العلاقة بين تهويد القدس ومؤتمر نيويورك الذي سُمى (حوار الأديان)!

منذ 2008-11-18

وليكن أول الإنطلاقة هـو إعداد مؤتمر عام ، وضخم ، بزخم إعلامي كبير ، حول موضوع تهويد القدس ...


لا أدّعي علم الغيب ـ معاذ الله ـ ولكن علَّمتنـا الأيام ، مع هؤلاء الحكام ، أنـَّه إذا كان ثمة ردح مـا عن (سلام) ، أو (حوار) ، أو (تسامح) ، أو شيء من هذا القبيل ـ أعني من التلاعب بهذه الشعارات ـ والطرف الآخـر هـم أعداء الأمة ، ومغتصبو حقوقها ، ومحتلو أرضها ، ومنتهكـو كرامتهــا ـ وليس الشعوب المسكينة التي لاتستحق الحوار عندهـم ! ـ أنَّ ذلك يعني أنَّ ثمـة مصيبة تجري ، يُراد الإلهاء عنها ، أو أنَّ ثمة كارثة ستقع وشيكا على رؤوسنا !

وأمَّـا هذا المؤتمر الأخير ، أعني مؤتمـر التطبيع مع الصهاينة ، مع ( الحاخام بيريـــز ) و( الراهبة عميلة الموساد السابقة ليفني ) في نيويورك الذي أطلق عليه زوُرا ( حوار الأديان ) ! .

فالذي يقتـرن به ، هو تهـويد القدس

هذا هـو المشروع الأخطر على أمتنا ، والذي هو أخطـر من إحتلال العراق ، وأفغانستـان ، وكلّ ما قبلهما ، إذ تهويد القدس ، وإعلانها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ، وهدم المسجد الأقصـى، هو الهدف النهائي لكلِّ تلك الاحتلالات ، وجميع تلك المؤامـرات.

هذه هـي الكارثة العظمى التي تنصب عليـنا ، ويجري هذه الأيام العمل فيها على قدم وساق ، وقد تضاعفت وتيرتها جدا في الآونـة الأخيـرة .

ووسائل الإعلام في غفلة شبـه تامّة عن حقيقتها ، وإنصـراف شبـه كامل عن خطورتها .

والمصيبة التي هي أعظـم منها ، هذه البلاهة من كثير من الذين يُسمُّون أنفسهـم علماء ، وتلك السذاجة من عدد لايستهان به من المفكرين الذين يسمُّون أنفسهم إسلاميين ، إذ هم صامـتون عن هذا المشروع الخطيـر جداً ، بينما هـم يصفقون ـ أو يغضُّون الطرف ـ للمشاريع المشبوهـة ، مثل (حوار الأديان) ، التي وضعت للتغطية على الهجوم على مقدسات الأمة بأسرها.

يحكى أن دافيد بن غوريون أول من أعلن قيام الكيان الصهيوني ، قـد قام يبكي طويلا أمام حائط البراق ، عام 1967، ثم بعدما مسح دموعه النتنة ، التفت إلى أحد الضباط وإلى رئيس البلدية ، فأمره أن يهدم حارةالمغاربة بكل ما فيها من مساجد ، وبيوت ، وحارة الشرف ، وإقامة الحي اليهودي ، ببناء 2000 وحدة سكنية داخل البلدة القديمة .

من تلك اللحظة انطلق مشروع تهويد القدس ، ومن بن غوريون ، إلى أولمرت ، لم يتـوقف المشروع يوماً واحـداً .

ومما هو معلوم أنَّ مساحة القدس الشرقية ، لم تتغير منذ حرب 67 ، رغم تضاعف عدد السكان ، بينما تضاعفت مساحة القدس الغربية ، وليس وراء ذلك بلاريب سوى السعي الصهيوني الدؤوب لتهويد القدس القديمة ، بغية تكريس كونها عاصمة الصهاينة الأبديـة .

ثم منذ 1968م ، تزايدت مشاريع بناء مدن صغيرة صهيونية داخل الأحياء الفلسطينية، وكانت حصيلة هذه المشاريع مصادرة 35% من مساحة القدس ، أي ما يعادل 24 كيلومتر مربع من مساحة 72كيلو متر مربع من القدس الشرقية.

وكانت حركة الإستيطان قد بلغت ذروتها أثناء السنوات الأولى من أوسلو ، ومما جرى في تلك الأثناء ، حادثة النفق العام 1996م ، وإغلاق بيت الشرق ،

وقبل ذلك ، وقبل ما كان يطلق عليه مفاوضات الحل النهائي الذي كانت قـد قررت في مايو عام 1996م ، وبهدف تحقيق السيطرة الصهيونية التامة على كل حدود القدس الموحدة ، وبالضبط في السابع عشر من كانون الثاني العام 1995 ، أعـلن الصهاينة عن خطة سنوية لبناء 15 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية ، وهي : بسغات زئيف، نافيه يعقوب، غيلو، وهار حوما- جبل أبو غنيم .

و13 ألف وحدة سكنية في مناطق القدس ، التي تقع خارج مناطق الضم للكيان الصهيوني : في معاليةأدوميم ، وبيتا ، وجفعون ، وهارادار ،وإفرات و3000 وحدة سكنية في مختلف مناطق الضفة الغربية .



وما حكاية عائلة الكرد التي تناقلتها وسائل الإعلام سوى انموذج واحد ، فبعد مرور أكثر من 50 عاماً على امتلاك هذه العائلة الفلسطينية لهذا المنزل , قضت (المحكمة الإسرائيلية العليا) بطردهم منه لصالح منظمة للمستوطنين اليهود تسمـى (ناشلت شيمون) ، وهـي تزعـم أنها المالكة لتلك الأرض، الواقعة في حي الشيخ جراح ، أحد الأحياء الواقعة ضمن مخطط صهيوني ، يهدف إلى ضم أحياء عربية في القدس القديمة ، توطئة لتهويد القدس ، وجعلها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني.

وهذه المنظمة التي حصلت على هذا الحكم الجائر لمصلحتها, هي مؤسسة تابعـة لجمعيتين صهيونيتـين يمينيّتين متطرفتين هما : إلعاد ، والترت , وهما متخصصتان في اختلاق الذرائـع لطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس .

وقد أثار هذا القرار الصهيوني الجائر الذعر في عائلات فلسطينية كثيرة ، تقطن في المناطق الإستراتيجية المتاخمـة لطريق صلاح الدين ، وهي مناطـق تعد بمثابة الشريان التجاري للقدس الشرقية ، يخشون من أن تقع الكارثة العظمى بمصادرة منازلهم أيضا.

وأمـَّا في جنوب المدينة القديمة ، أي في منطقة جيل المكبر ، فقـد قاربت مستوطنة نوفزيون على الانتهاء من العمل بها, ومن جهـة الشرق أي في حي رأس العامود , يجري توسيع مستوطنة معالي زايتيم .

ثــمَّ وبالتحديد في أراضي أبو ديس , يخطط المليار دير موسكو فينز بناء مستوطنة جديدة تدعى (كيدمان زون) لتتسع ل(400) عائلة.

هذه بعض اللمحات السريعة عن تطور مشروع تهويد القدس .

والحقيقة المؤلمـة في هذه القضية البالغة الخطورة ،أنَّ ناشطين غربيين ،هـم أشد إهتمامـا بـها ، وتعاطفا مع حقوق الفلسطينيين ، من العرب أنفسهم ، ولنذكر من ذلك ثلاثة أمثلة :

فمثلا الناشط أروين سيمون يقول : "تهويد القدس يتواصل بوتيرة مرعبة ، دون أي اهتمام يذكر من قبل وسائل الإعلام الغربية".

وقال سيمون : الذين زاروا القدس من الحملة أكدوا "وجود خطة محكمة لتصفية التراث والوجود العربيين من المدينة المقدسة".


وأما الناشط الحقوقي الفرنسي دنيس دورليان فصرح : " أن هناك قضما ترابيا متواصلا للمنطقة المحيطة بالحرم القدسي ، يتم عن طريق قيام السلطات الإسرائيلية بنزع ملكية عقارات الفلسطينيين ، وشراء تلك العقارات من قبل اليهود ، بعد دفع مالكيها إلى بيعها بشتى الطرق ".

واستنكـر أحد الناشطين وهـو دورليان ـ الزائر للقدس خمس مرات ـ بشدة ما سماه أساليب المحتلين الهادفة لترحيل عرب المدينة, موضّحا أن تلك الأساليب تشمل "الاعتداءات الجسدية والإهانات اللفظية والاستفزازات ذات الطابع الديني" ، كلّ هذا نشرته قناة الجزيرة قبل نحو أسبوعين.

وآخر خبـر مفجع في هذه السلسلة من إبتلاع القدس ، بناء أكبر كنيس في العالم قرب المسجد الأقصى .

فقـد نشرت الجزيرة هذا الخبر قبل ثلاثة أيام : ( قال خبير المخطوطات في بيت الشرق بمدينة القدس المحتلة خليل التفكجي ، إن (إسرائيل) ستفتتح قريبا أكبر كنيس في العالم قرب الحرم القدسي، منوها إلى أن قبته توازي حجم قبة الصخرة المشرفة ما يهدد المسجد الأقصى بشكل غير مسبوق.

ولفت التفكجي إلى أن (إسرائيل) تسير بخطى ثابتة لتنفيذ مخطط تهويد المدينة المقدسة مع حلول العام 2020، حيث ستبلغ نسبة السكان العرب في ذلك التاريخ 12% فقط، واعتبر أن مصير القدس سيلحق بمصير الأندلس إذا استمر الصمت العربي على حاله) .

وبعـد :

فهكذا استـمر مشـروع تهويد القدس ، يجري وراء مخططات إلهاء الأمة عنـه ، ويتم فيـه مصادرة الأراضي الفلسطينية في القدس، وتحقيق زحف منهجي لإبتلاع القدس كلِّها.

وهذا نداء لجميع الغيورين على كرامة هذه الأمة ، ومكانة مقدساتها ، من علماء ، ومفكرين ، وناشطين ، مؤسسات  وأفرادا ، أن يهبّوا لوقف هذه المهزلة التي يقودها الصهاينة تحت شعار الحوارات الجوفاء ، وأن يعيدوا توجيه الأمة ، وتعبئتها ضد أعداءها ، ويكشفوا حقيقة ما يجري إعداده لهـا من المكر العظيم ، والكيد الخبيث.

وليكن أول الإنطلاقة هـو إعداد مؤتمر عام ، وضخم ، بزخم إعلامي كبير ، حول موضوع تهويد القدس .

ويتم فيــه دعم خط الجهـاد الفلسطيني ، والفكر المقاوم ، والنهـج الذي يتصدي لمخططات الصهاينة لاسيما في القدس .

وذلك لإفشـال كلَّ محاولات صرف النظر عن مخططات الصهاينة الحقيقية، ولكشفهم على حقيقتهم ـ وراء ابتسامات بيريز ، وليفني ، وبقية الصهاينة ، الزائفة ودعواتهم الكاذبة عن السلام والحوار ـ وإطلاع العالم على حقيقة نواياهم الخبيثة ، وأهدافهم العدوانية المريضة .

اللهم هذا البيان ، وعليك البلاغ ، وحسبنا الله ونعم الوكيل عليه توكلنا ، فنعم المولى ونعم النصيــر

المصدر: موقع الشيخ حامد العلي

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية