حوار شبكة القلم مع الشيخ خباب الحمد حول غزَّة
منذ 2009-01-10
يا أخي الكريم لقد كنتُ معتقلاً عند اليهود في زنازين الإجرام الصهيوني لمدة تقارب الخمسين يوماً، وفي يومٍ ما استدعاني المحقق وناقشتُه عن الأعمال الإرهابية التي تقوم بها ما يسمَّى (بإسرائيل) ضد المسلمين في فلسطين، وأثناء حديثي معه قال لي:
"...يا أخي الكريم لقد كنتُ معتقلاً عند اليهود في زنازين الإجرام الصهيوني لمدة تقارب الخمسين يوماً، وفي يومٍ ما استدعاني المحقق وناقشتُه عن الأعمال الإرهابية التي تقوم بها ما يسمَّى (بإسرائيل) ضد المسلمين في فلسطين، وأثناء حديثي معه قال لي..."
يطيب لشبكة القلم الفكرية أن تجري هذا الحوار مع فضيلة الشيخ خباب بن مروان الحمد حول الحرب الصهيونية ضد أهلنا في غزة .
شبكة القلم: في البداية نود أن تعرفونا أكثر بكم حفظكم الله؟
الشيخ خباب: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع سنَّته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
فأشكر لشبكة القلم الفكرية كريمَ مبادرتِها واتصالها من بلاد الحرمين الطاهرة لإجراء الحوار معي في أرض فلسطين الصابرة المرابطة، وأسأله تعالى أن ينفع بكم وبجهودكم في شبكة القلم الفكريَّة. أخوكم في الله خباب بن مروان بن أحمد سمارة الحمد، نجدي النشأة والولادة، وفلسطيني الجنسية، وأقيم حالياً في فلسطين بمدينة نابلس الصامدة.
درستُ الابتدائية في مدارس الإمام نافع لتحفيظ القرآن، ثم أكملتُ المتوسطة والثانوية في المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وواصلتُ التعليم الجامعي وانتهيتُ منه في جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية (قسم الدراسات الإسلاميَّة).
متزوج ولدي ولدان الأول عبد الله والثاني مروان أصلحهما الله.
تلقيتُ العلمَ على عدد من العلماء والمشايخ ومنهم والدي حفظه الله (الشيخ مروان أحمد الحمد) وهو حالياً رئيس قسم الجاليات في المركز التعاوني لدعوة الجاليات في الرياض، حيث أتممت على يديه حفظ القرآن الكريم، ثمَّ قرأتُ كثيراً من كتاب الله على شيخنا إيهاب فكري المصري وهو حالياً المدرس في الحرم النبوي الشريف.
ومن العلماء الذين تلقيتُ عنهم العلمَ شيخُنا الزاهدُ العالمُ حمود بن عقلاء الشعيبي ـ رحمه الله ـ قرأنا عليه في التدمرية لابن تيمية، وتجريد التوحيد المفيد للإمام المقريزي، والشيخ العلاَّمة عبد الله الجبرين لمدة سبع سنوات في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وحاشية الزركشي على مختصر الخرقي، ونونية ابن القيم الجوزية وإعلام الموقعين، وجزءاً من صحيح البخاري، والشيخ الفقيه ناصر الطريري حيث قرأتُ عليه زادَ المستقنع كاملاً، وكذلك النحوَ الشافي، وكتابَ الخلاصة في علم الفرائض، والدكتورُ عبدُ الله المطلق في كتاب العدة في شرح العمدة، والشيخُ الدكتورُ محمد صدقي البورنو في كتاب شرح الكوكب المنير على مختصر التحرير لابن النجار، والشيخُ عبدُ الله السعد في شرحه لسنن النسائي وكشف الشبهات والقواعد الأربع، والشيخُ عبدُالعزيز بنُ قاسم القاضي في المحكمة الكبرى في الرياض في حاشية الزركشي على مختصر الخرقي، والدكتورُ عدنان علي رضا النحوي في الفكر والأدب والسياسة، والشيخُ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي في اختصار علوم الحديث لابن كثير، وجزء من كتاب الرسالة للشافعي، ومختصر صحيح مسلم للإمام المنذري، وغيرُهم من أهل العلم والفكر والفضل حفظهم الله ورحم من تُوفِّي منهم (وكل هؤلاء العلماء قرأتُ عليهم كتباً كاملةً، أو حضرتُ لديهم ما يقارب السنتين اهتماماً بدروسهم وحرصاً على التعلم منهم).
وبخصوص العمل فقد شغلتُ في العديد من المواقع الالكترونية والمجلات الإسلاميَّة، ولا زلتُ متواصلاً مع بعضهنَّ، بإرسال بعض المقالات، وكتابة بعض الأبحاث، والقيام بلوازم التحرير الصحفي، وما شابه ذلك.
وقد انتقلت للسكنى بفلسطين بتاريخ 1/3/1429هـ بدافع الحنين لها والشوق إليها ولاستكمال الدراسات العليا، ومواصلة نشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله عزَّ وجل، وأسأل الله أن ينفع بالجهود، وأن يرزقنا الإخلاص والقبول.
شبكة القلم: كيف هو وضع أهلنا في غزة الآن؟
الشيخ خباب: قبل كل شيء أحب أن أُذكِّرَ القرَّاءَ بهذه الآياتِ العظيمة، حيث يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: 168-171].
يعيش أهلُ غزَّة بمأساة كارثيَّة إنسانيَّة على كافة الصعد، فالحمم التي تُلقى فوق رؤوس قاطنيها لا تتحملها الجبالُ الرواسي فضلاً عن أطفال ونساء وشيوخ يموتون ويُقتلون ويُصرعون من تأثيراتها، ولك أن تتخيل أنَّ أوزان القنابل الساقطة على أهل غزة تتراوح من 300 كغم إلى 1000كغم، مع الصوت المرعب والمفزع من جرَّائِها على أهل القطاع.
ساعة حديثي معك بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين الذين نحسبهم شهداء ولا نزكي على الله أحدا قرابة 650 شهيد ـ بإذن الله ـ وعدد الجرحى 2700 جريح، بينهم300 جريح في حالات خطيرة، وغالب هؤلاء القتلى من الشيوخ والأطفال والنساء والفتيان الصغار.
وبشهادة العدو الصهيوني في وكالات الأنباء الخاصة به حيث يقول إنَّه قصف أكثر من 1000 موقع فلسطيني، وبالطبع من هذه المواقع قرابة 13 مسجد هُدِمَتْ وقُصِفَتْ بالكامل، وعشراتُ المراكزِ الحكومية، ومئاتُ المنازل المأهولةِ بالسكان، إضافةً إلى ذلك قَصْفُ مبنى الجامعةِ الإسلامية في غزة، ومركزين من مراكز الإنقاذ الطبي والمشافي التي يتداوى بها أهلُ القطاع، وحين نرى أنَّ العدو الصهيوني يقوم بقصف مدرستين آهلتين بالسكان وكل من مات فيها من الأطفال والنساء، مع أنَّ المدرستين تابعتان للأمم المتحدة ومع ذلك لا نسمع حتَّى إدانةً من الأمم المتحدة لِمَا يجري في غزَّة من إجرام صهيوني حاقد!! .
وقد استمعتُ لمدير نقابة المهندسين العاملين في غزة حيث ذكر أنَّ أكثر من 35 منزل أُصِيْبَتْ بقصفٍ كامل، أو تهشَّمِ جزءٌ منها، أو تضرر بعضُها جرَّاء القصف الهمجي الوحشي الصهيوني.
كذلك لا ننسى أنَّ هنالك إصابات بين الجرحى الفلسطينيين خلال القصف الصهيوني على قطاع غزَّة، فالاحتلال يستخدم أسلحةً كيماوية قذرة تودي بحياة الفلسطينيين أو تشوه أجسادَهم، بل ذكر أطباء نرويجيون لفضائية (العالم): "إنهم اكتشفوا آثار يورانيوم منقب على الأراضي التي طالها القصف الصهيوني بغزة، مما يعني أن الاحتلال استخدم مواداً نووية في العدوان الإجرامي على القطاع"، أضف على ذلك أنَّ هنالك عدداً من الخبراء العسكريين: إن إسرائيل استخدمتْ في قصفها لقطاع غزة أسلحةً محرمة دوليًا، إضافةً إلى تجريب ثلاثة أنواع جديدة من الصواريخ والقنابل في ساحة القطاع.
اليهود الصهاينة يكذبون كذبةً صلعاء حين يقولون: "هدفنا كسر البنية التحتيَّة للحكومة الفلسطينية بزعامة رئيس الوزراء إسماعيل هنيَّة"، وهذا هراء وكذب، لأنَّ الواقع يقول بأنَّ أكثر من 85% من القتلى والجرحى هم من المدنيين من الشيوخ والأطفال والنساء، بل إنَّ مصادر طبيَّة أعلنتْ عبر قناة الجزيرة أنَّ أكثر من 30% من القتلى والجرحى من هؤلاء أطفال صغار، فأين الحربُ التي يقولون إنَّ هدفها كسر المقاومةِ الفلسطينيَّة، أو إنَها لكسر منصَّات الصواريخ التي تطلق على مواقع إقامتهم، أو لهدف إسقاط حكومة حماس في غزة .
لقد قالت أفيتال ليبوفيتش، المتحدثة باسم الجيش الصهيوني: "إن الهدف من الهجوم البري هو "تدمير البنية الأساسية الإرهابية لحماس في منطقة العمليات"، مضيفة: "سنسيطر على بعض من مناطق الإطلاق التي تستخدمها حماس".
وتابَعَتْ: "الهدف من هذه العملية هو تدمير البنية الأساسية لحماس.. والسيطرة على بعض المناطق التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية في إطلاق الصورايخ" على إسرائيل".
ومن خلال كلامهم نرى تخبطاً واضحاً لدى الإدارة الصهيونيَّة في هدفها من هذه الحرب الهوجاء، وربما يكون لها أهداف خفيَة لا يرغبون بالإفصاح عنها، ولعلَّ من أهمها إثارةَ الناسِ، وقلبَهم على احتضان روح المقاومة وبَسَالَتِها، فبعد أن عاقبوهم بقطع الرواتب، وغلقِ المعابر، وإحكام الحصار بمنع الكهرباء والوقود والغاز، وما زادهم ذلك إلا ثباتاً في الالتفاف على خيار الجهاد، رغم ما أصابهم من آلام وعذابات، رأوا أنَّ هنالك عِقاباً جماعيّاً آخراً لابدَّ أن يناله سكَّانُ القطاع، وذلك بقصف منازلهم وتخريب المنشآت العامة، لمحاولة قلب الناس على الحكومة المنتَخَبة وعلى رجالاتها، والإبلاغِ عنهم بشتَّى الأساليب والسبل.
لكني أبشرك ومن خلال ما نشاهده في وسائل الإعلام، وتواصلنا مع الصحفيين والإعلاميين في غزَّة بأنَّ أهل غزة بخير، والمقاومة بخير والشعب الغزاوي يَدْعَمُ المقاومةَ، ويسير خلف المقاومة، بل قالت الصحفُ الصهيونيةُ ذلك، ومنها جريدةُ (يدعوت أحرنوت): "أنَّ من كان معارضاً لحماس بما قامت به في غزَّة بالأمس أصبح حليفاً ومتعاطفاً معها اليوم؛ لأنَّه يرى أنَّ قادتَها قُتِلوا، وكتائبَها العسكرية في خط المواجهة مع العدو الصهيوني".
المجاهدون في قطاع غزَّة والذي يبلغ شريطه الحدودي طولاً 10 كيلو وعرضه 8 كيلو، والذي لا تبلغ مساحته أكثر من 378كم2، هؤلاء المجاهدون في هذا القطاع تدور بينهم وبين عدوهم معركة ضروس حقيقتها معركة الفرقان بين الإسلام والكفر، بين العقيدة الإسلاميَّة القتاليَّة وبين إخوان القردة والخنازير من بني صهيون اليهود، وأهل غزَّة في هذه الحرب يدافعون عن كرامة الأمة وشرفها وعزّتها ومجدها، وحق على كل مسلم يخشى الله واليوم الآخر أن يتقي الله تعالى إن لم يقف مع أهل غزَّة بأيَّة إمكانيَّة صادقة يستطيعها لنصرة أهل غزة المقاومين المدافعين عن حياض الأمة وكرامتها.
وممَّا زاد الأمرَ خطورةً على أهل غزَة وهو كذلك ينعكس بالتأكيد خطورة على اليهود المحتلين، وسكَّان المغتصبات الصهيونيَّة عمليةُ التوغلِ البري التي جاءت تطويراً لعملية الرصاص المتدفق التي دخلت مع يوم السبت الأسبوع الثاني.
إنَّ أهل غزَّة رغم ما يجري من جراحات وآلام ومعاناة صعبة لا يُستطاع وصفُها من القريب قبل البعيد، يشتكون إلى الله من ظلم وإجرام حكّام العرب الطغاة، فقد سئموا الإدانة والشجب والاستنكار؛ لأنَّ هذا دليل على الشنار والعار الذي وقَعَتْ فيه هذه الأنظمةُ الخائنةُ الطاغوتيَّةُ، وإنَّ أهل غزَّة باتوا يرون أنَّ الشعوب المسلمة كذلك تنتفضُ انتفاضةً وقتيَّةً سرعان ما تذوب، ولهذا فإنَّهم يستحلفون إخوانَهم بالله العلي العظيم أن تبقى هذه الهبَّةُ الشعبيَّةُ الجماهيريَّةُ العارمةُ مع المجاهدين والمقاومة في غزة؛ لأنَّ معيارَ نصرةِ الشعوب المسلمة لأهل غزة إن كانوا صادقين بأن يبقوا مع أهل غزة قلباً وقالباً صفاً واحداً حتى ينكشفَ المحتلُ ويعذبه اللهُ بأيدي المجاهدين، أمَّا أن تنتفضَ الأمةُ لوقتٍ ثمَّ تذوب كحامض الكبريت حين ينصهر في الملح مع شدَّة توهجه فإنَّ هذا لا ينفع ولا يفيد.
صدقوني إن أردتم الحقيقةَ أنَّ الشعب الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزَّة بات ينظر للوضع العربي حتَّى الشعبي نظرَ اليائسِ بأنَّهم سينصرونهم، وليس هذا على جميع الشعوب ولكن في أكثرها، فالشعوب العربيَّة للأسف مخدَّرةٌ ونائمةٌ ولا تستيقظ إلاَّ وقت الصدمةِ، والمصدومُ حين يستيقظ يتخبطُ يمنةً ويسرةً ولا يدري ماذا يفعل، فقصارى جهدِه الصياحُ والعويلُ، وهذا ما اعتدنا أن نراه ونسمعه في وسائل الإعلام، لكن من أراد الحقيقةَ الواضحةَ فإنَّ مَنْ يريد أن ينتصر لغزَّة بكافة أنواع النصرة المادية والمعنوية والجسديَّة فعليه أن يصدق اللهَ، واللهُ تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة: 119]، ومن صدق اللهَ في طلب شيء أعطاه اللهُ إياه وصدَّقه بما يتطلب ويريد، فالمهم صدق النيَّة، وصلاح الطويَّة، والعزيمة والإرادة للفعل، ولقد قرَّر علماؤُنا أنَّ الأرضَ إن لم يستطعْ أهلُها دفعَ كيدِ عدوهم فيها فإنَّ هذا الفرضَ يتسع حتى يعمَّ الأرضَ كلَّها، ولقد قال الإمام الجصاص: "ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومةٌ فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم من المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم" (الجصاص 3/114).
إذاً لا تعجب حين أخبرك بأنَّ أهل فلسطين يشعرون أنَّ الدول والشعوب باتت نائمة عن قضيتهم وصاروا يقولون: إنَّ الفلسطينيين بحاجة للدعاء والمال وتنتهي القضية، وكأنَّ الفلسطينيين مجرد فقراء تدرُّ عليهم جمعيَّةٌ خيريَّةٌ وتنتهي القضيَّة، مع أنَّ الحسَّ المرهفَ والأصيلَ ينبغي أن يكون لدى المواطن في الشارع العربي والإسلامي بأن يقول: إنَّ قضية فلسطين هي قضية للمسلمين وليست قضية للعرب أو للفلسطينيين، ولكنَّ حكام العرب قزَّموا هذه القضية وقالوا: إنَّ قضية فلسطين للفلسطينيين وقد صدَّق ذلك الكثيرُ من الشعوب المسلمة لأنَّ إبليس قرقر في آذان الحكًّام بذلك فصدَّقه الحكام كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة التوبة: 20]، فالشعوب صدَّقت حكَّامَها شعروا أو لم يشعروا، وباتوا ينظرون إلى الفلسطيني حين يرونه في الشارع العربي قائلين له: أعانك الله على ما ابتلاكم به من احتلال اليهود لفلسطين، ويغيب عن بال الجزائري أو المصري أو السعودي أنَّ قضية فلسطين له قبل أن تكون للفلسطيني؛ لأنَّ فلسطين أرضُ وقفٍ إسلامي هي لجميع المسلمين قبل أن تكون للفلسطينيين، والفلسطينيون جزء من المسلمين وليسوا هم غالبيَّة المسلمين، لهذا يشعر الفلسطينيون أنَّه قلَّ ناصرُهم ومعينُهم من إخوانهم، بل الذين يسعون في خذلانهم كثرةٌ كاثرة وللأسف، وصدق من قال:
من كان ذا عضدٍ يدرك ظلامته *** إنَّ الذليل الذي ليست له عضدُ
تنبو يداه إذا ما قلَّ ناصرُه *** ويأنف الضَّيْمَ إن أثري له عددُ
ولهذا فإنَّ فلسطين إن أردنا أن تكون أرضاً للمسلمين، وتتطهَّر من رجس اليهود الغاصبين، فلن يكون فتحُها على يد الفلسطينيين فحسب، بل ستكون الطلائعُ المجاهدةُ في شتَّى أنحاء العالم الذين يلتفون حول هذه الأرض المباركة ستكون هي طليعة التغيير، وأوان الشد مع إخوانهم الفلسطينيين المجاهدين في طرد الغزاة المحتلين، فالمعركةُ بيننا وبين اليهود لا تزال في بدايتها، ورجاؤُنا أن يلتحمَ الفريقان ويلتقيا بعد عبور النهر محققين خبرَ الصادق المصدوق: "لتقاتلن المشركين حتى يقاتلَ بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقي النهر وهم غربيُّه" [ضعفه الألباني].
ومع هذا أقول إنَّنا على يقين بأنَّ الله تعالى يدافع عن المؤمنين فهو القائل: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الحج: 38]، وهو القائل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [سورة الزمر: 36]، وهو القائل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: 17]، وهو القائل: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [سورة محمد: 4-6]، ولقد قال القائل:
هو الحق مهما طغى باطلٌ *** له النصرُ يوم النزالِ الأخير
ولله سهمٌ سيمضي غداً *** ولو كره المستبدُّ الكفور
شبكة القلم: ما هو تقييمك لمسار الحرب الآن، وما هي قدرة كل طرف فيها على الاستمرار؟
الشيخ خباب: هذه الحرب ستكون محرقةً دمويَّةً، لكن سيكون هذا لكلا الطرفين، ودعنا نتأمل مقارنةً قريبة فنحن نجد أنَّ البلداتِ الصهيونيَّةَ القريبة من القطاع الغزاوي أُصِيْبَتْ بقذائف الصواريخ التي يطلقها المجاهدون على الصهاينة، وكذا الحال من اليهود المعتدين على أهالي القطاع، فهنالك حالة تشابه على ضعف إمكانيات المجاهدين، (وما نُصِرتْ حركاتُ الجهادِ الإسلامي منذ أن أشرقتْ شمسُ الرسالةِ الإسلاميةِ من كثرة، بل كانت تنتصر على العدو بدينها وإيمانها وعقيدتها قبل سلاحها وعتادها الذي كانت مقارنة بسلاح عدوها أقل عدداً وأضف عتادا).
نجد أنَّ جامعة بن غوريون الصهيونية قد أغلقت أبوابها حتَّى إشعار آخر، وكذلك الجامعات في غزَّة.
نجد أنَّ هنالك الكثير من قادة البطش الصهيوني قد أُصيبوا كرئيس بلدية سديروت وزوجته، وشقيقة وزير الداخلية الصهيوني، وكذلك نجد أنَّ هنالك من قادة الجهاد والعزَّة في غزَّة قد استشهدوا لكن لا سواء قتلانا في الجنة ـ بإذن الله ـ وقتلاهم في النار وبئس القرار.
وفي المقابل نجد أنَّ جميع من نستمع لهم في وكالات الأنباء العالمية والفضائيات من الفلسطينيين يقولون: نحن صامدون هنا ولن نغادرَ القطاعَ بل لن نغادرَ بيوتَنا؛ لأنَّنا إذا غادرنا البيوتَ فمعنى ذلك أنَّنا غادرنا وطنَنَا، لكنَّ سكَّان المغتصبات الصهيونية يطالبون الحكومة الصهيونية بنقلهم وترحيلهم خوفاً من صواريخ القسام وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين التي تنهمر عليهم من فوق رؤوسهم، وقد أُجري استطلاعٌ مؤخراً في أوساط سكان مغتصبة سديروت الصهيونية تبين منه أن 66 في المائة منهم يرغبون في مغادرة المدينة فوراً بسبب صواريخ المقاومة، ففرق بين سكان غزة وسكان سديروت.
كذلك نجد أنَّ مواقعَ وموجاتِ وإذاعاتِ العدوِّ الصهيوني قد اختُرِقَتْ من قبل المقاومة الإعلاميَّة الفلسطينية، ونجد أنَّ العدو قد ألحق الضررَ بقناة الأقصى وجريدةِ الرسالة، ومع هذا لا تزال هذه الإذاعاتُ تبث من ركام المجزرة فهنالك تحدٍ وصمود واستبسال.
لقد علَّمنا اللهُ بقوله: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [سورة آل عمران: 140]، وقال تعالى: {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [سورة النساء: 104]، وفَرْقٌ بين جندي صهيوني علماني لا ديني يقاتل وهو يرتج عليه في مكانه لأنَّه يفكر بصديقته وعشيقته في تل أبيب التي ينام معها في لياليهم الحمراء، مع أنَّه يقاتل وراء ترسانة عسكرية ضخمة تحميه ووراء آليات ضد الرصاص، وصدق الله فيهم قوله حين قال: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} [سورة الحشر: 14].
فَفَرْقٌ كبير بين أولئك اليهود الغزاة وبين ذلك المجاهد العقائدي الذي يقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [سورة التوبة: 52]، فهكذا لسان حال المجاهد العقائدي في فلسطين؛ لأنَّهم يقاتلون عن مبدأ العقيدة والإيمان ولأنَّ الأرضَ أرضُنا والوطنَ وطنُنا وهؤلاء محتلون لنا، وفَرْقٌ بين مَن يُقاتِلُ بمبدأ ومَن يُقاتِل وهو مدجج بأعتى أنواع الأسلحة ويبول على ملابسه حين يسمع صيحة الله أكبر!!
شبكة القلم: ما هو تقييمك لمواقف الحكومات العربية من العدوان الصهيوني على غزة؟
الشيخ خباب: لو أَجريتَ استفتاء لجميع شعوب العالم العربي والإسلامي لأعطوك إجابةً تتراوح من 90% إلى أكثر من ذلك بأن موقف الدول العربية والإسلامية يمثل موقف الخزي والذل والنفاق والعار الذي ما بعده عار، وإلا فبأي منطق يسمح للوزيرة الصهيونية بأن تتحدث من دولة حدودية لفلسطين وهي مصر بأنَّها ستكسر الحكومة في غزة وستشنَّ حملة لا هوادة فيها على أهل غزة إن لم يقوموا بما تريده إسرائيل منهم من الكفر والذل.
لقد صرَّح المسؤول الصهيوني بعد الساعات الأولى للعدوان بأننا أطْلعنا دولاً عربية وغربية على القرار قبل البدء (في العدوان) وذلك تذكير من تل أبيب لشركائها بواجباتهم في تغطية المحرقة.
يا أخي الكريم لقد كنتُ معتقلاً عند اليهود في زنازين الإجرام الصهيوني لمدة تقارب الخمسين يوماً، وفي يومٍ ما استدعاني المحقق وناقشتُه عن الأعمال الإرهابية التي تقوم بها ما يسمَّى (بإسرائيل) ضد المسلمين في فلسطين، وأثناء حديثي معه قال لي: "هل تصدق أنَّ أنظمتكم العربية أشد عليكم منا؟"، قلتُ له: "نعم أصدق ذلك"، ثمَّ قال: "لقد زرعنا في كل دولة أنظمةً حليفةً لنا، وكلُّ دولكم العربية في جيوبنا، فالوقتُ الذي نريد أن ندخلَهم في جيوبنا لعدم احتياجنا لهم أدخلناهم، والوقت الذي نريد أن نخرجَهم منها أخرجناهم"، وكلامُه حق حقيق وحقيقة واقعيَّة والحق ما شهدت به الأعداء!
فهل تريد من العبد الذي استمرأ الذلةَ والعبوديةَ أن يكون حراً!!
لقد حاول هرتزل مع السلطان العثماني عبد الحميد، لكي يستحذيه للتنازل عن أرض فلسطين فأجاب جواباً جميلاً سطَّره له التاريخ مع العلم أنَّ السلطان عبد الحميد عليه ملاحظات شرعيَّة وسياسيَّة كثيرة، ولكن التاريخ حفظ للسلطان عبد الحميد هذا الموقف، والرجل موقف كما يقال...
فلقد قال السلطان عبد الحميد: "انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطواتٍ جديةً في هذا الموضوع، إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض؛ فهي ليست ملكَ يميني، بل ملكُ الأمةِ الإسلامية التي جاهدتْ في سبيلها وروتها بدمائها، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مُزقتْ دولةُ الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حيٌّ فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليَّ من أن أرى أرض فلسطين قد بُتِرتْ من الدولة الإسلامية، وهذا أمرٌ لا يكون. إني لا أستطيع الموافقةَ على تشريح أجسادِنا ونحن على قيد الحياة".
أمَّا حكَّامُنا اليوم يوافقون على تشريح أجسادِنا ونحن على قيد الحياة، وأنا في الحقيقة من أشد الناس استغراباً ومعارضة لما كانت تقوم به حماس من استنادها على النظام المصري الخائن، وعقد اللقاءات والحوارات لكي يفتحوا معبر رفح وغيره من المعابر المطلة على مصر، والنظام المصري متوقف عن السماح بذلك إلا بإشارة من الأم العجوز أمريكا، مع العلم أنَّ حسني مبارك لم يهتم أصلاً بشعبه بل هو يتركه يموت جوعاً وعطشا حتَّى إنَّ الشعب خرج يوماً من الأيام بمظاهرات حاشدة تقول: لا نريد رواتب من الحكومة المصرية بل نريد منها أن تعطينا ما يجعل المرء يعيش بحياة كريمة بدلا من هذه الرواتب التي لا تكفي الفقير، وكذلك لا ننسى عن سكون وسكوت النظام المصري على مجزرة وفاة 1000 شخص في العبَّارة المصريَّة التي كانت بسبب أخطاء سكت عنها النظام المصري ولم يقم بتعويض أهالي المفقودين أو السؤال عنهم، فإذا كان هذا النظام المصري مع شعبه بهذا الشكل و(الأقربون أولى بالمعروف) فما البال بغزَّة شعباً وحكومة!!
وعلى هذا فَقِس كل أنظمتنا العربيَّة فستجد المعادلة صحيحة، فلو كانت أي حكومة بدلا من النظام المصري على طول الخط مع معبر رفح المصري والفلسطيني فلن تفعل إلا ما تفعله الحكومة المصرية!!
شبكة القلم: ما علاقة هذه الحرب بفرض الحل النهائي وفق ما يريده الصهاينة؟
الشيخ خباب: هذه الحرب تريد كسر روح المقاومة الإسلامية في فلسطين، ولهذا فقد أحسن الإخوة في المقاومة الفلسطينية والمجاهدون في الثغور حين أسموا هذه المعركة بمعركة الفرقان، ولعلَّه لا يخفاك ولا يخفى الإخوةَ القرَّاء أنَّ من أكبر أهداف الصهاينة من هذه الحرب هو ردع المجاهدين عن محاولة الدفاع عن أنفسهم، ولئلا يفكروا يوماً من الأيام بمواصلة الجهاد ضدَّ العدو المحتل، والخبراء العسكريون يدركون هذا المعنى جيداً، ولهذا نجد أنَّ الجنرال الفرنسي أندريه بوفر يتحدث عن الردع وأنَّ هدفه: "عدم تمكين أيَّة قوة معادية من اتخاذ قرار باستخدام القوة العسكرية، من خلال بث شعور بوجود قِوى ضدها".
وأنا أقول مبشراً الإخوةَ لن ينال العدو الصهيوني بغيتهم، فغزَّة منطقة عصيَّة على الاحتلال منذ القِدَم، ولقد تمنَّى إسحاق رابين أن يقوم من نومه يوماً لكي يرى غزَّة قد غرقت في البحر، وهيهات فستبقى غزَّة بحول الله عصيَّة على الاحتلال، وشوكة في حلقة ، وطعنة في خاصرته، ولن يتحقق مرادهم، فمرادهم أن تُلْقَى البندقيَّة وأن يُكْسَرَ السلاح، وأن يُدعى للسلم الذى نهى الله عنه حين قال: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} [سورة محمد: 35]، ورحم اللهُ أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين قال للمرتدين: "إمَّا حرباً مجلية أو سلما مخزية"، فقالوا له: "الحرب المجلية عرفناها، فما السلم المخزية؟"، فقال: "أن تلقوا السلاح، وأن تأخذوا بأذناب البقر"، وهذا ما يريده أعداء المسلمين في فلسطين من اليهود والمنافقين بأن يستسلم المسلمون في فلسطين وينقلبوا على خيار المقاومة والجهاد والصمود، وهذا لن يكون بإذن الله، ولنفترض أنَّهم كسروا شوكة حكومة حماس المنتخبة من الشعب الفلسطيني باختياره، فإنَّ المقاومة لن تنكسر بإذن الله وستبقى حتَّى ولو جاء من جاء ليحكم غزَّة، وفي النهاية فالله تعالى يقول: {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة الأعراف: 128].
وإذا أردنا أن ندرك حقيقة هذه الحرب الضارية بين جند الإسلام وجند الكفر وأحلافهم، فإنَّنا نجد أنَّها حرباً لم تكن على الإطلاق متكافئة فالصهاينة يتمتعون بالدعم الدولي والأممي، زِدْ على ذلك الترسانة العسكريَّة التي ترافقهم، ولكنَّ إخواننا المجاهدين في غزَّة يقاتلون بإيمانهم بالله أولاً وبما لديهم من إمكانيات عسكريَّة ـ نسأل الله أن يبارك فيها ـ وبجنود الأرض والسماء بإذن الله، فالله تعالى يقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: 17]، وقد جاء في الدعاء: "اللهم أنت حسبي وأنت نصيري بك أصول وبك أجول وبك أقاتل"، ولكي يشهد العالم يوماً ما أنَّ جند الإسلام في فلسطين ثبتوا يوم أن تخاذلتْ دول الشرق والغرب عن نصرتهم بل تألبوا أحلافاً وأحزاباً مع العدو الصهيوني ضد أبناء الإسلام، ولكي يسجل التاريخ هذه الخيانة الكبرى، ولكي يتذكر التاريخ أنَّ المجاهدين صمدوا أكثر من عشرة أيام ولا زالوا في وجه القوة الصهيونية المتغطرسة، في حين لم تصمد الجيوش العربيَّة مجتمعة في حرب حزيران عام 1967م أكثر من ستَّة أيام!!
بل وحتَّى العدو الصهيوني يشهد ببسالة المقاومة والمجاهدين في فلسطين، فقد دفعتْ هذه الميزة عدداً من الخبراء العسكريين الإسرائيليين للاعتراف بهذه الميزة، ومن هؤلاء الخبير العسكري "ران أدلست" الذي قال: إن عناصر المقاومة ليس لديهم طائرات هليوكبتر، ولا دبابات، ولا سلطة لتطوير السلاح، كما عندنا، ولكن يوجد عندهم قدرة تحمّل، واستيعاب الضربات، ووقت، كما ليس عندنا!!
كما أشار الوزير السابق "داني نافيه" إلى حقيقة الروح القتالية لدى المقاومين، حين قال: "إن الفلسطينيين الذين يملكون إمكانيات بسيطة يرفعون رؤوسهم مفاخرين بما حققوا، بينما تطأطئ دولةٌ بأكملها الرأسَ خجلا!!".
شبكة القلم: ما هي الأمور التي يمكن أن تقدمها الشعوب المسلمة لإخوانهم في فلسطين في ضوء القيود المفروضة عليهم من حكوماتهم؟
الشيخ خباب: إخواننا في غزة يطلبون من الجمهور المسلم الذي يتابع قضيتهم عدَّة أمور:
- توضيح حقيقة اليهود وأنَّهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأنَّ هذه الحرب بين الفلسطينيين وبين الصهاينة حرب عقائدية دينية، وأنَّ اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأنَّهم لا يحترمون ميثاقاً ولا عهدا ولا ذمة، فالله تعالى يقول: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم} [سورة البقرة: 100]، وقال تعالى: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ} [سورة المائدة: 13]، وأنَّهم لم يتورعوا عن قتل الأنبياء فكيف نريدهم أن يرحمونا ويعطفوا على أطفال ونساء غزَّة وغيرها، ولهذا فالمسلمون في فلسطين يقاتلون اليهود لأجل عقيدتهم الفاسدة الكافرة ولأجل احتلالهم لأرض فلسطين، وأنَّه لن يكون هنالك حل معهم إلاَّ بطردهم من فلسطين كل فلسطين.
- مواصلة الدعاء لهم فردياً وجماعياً في الخلوات والجلوات والصلوات، ومواصلة قنوت النوازل حتَّى تنجلي الغمَّة وتنكشف هذه الملمَّة.
- الضغط على الأنظمة العربية المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني وإرسال البرقيات عبر الفاكس وأرقام الهواتف لوزراء الداخلية والخارجيَّة العرب لمناصرة أهل غزَّة والوقوف إلى جانبهم، ومع أنني أستبعد قيام أحد من حكَّام العرب بأن تأخذه الحميَّة لله أو للعروبة ولكن كما قيل معذرة إلى ربكم) .
- دعم أهل غزَّة بجميع أنواع الدعم بجميع أنواع الدعم بجميع أنواع الدعم (أقولها ثلاثا) الذي يقوِّي صمودَهم ويعينهم على مقاتلة عدوهم نيابة عن هذه الأمَّة.
- مواصلة المظاهرات الجماهيريَّة العارمة في كافَّة أنحاء الوطن العربي والإسلامي، فإنَّ المظاهرات يا أخي تعطي نتيجة وهي تشجيع أهل فلسطين وتثبيتهم على الصمود ومواجهة العدو الصهيوني وشد عزيمتهم، وكذلك بالضغط على أنظمة التواطؤ العربي التي تشارك في حصار أهل العزَّة في غزَّة.
- توضيح خطورة المنافقين والعملاء والخونة والجواسيس، وبيان خطرهم بناء على ما في كتاب الله وسنَّة رسول الله، وأنَّهم من أشد الناس خطورة على إخواننا في غزة من الذين يدلّون على عورات إخوانهم المجاهدين وأماكن اختبائهم وما شابه ذلك، فمصيبتنا في عملاء العار الذين يتعاملون مع المحتل الصهيوني لقاء لقيمات لا تزيدهم إلاَّ بعداً عن الله وكرهاً من الناس.
شبكة القلم: هل من كلمة أخيرة؟
الشيخ خباب: نعم هنالك كلمة أخيرة أضعها وألقيها بين ظهور العرب والمسلمين علماء وحكاماً وشعوباً، وهي كلمة جميلة قرأتُها قبل مدَّة حيث قال سماحة الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله - ضمن كلمة بليغة ألقاها ارتجالاً ونُشِرَتْ في مجلة (الأخوة الإسلامية) عام 1373هـ: "إن معرفة كارثة فلسطين لا تعدو أن تكون أسئلة وأجوبة، فإن استطعنا أن نعرف الأجوبة استطعنا أن نعرف الداء ثم نعالجه...".
أما السؤال الأول فهو: هل أضعنا فلسطين؟ الجواب: نعم.
السؤال الثاني: هل أعطيناها أم أخذوها منا؟ الجواب: أعطيناها نحن...
السؤال الثالث: هل يمكن استرجاعها؟ الجواب: يمكن استرجاعها...
ثم قال: بماذا أضعنا فلسطين؟ الجواب: أضعناها بالكلام!!
فأنا أقول: يا أيها القوم إنَّ الكلام بحد ذاته مفيد، أمَّا أن نبقى نتحدث ونبرم ونتكلم فحسب، فإنَّه والله عار على هذه الأمَة ألا تعرف قضية فلسطين إلاَّ بالكلام فحسب، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [سورة الصف: 2-4].
وأختتم هذه المقابلة بأبيات للشيخ الدكتور عبد الغني التميمي الذي صدح بها مخاطباً الأمةَ العربيةَ والإسلامية حكاما وعلماء وشعوباً:
أعيرونا مدافعَكمْ
ليومٍ لا مدامعكمْ
أعيرونا وظلوا في مواقعكمْ
بني الإسلام! ما زالت مواجِعُنا مواجعَكمْ
مصارعُنا مصارعَكمْ
إذا ما
أغرق الطوفانُ شارعَنا
سيغرق منه شارعُكمْ
سيغرق منه شارعُكمْ
يشق
صراخُنا الآفاقَ من وجعٍ
فأين تُرى مسامعُكمْ؟!
فأين تُرى مسامعُكمْ؟!
ألسنا
إخوةً في الدين قد كُنَّا.. وما زلنا
فهل هنتم؟!، وهل هنّا؟!
أنصرخ نحن من ألمٍ ويصرخ بعضُكم: دعنا؟!
فهل هنتم؟!، وهل هنّا؟!
أنصرخ نحن من ألمٍ ويصرخ بعضُكم: دعنا؟!
أيُعجبكم إذا ضعنا؟!
أيُسعدكم إذا جعنا ؟!
وما معنى بأن «قلوبكم معنا»؟!
لنا نَسَبٌ بكم ـ والله ـ فوق حدودِ هذي الأرض يرفعنا
وإنّ لنا بكم رَحِماً
أنقطعها وتقطعنا؟
معاذ الله! إن خلائق الإسلام تمنعكم وتمنعنا
أيُسعدكم إذا جعنا ؟!
وما معنى بأن «قلوبكم معنا»؟!
لنا نَسَبٌ بكم ـ والله ـ فوق حدودِ هذي الأرض يرفعنا
وإنّ لنا بكم رَحِماً
أنقطعها وتقطعنا؟
معاذ الله! إن خلائق الإسلام تمنعكم وتمنعنا
ألسنا
يا بني الإسلام إخوتكم؟!
أليس مظلةُ التوحيد تجمعنا؟!
أعيرونا مدافعَكمْ
رأينا الدمعَ لا يشفي لنا صدرا
ولا يُبري لنا جُرحا
أليس مظلةُ التوحيد تجمعنا؟!
أعيرونا مدافعَكمْ
رأينا الدمعَ لا يشفي لنا صدرا
ولا يُبري لنا جُرحا
أعيرونا
رصاصاً يخرق الأجسام
لا نحتاج لا رزّاً ولا قمحا
لا نحتاج لا رزّاً ولا قمحا
تعيش
خيامنا الأيام
لا تقتات إلا الخبزَ والملحا
فليس الجوع يرهبنا
ألا مرحى له مرحى
بكفٍّ من عتيق التمر ندفعه
ونكبح شره كبحاً ؟!
لا تقتات إلا الخبزَ والملحا
فليس الجوع يرهبنا
ألا مرحى له مرحى
بكفٍّ من عتيق التمر ندفعه
ونكبح شره كبحاً ؟!
أعيرونا
وكفوا عن بغيض النصح بالتسليم
نمقت ذلك النصحا
نمقت ذلك النصحا
أعيرونا
ولو شبراً نمر عليه للأقصى
أتنتظرون أن يُمحى وجودُ المسجد الأقصى وأن نمحى؟!
أتنتظرون أن يُمحى وجودُ المسجد الأقصى وأن نمحى؟!
أعيرونا
وخلوا الشَّجْبَ واستحيوا
سئمنا الشجب و (الردحا)
وأشكر لكم في النهاية إتاحتكم الفرصة للحديث، وأعتذر عن التأخر في الإجابة لبعض الانشغالات الطارئة، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على محمد النبي وعلى آله وصحبه أجمعين.
سئمنا الشجب و (الردحا)
وأشكر لكم في النهاية إتاحتكم الفرصة للحديث، وأعتذر عن التأخر في الإجابة لبعض الانشغالات الطارئة، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على محمد النبي وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: شبكة القلم الفكرية
- التصنيف: