم، وفي كل صلاة، وفي كل ركعة، أن يهديه الصراط المستقيم الصحيح المتقبل، وهو الإسلام، وأن يجنبه طريق المغضوب عليهم: وهم اليهود وأشباههم، الذين يعلمون أنهم على باطل ويصرون عليه، ويجنبه طريق الضالين: الذين يتعبدون بغير علم، ويزعمون أنهم على طريق هدى، وهم على طريق ضلالة، وهم النصارى ومن شابههم من الأمم الأخرى، التي تتعبد على ضلال وجهل، وكل ذلك ليُعلم أن كل ديانة غير الإسلام فهي باطلة، وأن كل من يتعبد الله على غير الإسلام فهو ضال، ومن لم يعتقد ذلك فليس من المسلمين، وفعله هذا من صور الموالاة التي يُحكم على باذلها بالكفر كما ذكر ذلك أهل العلم.

ولمعرفة بداية التشكيك في كفر اليهود والنصارى وغيرهم، ومراحل الدعوة إلى وحدة الأديان يُنظر: رسالة (محمد عمارة في الميزان:ص 354-370)، ورسالة (دعوة التقريب بين الأديان) للدكتور أحمد القاضي (4 مجلدات)، ورسالة الشيخ بكر أبو زيد (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان). وإنما أكتفي هنا ببيان أدلة تكفير اليهود والنصارى؛ كشفًا لهذا التلبيس:

 

الوجه الأول: في الأدلة من القرآن على كفر اليهود والنصارى:

وهي كثيرة جدًا، سأكتفي بأوضحها دلالة:

1- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا . أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا . وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:150- 152].

قال ابن كثير: "يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان؛ فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية، فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم، والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيماناً شرعياً إنما هو عن غرض وهوى وعصبية، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله، {ويُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان، {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} أي طريقاً ومسلكاً، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛ لأنه ليس شرعيًا، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه لو نظروا حق النظر في نبوته". قلت: وهذه الآية أعتقد أنها كافية لمن يريد الهداية.

 

2- قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1].

قال ابن كثير: "أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب". ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم في نار جهنم؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6]. قلت: قد يوحي الشيطان إلى أحد أن هذه السورة في (الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم من لم يقيموا دينهم مثلاً. فيقال: لو صح ذلك لقيل إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا -طيبهم وخبيثهم- وهذا واضح، ويقال ثانيًا: إن الله تعالى قال: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمناً! وهذا ما لا يقول به عاقل.

 

3- قال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة:105].

4- قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]. الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعو اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين.

 

5- قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70].

6- قال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} [الفتح:13].

7- قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98].

 

8- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء:47]. قال ابن كثير: "يقول تعالى آمراً أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددًا لهم إن لم يفعلوا".

 

9- قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:136]. فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا.

 

10- قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة:15، 16]. وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ} [المائدة:19]. قلت: فإذا كفتهم رسلهم. فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم؟!

 

11- قال تعالى: {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

12- قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ:28].

13- قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]، وتأمل قوله تعالى: {جَمِيعًا} فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى.

 

الوجه الثاني: ما يشهد على كفرهم من السنة:

وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن:

1- قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار». قال النووي في (شرح مسلم:2/188): "وقوله صلى الله عليه وسلم «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة» أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى، والله أعلم".

 

2- قال صلى الله عليه وسلم: «لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم» (رواه مسلم). أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه صلى الله عليه وسلم.

 

3- وفي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه: "أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو عند أبي موسى فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود. قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم". والشاهد: قول معاذ: "قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى ثم رجع إلى دينه قتل لأنه مرتد، ولم يقل أحد أن الأديان كلها توصله إلى النجاة! وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره.

 

4- وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث التجلي يوم القيام: «ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنه السراب فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال لهم: اشربوا فيتساقطون...» وذكر الحديث.

 

الوجه الثالث: أن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى

ولم يشذ أحد منهم غير غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يُعدون من جملة المسلمين. قال ابن حزم في (مراتب الإجماع:ص119): "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (12/496): "قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة"، وقال (12/499): "نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم"، وقال (35/201): "إن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام".

ولقد نقل القاضي عياض رحمه الله تعالى الإجماع على كفر من لم يكفر الكافر، وذلك عند كلامه عن تكفير من صوب أقوال المجتهدين في أصول الدين حيث قال: "وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك" (الشفا، 2/603). وقال أيضًا (2/610): "... ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهار ما أظهره من خلاف ذلك".

وقال الحجاوي رحمه الله تعالى: "من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فهو كافر" (كشاف القناع،6/170). وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من نواقض الإسلام: "الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر". وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعال: "فإن كان شاكًا في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه كافر بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر". (رسالة أوثق عرى الإيمان، ص 61).

وقال الشيخ عبد الله أبابطين في (الانتصار لحزب الموحدين والرد على المجادل عن المشركين، ص 43): "قد أجمع العلماء على كفر من لم يُكفر اليهود والنصارى أو يشك في كفرهم ". هذا إجماع أهل الإسلام في قديم الدهر وحديثه استنادًا إلى نصوص الوحي.

 

أقوال العلماء

- سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن من لم يُكفر اليهود والنصارى ويقول عنهم (أهل كتاب) فقط؟!

فقالت: "من قال ذلك فهو كافر؛ لتكذيبه بما جاء في القرآن والسنة من التصريح بكفرهم، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ الآيات من سورة آل عمران، وقال: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الآيات من سورة المائدة، وقال: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} الآيات من سورة المائدة، وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} الآيات من سورة التوبة، وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} الآيات من سورة البينة، وقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله بن باز، نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي، عضو: عبد الله بن غديان. (فتاوى اللجنة، 2/18).

 

- ولما كتب أحدهم مقالاً في صحيفة (الشرق الأوسط) ينعى فيه على المسلمين الذين يكفرون اليهود والنصارى، ويدعي أنهم مؤمنون مثلنا! رد عليه الشيخ ابن باز رحمه الله بمقال نشر في فتاواه (8/196-201). جاء فيه: ".. وهذا الذي فعله -أي كاتب المقال- كفر صريح، وردة عن الإسلام، وتكذيب لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ".

 

- وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ما يبثه أحد الوعاظ بأوروبا من المتأثرين بالأفكار العصرانية من أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى؟!

فقال: "... من أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه فقد كذب الله عز وجل، وتكذيب الله كفر، ومن شك في كفرهم فلا شك في كفره هو..." إلى أن قال: "إن كل من زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام فإنه كافر، لا شك في كفره؛ لأن الله عز وجل يقول في كتابه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] (الصحوة الإسلامية: ضوابط وتوجيهات، ص 196-201). وقال أيضًا رحمه الله: "لا إسلام بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إلا باتباعه، لأن دينه مهيمن على الأديان كلها ظاهر عليها، وشريعته ناسخة للشرائع السابقة كلها قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81]. (والذي جاء مصدقاً لما مع الرسل قبله هو محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة:48]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الفتح:28]. وهذا يعم الظهور قدرًا وشرعًا.

 

فمن بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمن به ويتبعه لم يكن مؤمنًا ولا مسلمًا بل هو كافر من أهل النار يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة –يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أهل النار» (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

وبهذا يُعلم أن النزاع فيمن سبق من الأمم هل هم مسلمون أو غير مسلمين؟ نزاع لفظي، وذلك لأن الإسلام بالمعنى العام يتناول كل شريعة قائمة بعث الله بها نبيًا فيشمل إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء ما دامت شريعته قائمة غير منسوخة بالاتفاق كما دلت على ذلك النصوص السابقة، وأما بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الإسلام يختص بما جاء به؛ فمن لم يؤمن به ويتبعه فليس بمسلم.

ومن زعم أن مع دين محمد صلى الله عليه وسلم دينًا سواه قائمًا مقبولًا عند الله تعالى من دين اليهود، أو النصارى، أو غيرهما؛ فهو مكذب لقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]، وقوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. وإذا كان الإسلام اتباع الشريعة القائمة، فإنه إذا نسخ شيء منها لم يكن المنسوخ دينًا بعد نسخه ولا اتباعه إسلامًا" (تقريب التدمرية، ص 122-123).

 

 - وقال الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله: "يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافرًا، وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار... ولهذا: فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طردًا لقاعدة الشريعة: من لم يكفر الكافر فهو كافر" (معجم المناهي اللفظية، ص 92).

 

وقال أيضًا (ص 166) بعد أن ذكر بعض الأدلة على كفر اليهود والنصارى: "والحكم بكفر من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب؛ من الأحكام القطعية في الإسلام، فمن لم يكفرهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لنصوص الوحيين الشريفين".

 

شبهة وجوابها

يحتج أهل التلبيس بآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:69]؛ ويزعمون أنها تشهد لقولهم الباطل، وهذه الحجة قد رددها النصارى قبلهم ليدللوا بها على إيمانهم وعدم كفرهم، وقد احتجوا بها في زمن شيخ الإسلام فكفانا الرد عليهم حيث قال: "الجواب أن يقال: أولاً: لا حجة لكم في هذه الآية على مطلوبكم، فإنه يسوى بينكم وبين اليهود والصابئين، وأنتم مع المسلمين متفقون على أن اليهود كفار من بعث المسيح إليهم فكذبوه. وكذلك الصابئون من حيث بعث إليهم رسول فكذبوه، فهم كفار، فإن كان في الآية مدح لدينكم الذي أنتم عليه بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ففيها مدح دين اليهود أيضاً، وهذا باطل عندكم وعند المسلمين. وإن لم يكن فيها مدح اليهود بعد النسخ والتبديل فليس فيها مدح لدين النصارى بعد النسخ والتبديل، وكذلك يقال لليهودي، إن احتج على صحة دينه.

وأيضًا فإن النصارى يكفرون اليهود، فإن كان دينهم حقاً لزم كفر اليهود، وإن كان باطلاً لزم بطلان دينهم فلابد من بطلان أحد الدينين فيمتنع أن تكون الآية مدحتهما، وقد سوت بينهما. فعلم أنها لم تمدح واحدًا منهما بعد النسخ والتبديل.. فأهل الكتاب بعد النسخ والتبديل ليسوا ممن آمن بالله ولا باليوم الآخر وعمل صالحًا" (الجواب الصحيح، 2/62).

 

توضيح أخير

بعد أن عُلم أن كفر اليهود والنصارى أمرٌ مجمع عليه بين المسلمين، ومن شك فيه أو خالفه فقد خرج عن الإسلام، يحسن التنبيه إلى أمر قد يرد على أذهان بعض القراء؛ وهو: هل يلزم من كفرهم وغيرهم أن يُعذبهم الله جميعًا في النار؟ الجواب: لا يلزم هذا؛ لأن أمر التعذيب مرتبط بقيام الحجة عليهم؛ فمن قامت عليه استحق العذاب، ومن لم تقم عليه لم يستحقه. أما في الدنيا فيُعامل الجميع معاملة الكافر، ويُطلق عليهم بأنهم كفار.

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من لم تبلغهم دعوة الإسلام، هل هم كفار؟ وهل مصيرهم إلى جهنم؟ فقال: "حكمهم في الدنيا أنهم كفار، أما مصيرهم في الآخرة فأحسن ما قيل في هذا الصنف من الناس أنهم يُمتحنون يوم القيامة؛ فمن أطاع الأمر دخل الجنة، ومن عصى دخل النار؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15]". (انظر: لقاءاتي مع الشيخين، للدكتور عبد الله الطيار، 1 /87).

المقال السابق
خلطهم بين الحب الشرعي للوطن والحب الوثني!
المقال التالي
الوسطْ.. الغلطْ