احمل سلاحك!

منذ 2015-06-20

لكل معركة سلاح.. وهناك ما هو سلاح لكل معركة، إضافة إلى سلاحها الخاص.. وكل معركة، بل كل حركة لا يَرجع فيها المؤمن إلى ربه ويستعين به ويتقوَّى به من ضعفه، ويستأنس به من وحشته، ويستغني به على العالمين، وكل معركة، بل كل حركة لا يُرجِع في المؤمن أمره كله لله، فهي معركة خاسرة وحركة بائسة أو طائشة

لكل معركة سلاح.. وهناك ما هو سلاح لكل معركة، إضافة إلى سلاحها الخاص.. لَمَّا أرسل الله تعالى النَّبِيَّيْنِ الكريمين موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، إلى البطَّاش فرعون لدعوته وبيان الحق له: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:44]، وهما يعرفان مَن هو فرعون في جبروته وطغيانه وبطشه وهيجانه، فهو الذي يُقطِّع الموحدين، ويُصلِّب المسلمين في جذوع النخل وليس مجرد فوقها، وهو الذي يُذبِّح الأبناء، وتلاحظ أنها أفعال بالتشديد: لأقطِّعَنَّ، لأُصلِّبَنَّ، يُذَبِّح(1)، دلالة على شدة التقطيع والصلب والتذبيح وكثرتها.. فأَبْدَايَا مخاوفهما لله تعالى، في ضراعة ودعاء، وليس في تردد ورفض: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}[طه:45]، والفرط هو التسرع بالأذى للوهلة الأولى، والطغيان أشمل من التسرع وأشمل من الأذى. وفرعون الجبار يومئذ لا يتحرج من أحدهما أو كليهما، وهنا يجيئهما الرد الحاسم الذي لا خوف بعده، ولا خشية معه، فلم يرسل معهما جيشًا عرمرمًا، ولا جُندًا مُدجَّجًا، ولا سلاحًا فتَّكًا، بل زوَّدهما بما هو أخطر من ذلك، وأفتك في العدوِّ، وأكثر عونًا لأهله وأثرًا في نفوس أصحابه.. أعطاهما عقيدة وإيمَانًا: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:46]. فكل معركة يخوضها المسلم بغير سلاح العقيدة هذا فهي معركة خاسرة، كل معركة، بل كل حركة لا يَرجع فيها المؤمن إلى ربه ويستعين به ويتقوَّى به من ضعفه، ويستأنس به من وحشته، ويستغني به على العالمين، وكل معركة، بل كل حركة لا يُرجِع في المؤمن أمره كله لله، فهي معركة خاسرة وحركة بائسة أو طائشة..

{إنني معكما}.. "إنه القوي الجبار الكبير المتعال. إنه الله القاهر فوق عباده. إنه موجد الأكوان والحيوات والأفراد والأشياء بقولة: كن. ولا زيادة.. إنه معهما.. وكان هذا الإجمال يكفي. ولكنه يزيدهما طمأنينة، ولمسا بالحس للمعونة: {أَسْمَعُ وَأَرى..} فما يكون فرعون وما يملك وما يصنع حين يفرط أو يطغى؟ والله معهما يسمع ويرى؟"(2) 

وفي الموضع الآخر: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ، وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ، قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ}[الشعراء: 10-15]. فهناك: {إني معكما؛ أسمع وأرى}، وهنا: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ}. فالحصول على معية الله تعالى بحسن التوكل عليه والعمل الصالح واستشعار هذه المعية، واستحضار صفات الله تعالى وأسمائه مثل السمع والبصر والقوة والقهر والعلم والحكمة.. هذا هو سلاح المعركة الأساسي، وزادها ووقودها، وكل سلاح آخر إنما يأتي بعد هذا. ولذلك بقي النبي صلى الله عليه وسلم، بل أبقاه الله تعالى أكثر من عقدٍ من الزمان في العهد المكي يشحن جيله الفريد بهذا الزاد الفريد والسلاح العتيد، فكان كل أول ما نزل من القرآن المفصل، كما وصفت عائشة رضي الله عنها، قالت: «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا»(البخاري في صحيحه، رقم:[ 4993]).

فمعركة المسلمين اليوم كأشد ما تكون عقدية، فالعقيدة العقيدة، والإيمان الإيمان، ضميره هو دافعكم، وتحقيقه هو غايتكم، وشريعته هي ضابطكم وحاكمة مسيرتكم... وإلا فلا تعدوا انتصاراتنا أن تكون انتصارات جاهلية على جاهلية أخرى، ويبقى الفيصل فيها العدد والعدة، كما قال عمر رضي الله عنه: "يا سعدُ... لا يغرنَّك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله، فإن الله عزّ وجلّ لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، فإنَّ الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته، فالناس شريفُهم ووضيعهم في ذات الله سواءٌ، الله ربُّهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا، فالْزَمْهُ فإنَّه الأمر. هذه عظتي إياك إن تركتَها ورغبتَ عنها حَبِط عملك وكنت من الخاسرين"، وفي رواية لهذا الأثر: "يا سعد ..لا يغرنك أن قالوا خال رسول الله ..فمنذ متى و نحن ننتصر على أعدائنا بالعدد و العتاد .. إنما ننتصر عليهم بطاعتنا لله و معصيتهم له، فإذا تساوينا في المعصية غلبونا بالعدد و العدة و العتاد . فانظر ما وقع في جيشك من الوهن".
إن العقيدة الصحيحة والإيمان الراسخ والإسلام الحسن والإخلاص الصادق والخُلُق الكريم والفكر الناضج والبداهة الحاضرة.. كل ذلك سلاح الحرب والسلم، وزاد السفر والحضر  وعربون النصر والفرج والفلاح.. يقول سيد قطب: "التجارب ما تزال إلى هذه اللحظة تنبئ بأن العقيدة هي السلاح الأول في المعركة، وأن الأداة الحربية في يد الجندي الخائر العقيدة لا تساوي شيئاً كثيراً في ساعة الشدة".

    اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلا، وارزقنا إيمانا راسخًا وعزما صادقًا وعملا صالحًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1)- مقال لنا بعنوان: لأقَطِّعَنَّهم ولأصلِّبَنَّهم

(2)- سيد قطب، في ظلال القرآن: 4/ 2337.

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.