أساليب استدراج الأمة إلى منطقة الوهن والهوان على الناس
لا شك أن من هذا الواقع أن يقف المنصف على ما مارسه الكر الشيعي، وإبحار حشوده الطائفية في المنطقة مباشرة بعد تجلية أمريكا للحاجز السني العراقي الذي رمزت إليه وإلى الإيذان به عملية إسقاط صنم حاكم العراق صدام رحمه الله والتفاف الشيعة المأجورين على ضرب حجارته بالأحذية والنعال، في إشارة ضوئية خضراء لهذا المرور القاتل والعبور المأذون له.
هناك حقائق ومسلمات نحتاج إليها حاجتنا إلى الماء عند الانكباب على تحليل ظاهرة ما أو حدث ما أو واقع معاش ما في شقيه التاريخي والاجتماعي، ولا شك أن حجم هذه الحاجة تحدده عوامل كثيرة ومتعددة، لكن يبقى استشراف حجم التأثر والإخلال عند فقدها أو تعمد غيابها أحد أهم العوامل التي تتحكم في حجم هذه الحاجة وكذا صدق المساس إليها.
ولا شك أن الغرب ولا غباء حتى نستثني منه أمة ما، وهو يتعامل معنا يدرس يخطط يحلل يملي يفرض يستشرف يتجسس يناور يهجم يستعمر يعتدي ويدمر، لم يكن ليغيب عنه هذا النوع من المساس والحاجة الملحة إلى جمع المعطيات وخاصة ما يتعلق منها بالدين والتدين والتاريخ والحضارة والعقائد والملل والبدع المحدثات بل والسنن، ويصدق ما ذهبنا إليه وينقله من تهمة الرجم بالغيب إلى منزلة التحري والبيان ما راكمته المراكز الدراسية الغربية من بناء معرفي وتوصيات تبين عند التسريب أنها كانت تملى علينا أناء الليل وأطراف النهار، كما دل وضع اليد على مكامن تفاصيلها على حقيقة أن هذا الآخر يحيط بنا علما ويتربص بنا ظلمًا.
ولا شك أن هذا الغرب بات يملك من هذه المعطيات والأسرار النصاب الأوفى الذي يؤهله إلى أن يكون فاعلاً في استنزاف قوتنا، وضرب عروة وحدتنا وتحويل مشاكلة الدين واللغة والأرض في دائرة المشترك إلى وحدات متنافرة يضرب بعضها رقاب بعض، وحري بنا عند التكلم بلسان النون الدالة على الجماعة أن نوجه الكلام بالإفصاح عن نوع هذه الجماعة في إطار مفهوم أمة الإجابة وعند نقطة الملتقى وعروة التواد والتراحم والجسد الواحد جسد أهل السنة والجماعة في اصطلاحه السياسي لا الشرعي مراعاة لسياق الكلام المقيد.
ولعله تصويب يسعفنا في مقام التأصيل لمراحل التأثر والتأثير من تاريخ هذه الأمة، وصناعة ملامح أيامها النحسات من تاريخها عند درك توليها عن الزحف، وتزملها بدثار الضعف والوهن والمسكنة، أو تقمصها لشخصية ما يعرف في أدبيات نعت الآخر بالرجل المريض، ويسعفنا بالعطف في تجلية أسباب هذا الضعف وبواعث هواننا على الناس، والتي لن تكون في الأخير إلا مضمونًا لتلك الحقائق والمسلمات، التي أتينا على ذكرها في سياق الكلام عن الحاجة إليها في ما سلف أن وطّئنا به بين يدي هذا التحليل إن سلم الاصطلاح، لنربط به الاتصال عودًا على بدء مقررين أن الغرب وهو يمتلك ذلك النصاب المعرفي وقف على حقيقة أن الدولة السنية لا تكون ولن تكون لها السطوة والتمكين..
والحال أن الدولة الشيعية تمتلك قوة الردع والتجاسر، والحال أن الانتساب لأهل السنة والجماعة صار اليوم وحتى الأمس القريب من جنس العصبيات التي نتحمس لها رواية وفكرًا ودراية، بينما تكون في الواقع آخر شيء نعمل به وننحني له ولو على نحو متداع مبهم.
ولعل من حسنات التسليم بهذا الطرح فهم السياق الذي تم في أقبية صناعته اختيار محاصرة العراق وتجويعه استعدادًا لاستئصال شأفة دولته وحضارته وقوته، التي تمثل في دلالة رمزية صادقة القوة السنية المتصدرة للمشهد السني برمته، والتي كان من شأنها كما وقفت من ذي قبل كحاجز سني عتيد أمام طموح المد الشيعي القاتل المتربص، وربما احتجنا الاستعجال بالتنبيه على ذلك الغباء الذي يستحمرنا رواده باستدراك مفاده أن العراق واجه إيران الشيعية في حرب طويلة النفس مدعومًا بالغرب والعرب.
ووجه هذا الاستغباء هو تصدير القراءة السطحية إلى الواجهة والتي تجعله أي الغرب مصطفًا على الحقيقة، إلى جانب الفصيل السني في حربه التاريخية مع العدو الشيعي، بينما الواقع أن أمريكا ومَنْ وراءها لم تكن لترى إمكانية أو حتى احتمالًا من شأنه أن يثبت دسر الثورة في ألواح سفينة الإبحار الشيعي في المنطقة، وقبله القضاء على الصوت المعارض الداخلي في إيران والذي كان أصحابه قاب قوسين أو أدنى من إسقاط الثورة، وإفشال ما وراء أكمة توطينها، سوى الاستصراخ بقرع طبول الحرب مع العدو التاريخي والحضاري المجاور.
ونعني به عراق صدام السني ليسهل في مناخ هذه الحرب رفع تهمة الخيانة العظمى في وجه المعارضين، ومن ثم إسكات صوتها المشاغب إلى الأبد تحت وطئة المقصلة الرسمية، التي نصبت لتعمل عملها في الرقاب على مرأى ومسمع وصمت الغرب المتواطئ، رغم العدد المرتفع المنسوب من ضحايا هذه المقصلة.
إضافة إلى ما تسنى لهذا الغرب من حسنات الوقوف على حجم ومدى تطور الآلة الحربية السنية في المنطقة النابضة بالإسلام أولًا، والبترول ثانيًا، وكلاهما على مرمى مشتهى الآخر، وليتم له وهو يتفرج بحياد مدخول وبعد وقوفه على حجم الاستنزاف وخور النفس الحربي لمؤسسة الجيش العراقي الباسل الشروع في تحويل العراق عبر مرحلتين إلى أكلة نصف كاملة كفطور للأب بوش، وكوجبة غداء كاملة للسيد بوش الابن، على أن يسلم في مرحلة لاحقة كفضلة لإيران تعبث به كيفما تشاء.
وليس من الأنوية في شيء أن نصف هذا الطرح بالتحليل الصحيح السليم من جهة ما احتف حوله من قرائن تشهد له بهذه الصحة، وعلى رأسها ما آلت إليه الأمور من واقع أسود مرباد وصدقته الوقائع المترادفة بالصوت والصورة والرائحة في مقابل الزيف الذي راكمه الإتراف الفكري وعدم النضج المعرفي باسم تجنب الطائفية ورفع شارات الأخوة الدينية بين الشيعة والسنة من جهة ومن جهة أخرى التماهي حد الخذلان مع أكذوبة العداء الإيراني الغربي المتبادل، وهي على أي أراء وأفكار أثبت الواقع أنها ارتجال ليست له أرضية علمية أو منطقية كما ليس من شأنه الصمود ليس أمام التحليل العلمي الدقيق فحسب وإنما أمام ما استشرفه المنصفون وصدقه الواقع بعد حين.
ولا شك أن من هذا الواقع أن يقف المنصف على ما مارسه الكر الشيعي، وإبحار حشوده الطائفية في المنطقة مباشرة بعد تجلية أمريكا للحاجز السني العراقي الذي رمزت إليه وإلى الإيذان به عملية إسقاط صنم حاكم العراق صدام رحمه الله والتفاف الشيعة المأجورين على ضرب حجارته بالأحذية والنعال، في إشارة ضوئية خضراء لهذا المرور القاتل والعبور المأذون له.
ولك أن تتصور بعد هذه الإشارة كيف تحولت بين عشية وضحاها قبائل متوحشة كانت تعيش معيشة (الماعز) في أعالي الجبال، وأوعر المسالك وأوحشها، إلى قوة متعاظمة تملك المال والسلاح والتمكين والحظوة في أوطان يعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر المدقع، فقد صار في مقدور قبيلة كقبيلة الحوثيين الرافضية مثلاً في اليمن السطو على الحكم في واضحة النهار، بل وأن تمتلك من الجرأة الحربية ما يؤهلها بامتياز كي تقف بندّية في وجه تحالف عربي يمتلك المال والسلاح والجيوش النظامية ذات العدد والعدة.
وجدير بالذكر التنبيه على محتوى تلك اليافطة التي دأب الحوثيون بل الفصيل الشيعي في المنطقة وهو مسافر سفره القصير الذي لا يجيز جمعًا ولا يترخص قصرًا، ليذبح السنة ويقطع دابرهم وينسف مساجدهم، وينكل بحرائرهم وولدانهم، المكتوب على ظهر خرقتها "الموت لأمريكا الموت لليهود الموت لإسرائيل"، وأنها يافطة سقطت عنها ورقة التوت وتبين أنها حمل خفيف تستشرفه كما تستشرف حامله أمريكا وإسرائيل..
استشرافًا جعلنا نعدم في المهد احتمال ولو بالغلط وقوع صاروخ موجه من طائرة أمريكية بدون طيّار على رأس حوثي أو شيعي يعيث في الأرض فسادًا، بينما كانت ولا تزال تترادف علينا بالصوت والصورة روائح الموت المحيط والمتربص بحياة اليمني السني والعراقي السني والسوري السني والأفغاني السني، وحبل المعطوفات طويل الذيل مما علمناه وكان قليلًا وغاب عنا ذكره وكان كثيرًا.
ولن يفوت جنس السياق ومقتضاه التعريج على ذكر ما وصل إليه ذراع إيران في المنطقة حزب الله من قوة حربية وتمكين سياسي، استطاع بهما بلع الكيان اللبناني وإحكام السيطرة على كافة أجهزته ومرافقه السلطوية، حيث لم يبق للسنة هناك إلا تمثيل شكلي مخنث لا يملك من الأمر شيئًا، بل استطاع بكل جرأة عبور حدود سايكس بيكو -المقدسة عند الغرب نفسه- ليذيق السوريين سوء العذاب، فيذبح الأبناء ويستحيي النساء ويعدم الرجال، ويرفع بيارق طائفيته على رأس مآذن مساجد أهل السنة هناك إن هي سلمت ابتداء من قصفه ونسفه.
وكالعادة لا نملك إلا أن نستدرك على ذلك الصوب الذي أغوته حرب هذا الأخير مع الكيان الصهيوني في صيف 2006م بكونها حرب استفاد منها حزب الله كما الكيان الإرهابي من خلال ما وقع من هدم لمؤسسات وبنيات الكيان السني بلبنان، ومن خلال ما أصبغته هذه الحرب المدخولة على حزب الله من سمعة وتمكين حدد مساره الاستقطابي في المنطقة، حتى كان من شأن هذا الاستشهار والتمكين أن سمعنا للشيعة ركزًا في مغربنا الأقصى لا يزال يعمل في صمت وقعقعة، وهو ركز ما كان ليكون وما كنا لنشم ريحه السموم لو لم يتواطئ الغرب ومعه إيران على إسقاط قوتنا السنية وحضارتنا العظيمة التي تختزلها دار الحكمة بغداد العزة والكرامة والإباء.
وربما كان من الغباء أيضًا اعتقاد أن أمريكا والغرب كله تغيب عنه ملامح العدو الحقيقي المهدد لوجوده، أو يغيب عنه التحيين المستشرف لدولة هذا العدو وعودة بساط التمكين إلى تحت أقدامه وهو أمر يفسره اصطفافه الدائم للجانب الشيعي على حساب الجانب السني، باعتبار ما توثره هذه المعرفة نفسها وتقتضيه.
ولربما غاب عنا عبر ما نشهده من استهجان واختراق أسباب هذا التحيين وملابساته، وأمارات قرب وقوعه أو حتى التصديق باحتمال صحة روايته، ولم يكن بالجزم ليغيب عن ذهن هذا الذي يتربص بنا من كل حدب وصوب، ويروم الحيلولة بيننا وبين ما يراه واقع لا محالة ولو بعد حين، بينما في صفنا من هو من بني جلدتنا ويتكلم بلساننا ويرى في هذا الوقوع واحتمال قومته وخلافته التي هي على منهاج النبوة مجرد ضرب من ضروب الخيال، وهرولة في مسعى العزاء وندبة للواقع المر؛ واقع الوهن والهوان على الناس بالاستمساك بأساطير الأولين وتخريف المتأخرين ليس إلا.
محمد بوقنطار
محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.
- التصنيف: