خطوات في التربية - (24) اليقين في صحة الرسالة وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم (2)
سعيًا إلى الغاية التي خلق لها الأولون والآخرون، والتي يطلبها الصالحون من الأولين والآخرين، والتي يشتهيها الخلق كلهم يوم القيامة. من أجل هذا نكتب هذه الحلقات..
رابعًا: المسلك العيني: بمعرفة البشارة برسول الله باسمه وصفته ونعْته، ومكان مولده ونعت مكان مهاجره وأن هذا زمان إرساله، وهذا يعني معرفة عين رسول الله وصفاته المبشَر بها، ويشير شيخ الإسلام أيضًا أن هذا من حكمة إبقاء أهل الكتاب وإقرارهم بالجزية..
وفي هذا جاءت الآية: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:156-157].
وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:20-21]، وقد قال بعض من أسلم من اليهود وشهد له رسول الله بالجنة -عبد الله بن سلام-: "قال عبد الله بن سلام: أنا أعلم به مني بابني، فقال له عمر: ولم؟ قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي؛ فأما ولدي فلعل والدته خانت، فقبَّل عمر رأسه".
وفي هذا جاء الاستدلال في قصة إسلام سلمان الفارسي فيما ذكر ابن إسحاق رحمه الله إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، وجاء فيه: "أنه بعد تركه لعبادة الأوثان ثم وقوعه على أسقف فاسد، ثم بحث حتى عثر على بعض الموحدين من الأساقفة، صالح بعد صالح، حتى لم يعد يجد على شاكلتهم مثلهم، مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم:2765)، كانوا على التوحيد والقول برسالة المسيح عليه السلام..
» (فعندما حضرت هذا الأسقف الأخير الوفاة قال له سلمان: فإلى من توصى بي وبم تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا عليه من الناس، آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره إلى الأرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال: ثم مات وغيب.
ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه، قالوا نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي عبدًا، فكنت عنده ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي.
فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها، فأقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة، ما أقام ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي..
قال سلمان فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتى ظننت أني ساقط على سيدي، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال مالك ولهذا؟ أقبل على عملك.
قال فقلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، قال: وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «
»، وأمسك يده فلم يأكل، فقلت في نفـسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئته فقلت له: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، قال: « »، قال فقلت في نفسي: هاتان ثنتان.قال ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد، قد تبع جنازة رجل من أصحابه وعليه شملتان وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه ثم استدبرته أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي «الألباني في السلسلة الصحيحة:556/2).
»، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، فتحولت بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذاك أصحابه" (حسن إسنادهخامسا: الاستدلال بمعرفتهم بسابق عهده معهم، وذلك الاستدلال من وجهين:
وقد تضمنه قوله تعالى: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [يونس: 16].
أ- كونه أميًا لا يقرأ، ولم يختلط بأحد يعلمه هذا، بل ولا أحد غيره يعلم هذا فقد جاء بما لا يعرفه أهل الكتاب من المواريث وغيرها، وبالمائدة ولا يعرفها أهل الكتاب في دينهم، بل عرفوها من رسول الله، مع إخباره بما أخفوه.
ب- كونه أمينًا صدوقًا مع الخلْق؛ فكيف يكذب على الله؟!
يتبع إن شاء الله تعالى.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: