تأملات - تأمل في ستر العورة في الصلاة؟!

منذ 2015-07-27

إننا نتطهر بالوضوء قبل الدخول في الصلاة، ونستر عورتنا، وكأننا نعود مرحليًا قبل المعصية، ثم ننتظم في حركات توقيفية ليس لنا فيها خيار، بل إننا نمتثل تمامًا ﻷمر الله فيها، وكأننا نقول لله تعالى أثناء الصلاة: نحن تبنا إليك بدخولنا في هذه الصلاة من كل معصية اقترفناها في هذه الدنيا، لقد عدنا إلى حالة طاعتك، عدنا إلى حالة الطُهر والسِتر التي كنا فيها قبل المعصية!

جاءني سؤال من فتاة تسأل:
"لماذا تتحجب المرأة في الصلاة حتى لو كانت في بيتها، بالتأكيد هي لا تستتر من الله فالله يعلم كل شيء".

تأملت في اﻷمر فوجدت مبدأيًا أن اﻷمر توقيفي، وأنه قد لا يصلح له سؤال "لماذا"، إذ أنه مثله مثل عدد ركعات الصلوات الخمس، أمور توقيفية، لكن هذا لا يمنع من التأمل في المسألة، وجدت أن ستر العورة عمومًا -للرجل والمرأة على السواء- في الصلاة يُمكِن أن يُحمَل على أن يكون اﻹنسان في وقاره واحترامه عندما يقف بين يدي الله تعالى، لكن هذا ما زال لا يفسر: لماذا ستر العورة هو مقياس الوقار؟!


قفز إلى ذهني قوله تعالى عن قصة آدم وزوجه في الجنة:
{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف من الآية:22].

وي كأن انكشاف العورة أو ظهورها كان مرتبطًا بعصيانهما ﻷوامر الله تعالى، لذا فإن ستر العورة في الصلاة يعيدنا -رمزيًا- إلى وقت ما قبل المعصية، يضعنا نفسيًا في جو الطُهر المُطلق قبل أن نعصي الله تعالى! 

نعم إننا نتطهر بالوضوء قبل الدخول في الصلاة، ونستر عورتنا، وكأننا نعود مرحليًا قبل المعصية، ثم ننتظم في حركات توقيفية ليس لنا فيها خيار، بل إننا نمتثل تمامًا ﻷمر الله فيها، وكأننا نقول لله تعالى أثناء الصلاة: "نحن تبنا إليك بدخولنا في هذه الصلاة من كل معصية اقترفناها في هذه الدنيا، لقد عدنا إلى حالة طاعتك، عدنا إلى حالة الطُهر والسِتر التي كنا فيها قبل المعصية! 

ليس هذا فقط، بل إننا قد تركنا حرية إرادتنا قبل الصلاة لنحيا فترةً مسيرين تمامًا ﻷوامرك بغير تدخل منا، إننا يا رب لم نعد قبل مرحلة الذنوب وحسب، فإننا يا رب اﻵن نتواضع لعظمتك ونتشبه بالملائكة الذين {لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم من الآية:6]، فنترك حرية إرادتنا طواعية لننتظم في عبادة ليس لنا أن نحدد نمطها، بل هي طاعة خالصة لك. 

اللهم أعدنا إلى طهارة ما قبل دنس الذنوب وتب علينا، اللهم آتنا أجر الملائكة لتشبهنا بها في طاعتها المطلقة لك، اللهم إننا نتجهز لاستئناف إعمار اﻷرض بعد الصلاة، فزِدنا أجرًا عن أجرهم بطاعتك في استعمارنا اﻷرض والخلافة فيها، تلك الطاعة التي نفعلها بحرية إرادتنا مختارين طواعية أن نترك ما لا يرضيك اللهم آمين".

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

المقال السابق
في طريق الإيمان
المقال التالي
أكبرَ حماقةٍ يمكن أن يرتكبها الإنسان