مع القرآن - رغبة السفهاء

منذ 2015-07-29

هذه الملة الواضحة والعقيدة الناصعة السهلة التي دل عليها العقل، ودلنا عليها كل ما حولنا، تفرض نفسها على كل ذي عقل صحيح وقلب سليم، أما من رغب عنها ورفضها فهو سفيه النفس وقليل العقل مريض القلب، أدخل نفسه في تيه الشرك واختار لنفسه غير الله الذي خلقه فسواه ورزقه فكفاه، فكيف يختار العاقل إلها مع الله؟!

سفه الله تعالى من رغب عن الإسلام ملة إبراهيم وعقيدة كل الأنبياء، دعوة التوحيد وملة الإخلاص لله وحده، وخلع كل من دونه من بشر أو ملائكة أو جن أو حجر أو شجر أو هوى مطاع.

هذه الملة الواضحة والعقيدة الناصعة السهلة التي دل عليها العقل، ودلنا عليها كل ما حولنا، تفرض نفسها على كل ذي عقل صحيح وقلب سليم، أما من رغب عنها ورفضها فهو سفيه النفس وقليل العقل مريض القلب، أدخل نفسه في تيه الشرك واختار لنفسه غير الله الذي خلقه فسواه ورزقه فكفاه، فكيف يختار العاقل إلها مع الله؟!

قال تعالى:
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:130-134].

قال العلامة السعدي.
أي: ما يرغب {عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} بعد ما عرف من فضله {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} أي: جهلها وامتهنها، ورضي لها بالدون، وباعها بصفقة المغبون، كما أنه لا أرشد وأكمل، ممن رغب في ملة إبراهيم، ثم أخبر عن حالته في الدنيا والآخرة فقال: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} أي: اخترناه ووفقناه للأعمال، التي صار بها من المصطفين الأخيار.

{وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} الذين لهم أعلى الدرجات.
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ} امتثالًا لربه {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} إخلاصًا وتوحيدًا، ومحبة، وإنابة فكان التوحيد لله نعته، ثم ورثه في ذريته، ووصاهم به، وجعلها كلمة باقية في عقبه، وتوارثت فيهم، حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه.

فأنتم -يا بني يعقوب- قد وصاكم أبوكم بالخصوص، فيجب عليكم كمال الانقياد، واتباع خاتم الأنبياء قال: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} أي: اختاره وتخيره لكم، رحمة بكم، وإحسانًا إليكم، فقوموا به، واتصفوا بشرائعه، وانصبغوا بأخلاقه، حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه، لأن من عاش على شيء، مات عليه، ومن مات على شيء، بعث عليه.

ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم، ومن بعده يعقوب، قال تعالى منكرا عليهم: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} أي: حضورا {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار، ولتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي}؟ فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا} فلا نشرك به شيئَا، ولا نعدل به أحدًا، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فجمعوا بين التوحيد والعمل.

ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب، لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا، فقد أخبر الله عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية، لا باليهودية.. ثم قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} أي: مضت {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} أي: كل له عمله، وكل سيجازى بما فعله، لا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع أحدًا إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم، أنكم على ملتهم، والرضا بمجرد القول، أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم، أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها، هل تصلح للنجاة أم لا؟!"

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
محمد دعوة إبراهيم
المقال التالي
كل يدعو لما يهواه أما أنت: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}