تسخير الفَهم
قديمًا لم أكن مستوعبًا كيف أن الله تعالى ذكر أنه قد سخر لنا السماوات والأرض، كيف ونحن قابعون على نقطة ضئيلة في خضم كونٍ مترامي الأطراف، بل لا حدود معروفة له؟ إلا أنني أدركت أن من أكبر مظاهر تسخير الله الكون لنا هو تسخيره لعقولنا، بحيث نستطيع نحن بنو آدم أن نغوص بخيالنا المحدود إلى أعماق الذرة والنواة، والجسيمات الأولية..
أغلب العلم لا سيما في العالم الميكروسكوبي غير المرئي قائم على النماذج، فنحن نطبق خبراتنا العادية في الحياة على ما لا نراه، ونصنع نماذجًا عقلية بسيطة لنستطيع التعامل مع ما هو غير محسوس مباشرةً بحواسنا، لكن العجيب أن مفاهيمنا البسيطة هذه ناجحة إلى حد كبير مع العالم الميكروسكوبي، فمثلا الموجات التي عرفناها من الماء ومن انتشار الصوت في الهواء استطعنا أن "ننمذج بها" العالم الكمي -ما دون الذري-، الذي هو من أعصى مجالات العلم على الفهم البشري لننتج (ميكانيكا الكم) والمتأمل في هذه الحقيقة يعلم أمرين:
1- الاقتصاد الرائع في تصميم الكون على مستوى العالمين الماكروسكوبي -العالم المحسوس-، والعالم الميكروسكوبي -الذري وما دون الذري-، وهذا يدل على حكمة الخالق تعالى فهو يقتصد في تصميمه الكون وهو الغني عن هذا، لكنه جمال الخلق.
2- تسخير الله الكون لنا نعم، فليس من العادي البديهي أن نستطيع نحن بنو آدم تفسير الظواهر دون الذرية بمفاهيم كلاسيكية ضحلة، مبنية كلها على ملاحظاتنا اليومية المحدودة جدًا، نعم ليس شيئًا بديهيًا، بل الأصل ألا نستطيع تعميم استخدام المفاهيم الماكروسكوبية ضيقة النطاق ونسخرها في نمذجة العالم الميكروسكوبي، إنه التسخير الإلهي للكون لأفهامنا.
الخلاصة:
قديمًا لم أكن مستوعبًا كيف أن الله تعالى ذكر أنه قد سخر لنا السماوات والأرض، كيف ونحن قابعون على نقطة ضئيلة في خضم كونٍ مترامي الأطراف، بل لا حدود معروفة له؟ إلا أنني أدركت أن من أكبر مظاهر تسخير الله الكون لنا هو تسخيره لعقولنا، بحيث نستطيع نحن بنو آدم أن نغوص بخيالنا المحدود إلى أعماق الذرة والنواة، والجسيمات الأولية، لنمذج ما يحدث في هذا العالم الخفي الغريب، ثم نستخدم هذه النمذجة لنبني التقنية الحديثة بما فيها هذا الحاسوب الذي تقرؤون المقال على شاشته.
فالحمد لله رب العالمين.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: