مريض كغيرك
ورأى نفسه طبيبا .. والناس بحاجته ..
كل المصائب بدأت من هنا !
مكون أساس كان يتنامى في نفوس الدعاة -إن صح أنهم كذلك- يوما بعد يوم ..
الناس هلكى، والأمة بانتظار كلماته !
كان يحرص على سمته "المخشب" وأسلوبه كلامه "المتكلف" .. من أجل الدين !
ويراعي الحشمة في نفسه فوق الحد .. من أجل الدين !
قدر من هذا مطلوب .. لكنه تحول من كونه لأجل الدين إلى شهوة في نفسه هو ..
فصار يرى لنفسه حقوقا ليست لغيره، وامتيازات بحكم "الكهنوت" الذي يعيش حالته .. "لحمه مسموم" وصيانة شخصه تعني صيانة للشرع وتقدير محمود لـ"أهل العلم" ..
يطالبك على كرسي المحاضرة بالإذعان .. ويطالبك به لما قفز على كرسي "البرلمان" !
والأتباع بارعون في التطبيل .. نتاج التربية "بالتهويل" ..
الأتباع الذين أتقنوا دور "الغربة والنقاوة" على مظاهر .. وعاشوا ردحا بالشعار الساذج: "ربي لحيتك = تربيك !"
الأتباع الذين سمعوا الشيخ في محاضرة يتحمس قائلا: "أقسم بالله أن الإخوة -يقصد معشر الأتباع- هم أطهر ناس على وجه الأرض !!"
ثم أبانت الأيام كيف ربتهم اللحية -على سنيتها وجمالها-، وكشفت حقيقة هذا الطهر !
تستطيع فهم كل هذا وأنت تتخيل امرأة وقفت لترد على عمر بن الخطاب، وآخر يستفسر عن ثوبه والمسلمون في مجاعة الرمادة .. وأنت تطالع بساطة وتلقائية مجتمع الصحابة، ونقاء السرائر التي كان يفيض طهرها على الظاهر ..
وأنت ترى علماء السلف وعبادهم لا يرى الواحد منهم لنفسه حقا على الناس ولا مزية .. العلاء بن زياد الذي رأى له رجل رؤيا مبشرة، فقال: "ويحك .. أما وجد الشيطان أحدا يسخر منه غيري وغيرك" !
بينما نحن نحفظ كثيرا من الرؤى التي بشر فيها النبي الشيخ فلان بأنه على الحق، والشيخ علان أنه من العلماء .. ونسجنا بمصمصة الشفاة ثوب القداسة !
أيها الداعية .. أيها المتسنن ..
هذا الذي يجلس أمامك خاشعا لوعظك .. لا تنس احتمالا يقينيا بأنه عند الله أفضل منك .. وما يدريك ؟!
أيها الداعية .. أيها المتسنن ..
يزيد صدقك كلما استشعرت أنك مجرد مريض كغيرك ..
لكنه يجيد وصف الدواء !
محمد عطية
كاتب مصري
- التصنيف: