العبـر من حرب الفرقـان في غـزَّة
منذ 2009-01-03
وما دروْا أنَّ هذه الأمة إنما تنعشها دماءُ الشهداء، وترفعها تضحيات المجاهدين، وأن الله تعالى تكفل لها أن يبلغ بها ذُرا المجـد، على قدر ما تسال دماؤُهم تحت لواءه .
لم يبعد القائد المجاهـد إسماعيل هنيّة عن الحق قيد أنملة، عندما وصف المعركة التي تدور رحاها بين جند الإيمان في غزة، وجنود إبليس من الصهاينة الجبناء، ومن معهـم من الأذناب العملاء، عندما وصفها بأنها معركة الفرقان، فهي والله كذلك.
فقد تجلى بها ـ من أول قذيفة أطلقها الصهاينة على غزة ـ ما كان خافيا، وظهـر ما كان باطنا، وانجلى الصدق مشرقاً على جباه الصادقين، وأظـلمت من ذلك الحين، وجوه الخونة المتآمرين.
وإنَّ فيها لعبـراً عظيمة:
أولا: أنها كشفت حقيقة المؤامرة التي حاكها من يسمُّون أنفسهم محور الإعتلال (الاعتدال) على مقدِّساتنا في فلسطين، وأنهم اتفقوا مع الصهاينة على تصفية القضية الفلسطينية، عن طريق إنهاء خط المقاومة، وإرجاع عباس إلى غزة، لأنه وحده المفتاح الذي سيتم به القضاء على كلِّ حقوق أمّتنا في فلسطين، وقد أعدّه الصهاينـة لذلك إعداداً طويلا.
وعندما فشل في غزة فشلاً ذريعـاً، واستطاعت حماس أن تسيطر على كلِّ شيء، قاده إحباط الفشل، وجنون الحسد، إلى أن ينتهك كلَّ المحرمات ـ وليس عنده محرمات ـ ليحطم حماس، فنسأل الله أن يريه الخسران المبين، ويرده على عقبه من الخاسرين، هو وأسياده الصهاينة، قبل أن يحقق ما في نفسه.
وقد تبيَّن أن هذه الحكومات التابعة لمحور الإعتدال، على إستعداد أن تضحّي بكل النفوس المسلمة في غـزَّة، وإهراق دماء جميع الأبرياء فيهــا، من أجل تحقيق هدف الصهاينة في القضاء على سلاح المقاومة، لإجبار الشعب الفلسطيني على الإستسلام التام للشروط الصهيونية!!
فيا للعجـب.. كيف تحمـلَّت نفوسهم، عظيم جرمهم، وغلظ قلوبهم، وفساد فطرهم، وانطماس بصائرهم؟!!، عليهم لعنة الله من طواغيت مردوا على النـفاق.
ثانيا: كشفت أنهم لايقيمون وزنا لشعوبهم، فهم لم يبالوا أن تكتشف الشعوب الخيانة برمّتها، وأنَّ هذه الزعامـات أخَّرت اجتماع وزراء الخارجية إلى خامس يوم من العدوان، لإمهال الصهاينة فترة كافية لسحق المقاومة في فلسطين، ثم عرقلوا إنعقاد القمة العربية، ثم رفعوا القضية إلى مجلس الأمن وهم يعلمون أنـّه لم يأت بخير قطّ لأمّتنــا، وأنّى له أن يفعل؟!
أنهم فعلوا كلَّ ذلك، تآمراً على الأمة الإسلامية، واستهانةً بشعوبهـم.
وكأني بهؤلاء الخونة يقولون للصهاينة: لا عليكم شعوبنا ستتظاهر فقط، وأما نحن فسنشجب فحسـب كالعادة، وما هي إلاّ فترة يسيرة من القصف والتدمير ثم نبني بأموالنـا ما دمَّرتم، وينسى الناس الدماء والجـراح، ثم نرتاح من سماع القضية الفلسطينية بعد زوال حماس، تلك القضية التي لم نجـن من وراءه شيئا!!
فنسأل الله أن يخيب آمالهم هذه المرة، فيجعل هذه الحرب تنقلب عليهم بالوبال العظيم، وتصيـر لأهلنا في فلسطين بردا وسـلاما.
ثالثا: سبب كلّ هذا العدوان المجنون على غزة، أنَّ الصهاينة علموا أن أيّ تأخير عن هذا الوقت، لن يكون في صالحهم، فبوش يودّع البيت الأبيض، وما سيأتي بعده غير مضمون كما ضمنوا بوش، وعبّاس ستنتهي ولايته قريبا، ولهذا فهو كان أشد الناس إلحاحـاً على الصهاينة أنْ يهاجموا غزة وشيـكاً، ثم الأزمة الإقتصادية آخذة بخناق الكيان الصهيوني، وكلَّما تأخروا في هذا العدوان، كانوا في وضع أضعـف فأضعف، إضافة إلى أن الصراع الحزبي الصهيوني قاد المتنافسين فيه إلى التضحية بدماء الفلسطينيين كالعادة.
رابعا: لم يتوقع الصهاينة هذا الثبات العظيم من قادة حماس، وقد أذهلتهم قدرتها الصاروخية التي لم تتأثـّر بالقصف الصهيوني المكثف، ولهذا أخذ أولمرت يتحدث أنه لايريد حربا طويلة، ذلك أن توقع أن يصل الجيش الصهيوني إلى مرحلة يعجز فيها عن تحقيق أي مكاسب جديدة، وسينقلب الوضع رأسا على عقب لصالح حماس، وهذا ما نسأل الله تعالى أن يحـدث.
خامسا: شرّفت حماس أمة الإسلام، وأثبتت أن الأمّة قادرة على أن تضرب أروع الأمثلة من الصمود العظيـم، في أحلك الظروف، مع شدِّة الحصار، فهذه الحرب يخوضها الصهاينة بكلّ قذارة، وكلّ جـبن على بقعة صغيرة مكتظّة من السكان، تواجه فيه حماس، أحد أقوى الجيوش عِـدّةً، وعتاداً، مدعوم من كلِّ العالم الغربي، وبتواطؤ من خونة العرب!!
ومع ذلك ثبتت حماس ثباتا عظيماً، فأظهـرت للعالم كلّه، وجه الأمة الإسلامية المشرق، وقيمها الحضاريـة العليا، فأصبحت مثالا يحتذى، وذكرى متلألأة بالمجـد محفورة في ذاكرة أمتنا، لن تنسـاها.
سادسا: تأمّلوا معي كيف أورث الثبات في المواجهة، والصبر على المبادئ، أنْ هتفت الأمة كلُّها لحماس، واصطفّت وراءها ـ إلاّ الخونة وبعض الحمقى والمخابيل ـ وتحولت إلى قمّة المجــد، وتربّعت على تاج التاريخ، بينما دخل عباس وزمرته وخونة العرب الذين تآمروا معه على الجهاد الفلسطيني، لا أقول مزبلة التاريخ، ولا مرحاض التاريخ، بل حثالة الصرف الصحي المتجمّع من مرحاض التاريخ!!
سابعا: وتأمّلوا أيضا.. كيـف أنّ هذا والله هو النصر الحقيقي، وحتّى لو استشهد كلُّ أولئك القادة الأبطال، لكان كلُّ شهيد منهم، مناراً من المنارات لهذه الأمة، ومعلـم من معالـم نصـرها، وقارنوا بين هذا النصر العظيم، وبين خزي عباس وزمرته، لاسيما بعدما يدخلون ـ لاقدر الله ولن يكون بإذن الله ـ غزة على الدبابات الصهيونية، وكيف ستلحقهم لعنة هذه الخيانة التي ولغت في دماء أهل فلسطين حتى ثمـلت، ستلحقهـم في الدنيا، والآخرة.
ثامنا: هذه الحرب، حرب الفرقان، تدل على مدى غباء الصهاينة، فهم يظنون أن القضاء على حماس سينهي المقاومة، ولم يعتبروا أنّه طيلة عقود مضت على أرض فلسطين الطاهرة، استشهـد الآلاف من القادة، والجنود، فما زاد ذلك الجهاد الفلسطيني إلاّ قوّة، وما أضاف إليه إلاّ عزيمة على عزيمته.
وما دروْا أنَّ هذه الأمة إنما تنعشها دماءُ الشهداء، وترفعها تضحيات المجاهدين، وأن الله تعالى تكفل لها أن يبلغ بها ذُرا المجـد، على قدر ما تسال دماؤُهم تحت لواءه .
تاسعا: كشفت هذه الحرب أنَّ علماء السلطة، بلاءٌ عظيم على أمتنا، وأنهم من أعظـم أسباب شقاءها، وذلهّـا، وأنهم شركاء بصمتهم المخزي مع الصهاينة في جرائمهم.. والعجب ـ والله ـ منهـم.. لئـن لم يكن لهم دينٌ يدفعهم لنصرة إخوانهم، أفلم يكن معهم ضميـر كضميـر غير المسلمين الذين وقفوا مع أهل غزة؟!.. فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به!!
عاشرا: كما كشفت هذه الحرب جعجعة حزب حسن نصر، وأنَّ معادلته التي يعمل من أجلها، لا تنظر إلى القضية الفلسطينية إلاّ على أنها رقم دعائي ثانوي فيها، يستفيد منه دعائيا، بشرط أن لا يضحّي من أجله بشيء!!
ولهذا كانت صواريخه، أغلى عنده من نفوس المسلمين في غـزة، فبخل أن يطلق صاروخاً واحداً، أو حتى يهدد بذلك، ليربك حسابات الصهاينة، في وقت يحتـاج المسلمون في غـزة إلى أي تحرُّك يحقن دماءهم التي تهُـراق ليلا ونهارا!!
وأخيرا.. فليعلم الصهاينة أن هذه الجريمة العظيمة التي تُقترف في غزة، ستبقي في نفوس كلِّ المسلمين، ثـأرا لن يغسـله إلاّ زوال الكيان الصهيوني، ومحوه من الوجود، وأن دمَ كلّ فلسطيني استشهد مرابطا على أرض غزة، سيلاحق هذا الكيان المغتصـب إلى أن يزلزل أركانه.
،
وإني والله أرى هذه الحـرب، إنمـا تعـلن نهاية الكيان الصهيونـي ،ولكن أكثـر الناس لا يعلمـون.
وليعـلم كلُّ الذين تآمروا على هذه الدماء الطاهرة في غـزة، أن الله تعالى سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأن الله تعالى سيخيب آمالهم، ويردّهم على أعقابهم، ويريهم يوما أسودا، وإنَّ هذه العاقبة لبادية من اليوم على وجوههم العفنة، وجباههم المتعفّنة.
فاللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولاتغادر منهم أحـدا، آمين.
المصدر: موقع الشيخ حامد العلي
حامد بن عبد الله العلي
أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية
- التصنيف: