مع القرآن - {مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} تهفو إليه القلوب

منذ 2015-07-26

كل مؤمن يهفو قلبه لبيت الله الحرام، ويزداد الشوق مع دخول أشهر الحج واستعداد البيت وأهله لاستقبال ضيف الرحمن، جعله الله مهوى للأفئدة وأمنًا وأمانًا لا يخلو من راكع أو ساجد أو طائف أو عاكف..

كل مؤمن يهفو قلبه لبيت الله الحرام، ويزداد الشوق مع دخول أشهر الحج واستعداد البيت وأهله لاستقبال ضيف الرحمن، جعله الله مهوى للأفئدة وأمنًا وأمانًا لا يخلو من راكع أو ساجد أو طائف أو عاكف.. فاللهم بلغ الحج كل ملهوف وأدم على من حج نعمة المداومة بين الحج والعمرة.

قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125].

ذكر تعالى نموذجًا باقيًا دالاً على إمامة إبراهيم، وهو هذا البيت الحرام الذي جعل قصده ركنًا من أركان الإسلام، حاطًا للذنوب والآثام، وفيه من آثار الخليل وذريته، ما عرف به إمامته، وتذكرت به حالته فقال: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} أي: مرجعًا يثوبون إليه، لحصول منافعهم الدينية والدنيوية، يترددون إليه، ولا يقضون منه وطرًا، {وَ} جعله {أَمْنًا} يأمن به كل أحد، حتى الوحش، وحتى الجمادات كالأشجار.

ولهذا كانوا في الجاهلية -على شركهم- يحترمونه أشد الاحترام، ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يهيجه، فلما جاء الإسلام، زاده حرمة وتعظيمًا، وتشريفًا وتكريمًا.

{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} يحتمل أن يكون المراد بذلك: المقام المعروف الذي قد جعل الآن، مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا ركعتا الطواف، يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم وعليه جمهور المفسرين، ويحتمل أن يكون المقام مفردًا مضافًا، فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج، وهي المشاعر كلها: من الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، ومزدلفة ورمي الجمار والنحر، وغير ذلك من أفعال الحج.

فيكون معنى قوله: {مُصَلًّى} أي: معبدًا، أي: اقتدوا به في شعائر الحج، ولعل هذا المعنى أولى لدخول المعنى الأول فيه، واحتمال اللفظ له، {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} أي: أوحينا إليهما، وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي، ومن الرجس والنجاسات والأقذار، ليكون {لِلطَّائِفِينَ} فيه {وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أي: المصلين، قدم الطواف، لاختصاصه بالمسجد (الحرام)، ثم الاعتكاف، لأن من شرطه المسجد مطلقًا، ثم الصلاة، مع أنها أفضل لهذا المعنى.

وأضاف الباري: البيت إليه لفوائد، منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما، ويستفرغان وسعهما في ذلك، ومنها: أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه، ومنها: أن هذه الإضافة هي السبب الجاذب للقلوب إليه.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
الموقف الصعب: لا ينال عهدي الظالمين
المقال التالي
{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا}