مسلم بحسب المقاسات الأمريكية

منذ 2008-12-11

على أية حال إما أن نكون مسلمين حقاً وإما أن أحبتنا الأمريكان سيفعلون كل شيء ليجعلونا مسلمين بحسب مصالحهم... علينا أن نختار قبل أن يزول وقت الاختيار.

 
 يبدو أن كل شيء أصبح خاضعاً للتفصيل، ليست الملابس وحدها بل القوانين والشرائع والأديان، والقوي هو الذي يتحكم بنوعية المقاسات وأشكالها وتحديد النافع والضار منها.


كنا نعتقد أن هذا الصنف من "الخياطين" قاصر على مجتمعاتنا ولكننا وجدنا أن بعض الأمريكان بدأ ينافس بقوة في هذا الاتجاه حتى وصل بهم الأمر إلى تفصيل مواصفات للمسلم المعتدل الذي يفضل التعامل معه وتشجيع الآخرين على العمل مثله!!


مؤسسة "راند" الأمريكية وهي مؤسسة بحثية نشطت مؤخراً في عالمنا العربي ولها دعم قوي من الحكومة الأمريكية أصدرت تقريرين متتابعين أحدهما بعنوان " إسلام ديموقراطي ومتمدن" والآخر: "مقاييس المسلم المعتدل" وقد وضعت هذه الدراسة مجموعة مقاييس يجب أن تنطبق على ذلك "المسلم" ليكون معتدلاً!!
من هذه المعايير تشجيع الديموقراطية وحقوق الإنسان المعترف بها دوليا... ومنها احترام التنوع السياسي والديني والثقافي، وكذلك القبول بمصدر للقوانين غير قائم على الطائفية، ومنها كذلك معارضة الإرهاب وأي شكل من أشكال العنف.


هذه المعايير يمكن قبولها بصورة عامة ودون الدخول في أية تفاصيل، فالمسلم المعتدل يحب الديموقراطية ويرى أهمية حقوق الإنسان، ولا يعارض التنوع السياسي والديني، والإسلام لا يقوم على الطائفية وهو ـ أيضاً ـ يعارض الإرهاب والعنف، فإذا كانت المسألة هكذا في عمومها، وإذا كان واضعو التقرير يعرفون هذا جيداً فما هو الجديد الذي يبحثون عنه ما دام المسلمون كلهم معتدلين بالجملة بحسب قوانيهم؟؟


هنا سنلجأ إلى "الشيطان" الذي لا يظهر إلا في التفاصيل لنحاول معرفة ما يريده القوم قبل أن تصبح إرادتهم قانونا ملزماً بحكم سيطرة بلادهم ونفوذها.


أمريكا لا تشجع الديموقراطية الحقة وقد بدا هذا واضحاً في الانتخابات الفلسطينية وكان موقفهم منها مخزياً فهم لم يقفوا عند رفض حكومة حماس وإنما حاصروها هم وأعوانهم حتى أسقطوها، وقبل ذلك فعلوها ـ مع فارق بسيط ـ مع حكومة عباس مدني في الجزائر، وهذا يوضح بجلاء أنهم يبحثون عن ديموقراطية ذات طبيعة خاصة تتفق مع مصالحهم، فالديموقراطية التي تخضع لهم هي التي يعترفون بها وما عداها يسلطون عليها سلاحهم، وهنا يجب أن يكون كل مسلم "معتدل" ماشياً في ركب الرغبات الأمريكية وإلا نزع عنه الاعتدال.


أمام حقوق الإنسان فلها في قاموسهم معان لا يتفق معهم عليها أحد، فهذه الحقوق تنتهك في فلسطين وفي العراق وأفغانستان وسواها مما تصل أيديهم إليه، حقوق الإنسان انتهكها الأمريكان كما لم ينتهكها أحد في العالم كله، ويكفي ما حصل في سجونهم المرعبة في "جوانتانامو" و "أبو غريب" وكذلك سجونهم السرية التي لم تعد سرية حيث يعذب الإنسان وتنتهك كرامته بصورة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

 
وأسوأ من سجونهم قتلهم لعشرات الآلاف في العراق واستخدامهم كل الأسلحة المحرمة في قتل البشر، فإذا كان هذا بعض ما يفعلون فعن أي حقوق يتحدثون؟؟


الواضح أنهم يتحدثون عن حقوق "الإنسان" الذي يحقق مصالحهم، وعن حقوق الصهاينة الذين لا يختلفون عنهم، وإلا فالمسلم "المعتدل" لا يفعل أي شيء مما يفعلونه فكيف يتحدثون عن إسلام معتدل مع كل تناقضاتهم؟؟ ولعل هذا يفسر حديثهم عن "الإرهاب" فمعظم العقلاء في العالم وقفوا ضد إرهابهم في العراق، وهم يمارسون "الإرهاب" في العراق وسواها فلماذا جعلوا معارضة "الإرهاب" واحدة من صفات مسلمهم "المعتدل"؟؟


أيضاً وبوضوح يريدون من "مسلمهم" ألا يعارض الإرهاب الصهيوني في فلسطين، ولا إرهابهم في العراق أو أفغانستان، ومن عارض هذا الإرهاب أو قاومه فليس بمعتدل وعليه أن يراجع إسلامه ويتأكد من قوانينهم ليعود معتدلاً من جديد!!
وإذا كان الإسلام يقبل بالتعددية الدينية، وفي البلاد العربية أديان غير الإسلام ومنذ مئات السنين مع أن الإسلام هو الذي يحكم هذه البلاد فما جدوى جعل مثل هذا القبول من صفات الاعتدال الإسلامي؟؟ الشيطان ـ كما يقولون ـ يكمن في التفاصيل إذ ليست التعددية هي العلة بل المسألة أكبر من ذلك بكثير فالمطلوب أن يكون المجتمع المسلم على غرار المجتمعات الغربية، يقبل الشذوذ الجنس، وزواج المثليين، وسائر العلاقات المحرمة، كما أن عليه ألا يطبق كل العقوبات الجزائية مثل أحكام المرتد والزاني والسارق وسواهم، لأن تطبيق هذه العقوبات يتنافى مع مواصفات الاعتدال التي يحبونها في المجتمع المسلم.


وحتى نفهم مقاصدهم بدقة علينا أن نتأمل ـ بعض الأسماء التي ذكروها وجلعوها قدوة لكل مسلم يحب أن يكون معتدلاً، فمن هذه الأسماء "نصر حامد أبو زيد" و "تسنيمة نسرين" و "آمنة داود".
الأمريكان ـ حكومة وشعبا ـ حريصون علينا كل الحرص فهم يرسلون جيوشهم إلى بلادنا ليجعلوا منا ديموقراطيين، ويرسلون خبراءهم ليجعلونا مسلمين معتدلين ومع هذا كله يأتي بعضنا ليشكك في نواياهم، أيليق هذا بالمسلمين المعتدلين؟


على أية حال إما أن نكون مسلمين حقاً وإما أن أحبتنا الأمريكان سيفعلون كل شيء ليجعلونا مسلمين بحسب مصالحهم... علينا أن نختار قبل أن يزول وقت الاختيار.

محمد علي الهرفي  
 

المصدر: lebraly.com