رسائل من غزة - (2) حماية شعبية
في أي حركة مقاومة تواجه محتلاً أقوى منها لا بد أن تأوي إلى أحد أمرين.. إما إلى حماية طبيعية من أحراش وجبال تستعصي على العدو، وإلا فليس أمامها إلا حماية شعبية، بحيث تحتضن القوة الشعبية المقاوَمة، وتصير بيوتها ومساكنها ملاذًا ومأوى للمجاهدين، يخدمونهم ويدفعونهم ويورون عنهم ويزودونهم ويتبنون قضيتهم، حيث ترى الجماهير أن هذه هي قضيتها وأن المقاومة هي قلب هذه الجماهير النابض، وفيها ينضوي فلذات أكبادهم؛ فيكونوا ردءًا لهم في المواجهة.
في أي حركة مقاومة تواجه محتلاً أقوى منها لا بد أن تأوي إلى أحد أمرين..
إما إلى حماية طبيعية من أحراش وجبال تستعصي على العدو، وإلا فليس أمامها إلا حماية شعبية، بحيث تحتضن القوة الشعبية المقاوَمة، وتصير بيوتها ومساكنها ملاذًا ومأوى للمجاهدين، يخدمونهم ويدفعونهم ويورون عنهم ويزودونهم ويتبنون قضيتهم، حيث ترى الجماهير أن هذه هي قضيتها وأن المقاومة هي قلب هذه الجماهير النابض، وفيها ينضوي فلذات أكبادهم؛ فيكونوا ردءًا لهم في المواجهة.
وهذا يكون في الأرض المكشوفة كأرض فلسطين عمومًا، ولا سبيل حينئذ أمام الشعوب إلا الدفع بالمقاومة وإلا فسوف ينتقل العدو من مخطط إلى مخطط طالما أصبح تنفيذ مخططاته كالسكين في الجبن بلا مقاومة، وحينئذ تسمع عن مشاريع الترانسفير للفلسطينيين من الضفة إلى الأردن، ومن غزة إلى سيناء، وعن تبادل الأراضي وعن هونج كونج في المنطقة جديدية، وهكذا يسعون إلى سيناريوهات كلها سوداء.
لو استسلمت الشعوب فمصيرها محدد بيد حفنة من أقذر وأنجس المخلوقات البشرية والحيوانات الآدمية، والملوم حينئذ هي الشعوب نفسها لأنها لم تبادر إلى الحضور والمقامة، وسلوك سبيل سنن رب العالمين في المدافعة مع معرفة واستيقان أنه: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة من الآية:249]، عندئذ لا سبيل أمام الشعوب إلا المقاومة وتبنيها والدفع بها وأن تكون الشعوب ردءًا لها، وأن تدفع ضريبة المواجهة العزيزة، وإلا فسبيل الحياة الذليلة موجود تدفع فيه الشعوب أضعاف أضعاف ما تدفعه في حال عزتها.
في هذه الحال يصبح الطفل مقاومًا، والشيخ مقاومًا والمرأة في خدرها مقاومة، وتصبح مواقفهم الصلبة جزءًا أصيلاً من الجهاد، ويصبح وقْع ثباتهم على نفوس العدو أشد من وقع الصواريخ على بنيانه، ظهرت نتيجة الثانوية العامة في غزة أثناء الحرب الأول علمي علوم شهيد! الأول أدبي شهيد! الأول علم رياضة مجاهد على الجبهة.
عجوز فلسطينية وقد استشهد أبناؤها، تقف عند جثثهم الطاهرة وتقول: "عندنا أكثر، سندفع بمقاتلين آخرين يقاتلون اليهود، لن نترككم"، امرأة فلسطينية في متوسط العمر تقول: "بيكفي يا نتن، بيكفي يا ابن اليهودية"، رجل يدخل على ابنه الشهيد، فيقبله ثم يهنئه بالشهادة ويقول له: "رفعتم رؤوسنا، هنيئًا لك الشهادة"، ثم يقول: "لا أريد عزاء بل أريد تهنئة بشهادة ابني"، يبكي الناس ولا يبكي هو.
هنا يسقط جهد إبليس عبر الإعلام والمحللين والاستراتيجيين! وتسقط لحى النصابين قبحهم الله وأخزاهم.
هنا يجب أن يفهم الناس أن المقاومين لا يختبئون بين النساء ولا الأطفال والعجائز كما يروج النصابون، بل يجب أن يفهم الجاهلون والمرجفون أن هذه طبيعة المعركة، وهذا ما فرضته أرض المعركة على الجميع، كما يولد طفل لأبوين مرفّهين، وآخر يولد لأبوين كادحين، فكذلك تجد بعض الشعوب نفسها في موقع تخير فيه بين أن تكون مستهدفة لمؤامرات وواقع إذلال، أو بين الجهاد في سبيل الله..
مرة ثانية: هذه طبيعة معركة، وطبيعة أرض معركة مفروضة على هذه الشعوب تصبح فيها بين الركون مع الذل، أو الجاهد والتضحية مع العزة، هم اختارو خيار الجهاد والعز مع التضحية، فإن جاءت عرايا الإعلام، أو موظفون تحت عنوان "خبراء استراتيجيون"، أو مخبرون بدرجة شيوخ، أو بُلْه يرددون ما لايفهمون، فليخرسوا أمام واقع جديد تكتبه شعوب تطلعت إلى العِزة.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: