لا تستكثر الباطل

منذ 2015-06-12

إن الكثرة المؤيدة للباطل تذهب وتجيء، موقفها ليس بثابت، يعرف المجرمون أنفسهم هذا، لكن في جولة مساندتهم للباطل يؤذون، ويضيّعون على أنفسهم وبلادهم فرصة للانعتاق من التخلف والإذلال والإهانة، والحاجة والتبعية والهامشية.. حالة الغثاء.

تنكسر قلوب بعض المؤمنين حينما يجدون أعدادًا وجموعًا من المصريين وغيرهم تقف مع الباطل، وتنطق به وتدافع عنه.

ينكسرون حينما يجدون أنفسهم يدافعون عن هؤلاء، ويُسجنون ويعذَبون ويموتون من أجلهم، بل ويقدمون أبناءهم من أجل هؤلاء آملين اللحظة التي يفيقون فيها من أجل حريتهم وكرامتهم ومستقبلهم، يصبرون منهم على الأذى الذي وصل لدرجة النطح والرفس، والهروب كما أخبر الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ . فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50-51]، يشاهدونهم يجمحون فارّين من الهدى والحرية والكرامة.

ولذلك فمن الأفضل تحليل هذه الأعداد ومعرفة تركيبتها، حتى لا تنكسر قلوب المؤمنين، إن هذه الأعداد -والجموع- تؤول إلى قلة ضئيلة جدًا، ولكن الخطورة تكمن في الفراغ، ومعنى هذه الجملة هي أن هذه الأعداد تؤول كثرتها إلى خنادق محددة هي أصحاب الفكرة وأصحاب المعتقدات..

- فقادة العسكر أصحاب اعتقاد علماني متطرف، وأصحاب مصالح اقتصادية عملاقة.
- والكنيسة ربّت أتباعها -أو أكثرهم- منذ أربعين سنة تربية داخلية سرية، انعزالية وانفصالية وطائفية، ولها مشاريعها.

- وقمامة البلاد ممن يسمون زورًا وبهتانا (نخبة) من المثقفين، هم مجموعة من الليبراليين رافضي الشرائع الكارهين لها، والشيوعيين رافضي الشرائع والعقائد، والإباحيين رافعي راية الشهوات، يرون الدين حائلاً بيهم وبين الملذات، وممثلين -يسمون زورًا فنانين- تافهين لا رأي ولا قيمة ولا شخصية، إنما يتشكلون حسب المعطيات وكثرةُ الفجور أصغت قلوبهم للباطل، وحبّبته لهم فيقبَلونه ويُقبلون عليه كارهين للحق، مجافين إياه باحثين عن الشهرة ولو على لحوم الأموات وأعراض القاصرات، والمساجد التي دنسها العسكر.

- ثم تبقى فئة رجال الأعمال بما اقترفوا من مال حرام وانتهجوا سبل الحرام، حتى استمرؤوه فانتقلوا من المعصية إلى كراهة الدين ورفع الراية المعادية له، لأنه يحول بينهم وبين الفساد والمال الحرام، هذه هي الفئات أصحاب المصالح الذي يأخذون مواقفهم عن وعي، وهم عن الآخرة هم غافلون.

أما الكثرة والجموع فراجعة الى توجيه إعلامي، وهو بدروه لا يصدر عن شخصيات إعلامية لها قناعة ودين وضمير ووطنية، بل هي مأجورة إلى أي من الفئات سالفة الذكر، فهي إما تابعة إلى أجهزة أمنية بتنوعاتها أو رجال أعمال يملكون المال وأرادوا امتلاك العقول ثم القوانين.

إن الكثرة راجعة إلى توجيه العقول، وتوجيه العقول خاضع للفئات أصحاب المصالح والعقائد، وعددها قليل.
تبقى المشكلة في هذه الأعداد لماذا كثرت، وتبقى الإجابة أنه الفراغ من المفاهيم العقدية والأخلاق الأساسية والتوازن النفسي والعقلي.

كان يجب وما زال دور الدعوة أن ترسخ المفاهيم العقدية والأخلاق الأساسية، والتوازن النفسي والعقلي ما يجعل عند المرء ميزانًا في يده، وعقلاً في رأسه، وضميرًا في صدره، يرفض به الباطل ويمتنع من التضليل، ويتأبى على الاستخفاف..

إن الكثرة المؤيدة للباطل تذهب وتجيء، موقفها ليس بثابت، يعرف المجرمون أنفسهم هذا، لكن في جولة مساندتهم للباطل يؤذون، ويضيّعون على أنفسهم وبلادهم فرصة للانعتاق من التخلف والإذلال والإهانة، والحاجة والتبعية والهامشية.. حالة الغثاء.

يجب عدم الانخداع بهذ الكثرة، ولا التقليل من أذاها، لكن اعلم أن كل هذا راجع لفئة صغيرة: {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل من الآية:48]، كما يجب مراجعة ما يجب أن يوجه إلى الأمة من خطاب، يمنع جيلها الحالي وأجيالها القادمة من التضليل والاستخفاف والغواية، وموت الضمير وسفاهة العقول..

هذا الخطاب حوله الكثير من علامات الاستفهام، وبه الكثير من جوانب النقص والخلل..
ومن الخير الكثير مراجعة هذا الخطاب الذي يجب أن يشمل مفاهيم عقدية، وتزكية خلقية، واستواء نفسي واتزان عقلي، ورشد تفكير، ووعي سياسي.. بعض هذا يحاول إيصاله اليوم ويبقى الكثير.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي