من وحي الواقع
السرور ليس من شروطه أن يأتيك كما تحب أنت وترجو، الأصل أن لا أحد -مهما قدّم- يستحق على الله شيئًا، وإنما البذل للجنة التي نصبو للعودة إليها ولا عمل يؤهل لخطوة فيها، وأما الدنيا فقنطرة لا تكمل، ولا يكمل نعيمها، فلا تتعشم فيها كثيرًا!
لأن الحلال أجمل سأنتظر!
مقولة أراها موغلة في السذاجة؛ إذ أنك لو ظننت بمجرد عفتك وغضك لبصرك أنك تستحق على الله زوجة كما تتمنى، أو ظننتِ أنك بحفظك لقلبك وثباتك ينبغي أن تنتظري فارس الأحلام الذي سيخطفك لأرض الحب! فأنتم في الغالب تفيقون على صدمة في دنيا الواقع!
نؤمن بصدق وعد الله: {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} [الرحمن:60]، {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة} [النحل من الآية:97]، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية من الآية:21]، إلى آخر النصوص الكريمة التي تعد المحسنين بما يسرهم في الدنيا قبل الآخرة.
القضية في أن هذا السرور ليس من شروطه أن يأتيك كما تحب أنت وترجو، الأصل أن لا أحد -مهما قدّم- يستحق على الله شيئًا، وإنما البذل للجنة التي نصبو للعودة إليها ولا عمل يؤهل لخطوة فيها، وأما الدنيا فقنطرة لا تكمل، ولا يكمل نعيمها، فلا تتعشم فيها كثيرًا!
أنا لا أقنطك، لكني لا أريدك أن تنسى حقيقة الدنيا التي لو تمت فيها الرغبات، ونحيت الآلام ونسيت آثار الندبات لخرجت عن حقيقتها التي من أجلها خلقت، وخلقنا فيها، إن الله لا يعجزه أن يجمع كل حبيبين، وأن يكمل كل روح بما تتمنى، وهو قادر على شفاء القلوب وهبة النسيان شفاء للجراح، وهو سبحانه لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية.
لكن القاعدة هنا: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود من الآية:7]، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4].
وهي لا تجامل أحدًا مهما كان وبلغ! ابحث عن الرضا، واسع لما يحققه في قلبك، هو جنتك، وبه غناؤك عن كل شيء وكل أحد! واعلم أن بعض الحرمان إحسان، وعين طيب حياتك قد يكون في افتقادك لما تريد، مهر الجنة غال، والنعمة أن يكون فيما تتحمل ولك به طاقة، وخلف بابها للأحلام المبتسرة براح!
محمد عطية
كاتب مصري
- التصنيف: