مع القرآن - (صلف غير مقبول): {لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ}
ديدن أهل العناد مع الرسل ومع أتباع الرسل ومع العلماء والمصلحين في كل عصر: تحدي الرسل وأتباعهم ومطالبتهم بالمعجزات حتى يؤمنوا، وكأن إيمانهم سيضيف للإسلام، وكأن إيمانهم تشريف! ويظل العناد وطلب الآيات..
ديدن أهل العناد مع الرسل ومع أتباع الرسل ومع العلماء والمصلحين في كل عصر: تحدي الرسل وأتباعهم ومطالبتهم بالمعجزات حتى يؤمنوا، وكأن إيمانهم سيضيف للإسلام، وكأن إيمانهم تشريف! ويظل العناد وطلب الآيات..
والعجيب أن هؤلاء المعاندين حتى لو ثبتت لهم الآيات والمعجزات إما أن يجحدوها أو يؤمن منهم النادر القليل، والأعجب أن يصروا على طلب المعجزات ممن لا يملكها من أتباع الأنبياء (كالعلماء، والدعاة، والمصلحين)، مثل طلبهم إصلاح كل الفساد المجتمعي المتراكم بسبب الفساد والطغيان في ساعات معدودة، أو أيام أو أشهر على الأكثر ثم يكتفون بالمشاهدة والتلويح بالفشل، والتهديد بالطرد وعدم التصديق.
والأعجب أن الكثير من المصلحين يتمادون معهم في طلباتهم متناسين أن هؤلاء يتحملون مسئولية إيمانهم ودينهم أمام الله وما على الداعية أو المصلح إلا الإرشاد والأخذ بأسباب الهداية وفي النهاية كل منا ألزمه الله طائره في عنقه وكل منا سيقف أمام الله في موقف المسئولية. فيا لتعنت هؤلاء وصلفهم غير المقبول عبر التاريخ
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة:118-119].
قال العلامة السعدي رحمه الله :
"أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم: هلا يكلمنا، كما كلم الرسل، {أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} يعنون آيات الاقتراح، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الكاسدة، التي تجرأوا بها على الخالق، واستكبروا على رسله كقولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة من الآية:55]، {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} [النساء من الآية:153].
وقالوا: {لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} الآيات [الفرقان:7-8] وقوله: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء:90]، الآيات.. فهذا دأبهم مع رسلهم، يطلبون آيات التعنت، لا آيات الاسترشاد، ولم يكن قصدهم تبين الحق، فإن الرسل، قد جاءوا من الآيات، بما يؤمن بمثله البشر، ولهذا قال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فكل موقن، فقد عرف من آيات الله الباهرة، وبراهينه الظاهرة، ما حصل له به اليقين، واندفع عنه كل شك وريب.
ثم ذكر تعالى بعض آية موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها، وهي ترجع إلى ثلاثة أمور:
الأول: في نفس إرساله، والثاني: في سيرته وهديه ودله، والثالث: في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة.
فالأول والثاني، قد دخلا في قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} والثالث دخل في قوله: {بِالْحَقِّ}.
وبيان الأمر الأول وهو -نفس إرساله- أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران، والصلبان، وتبديلهم للأديان، حتى كانوا في ظلمة من الكفر، قد عمتهم وشملتهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، قد انقرضوا قبيل البعثة.
وقد علم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدى، ولم يتركهم هملا لأنه حكيم عليم، قدير رحيم، فمن حكمته ورحمته بعباده، أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم، يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له، فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه، وهو آية كبيرة على أنه رسول الله، وأما الثاني: فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال..
ثم من بعد ذلك قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسبر أحواله، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأن الله تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم.
وأما الثالث: فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم، والقرآن الكريم، المشتمل على الإخبارات الصادقة، والأوامر الحسنة، والنهي عن كل قبيح، والمعجزات الباهرة، فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة.
قوله: {بَشِيرًا} أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية، {نَذِيرًا} لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي، {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} أي: لست مسئولا عنهم، إنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب".
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: