أحلام اليقظة
من الجميل أن نحلم؛ ونتخيل؛ ونتمنى. فالحلم أمل؛ والأمل لا طعم له بلا أحلام.
وأنا صغيرة كنت أتخيل كثيرا؛ وأحب الأحلام؛ وكنت أتخيل نفسي بطلة كاراتيه؛ بعد أن أشاهد فيلما عن الكاراتيه؛
أو بطلة خارقة أحيانا تنقذ الناس؛ وأميرة جميلة ترتدي فستانا واسعا؛ بعد رؤية فيلم الأميرة والأقزام السبعة؛ وربما صاحبة صوت قوى ورائع بلابلي؛ بعد سماع فتاة صغيرة تغني على مسرح والكل يصفق لها؛ أحقق ما أتمناه في لحظات بحلمي، وانتهى.
والآن أحلم بالجنة؛ ورؤية وجه ربي سبحانه وتعالى؛ وما هو شعوري وشوقي وقتها؟ وكيف سيكون جمال نوره؟ وكيف سنخر سجدا عندما يكشف عن ساق؟ وكيف سيكون موكب فاطمة الزهراء؟ وكيف سأهرول عندما أرى محمدا صلى الله عليه وسلم بإذن الله؟ وكيف سأحتضن أمي عائشة؟ وما هو شكل عمر؛ وأبو بكر وعثمان وعلي؟
وكيف ستكون أجنحتي؛ عندما أتمنى الطيران في الجنة، لأطوف على من أعرفهم هنا في الدنيا؟
وكيف هو وجهك أختي؛ وكلكم إخوتي وكيف سأعرفكم وتعرفونني بإذن الله؟
اللهم أرزقنا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك.
وبالتأكيد كلكم تحلمون، وهناك من يحلم بالخير، والبعض بالشر، والكثيرون بالشهوات، ولكن أن نعيش حلما، حلما فقط!
تحلم أن تكون أسدا وأنت قط! تحلم وأنت تفتح عينيك، فتتجمد وتسكن حياتك وتتآكل حيويتك، تكتبها بالماء على الهواء، وتنتظرها أن تجف، فلا تراها بعد انتهائها ولا تلمسها ولا تشعر بها رغم أنك كنت سعيدا(لحظة الحلم فقط)، تبحر في بحر السراب بلا سفينة؛ فتغرق رغم عدم وجود الماء!
يا لها من سخرية؛ فعلا أنت(غارق) في الأحلام.
كيف نترك أنفسنا لهذا اللص الخبيث؟ يتسلل بنعومة إلى أذهاننا ويتمدد وينصب شباكة تماما كالعنكبوت السوداء، ليتصيد كل لحظة من لحظات حياتنا، التي سنسأل عنها أمام الله ليحولها إلى أحلام يقظة.
إنه لأمر خطير؛ ومرض غير مؤلم؛ وعِلّة فتاكة؛ يتلذذ بها الشباب والبنات.
ولأننا لا نملك أن نوقفه قطعا؛ فهو مرتبط بجهاد النفس يا أبنائي؛ وأنا لا أطالبك بمصادرة أحلامك وتشميعها بالشمع الأحمر ووأدها في تابوت؛ ولكنني فقط أهمس؛ فهناك من الأحلام ما يترتب عليها حالة إحباط ويأس شديدة واكتئاب؛ وتكون سببا في عصبية لا تدرك سببها الحقيقي؛ ألا وهو الاسترسال في تمني شيء بعيد المنال أو مستحيل، أو يتطلب وقتا وجهدا؛ وأنت لا تصبر لأنك أكثرت التمني.
فأنت أخي وابني الكريم؛ لا تملك أن تمنع الصور التي تقفز إلى ذهنك؛ لكنك تستطيع أن تمنع ما يعزز تلك الخيالات؛ وأيضا تستطيع أن تسير بقدميك بعيدا عن صحبة تحدثك عنها؛ وأيضا تستطيع أن تغير الموقع الذي تتصفحه؛ حتى لا تلتصق بذهنك صورة عارية؛ وأيضا تستطيع أن تحول نظرك إن سقط سهوا وبغير قصد؛ على صورة لفتاة متأنقة ورائعة الجمال تعرت لتفتنك بأمر شيطانها؛ فظهرت في أبهى صورة؛ وهي في الحقيقة تماما كدورة المياه التي يتقيأ عليها الجميع؛ فهي تسمح لهم جميعا بالقيء البصري على جسدها؛ أي حلم هذا الذي تتمنى فيه النفس شيئا قذرا؟ أليس كذلك؟
أفلام وأوهام؛ لماذا تحلم بما ليس موجودا أصلا؟
من آن لآخر تجد فيلما يملأ الدنيا أفيشات وإعلانات؛ وأسماء ولقاءات وربما لو فتحت صنبور المياه (الحنفيه عندنا في مصر) ربما تنزل البطلة مع الماء. وربما تجد كل زملاءك يتحثون عنه؛ وعن الأغنية؛ وأجمل لقطة؛ وكيف نظر البطل للبطلة} وكيف أمسك بيدها؟ وعد أنت أيها المسكين إلى البيت؛ وضع رأسك على وسادتك؛ وستجد المخرج شيطون المشيطن بأساليبه الشيطانية المشيطنة ينخر في رأسك. وتجد نفسك ترتفع فوق ألوان الطيف وتنخفض وتهوي بقلبك وكأنك تماما تعيشه حقيقة؛ وأنت البطل؛ وهي البطلة. شيطانة كانت؛ أو خيالا من تصورك؛ أو حتى شخصا تعرفه؛ والمشكلة أنك لا تشعر بالوقت؛ وربما تتحول بعد قليل إلى كومة من اليأس،
لأنك تكتشف أنه كان حلما وأنك لا زلت طالبا؛ وأمامك من الوقت ما أمامك لتحقق الحلم.
والأسوأ أن من يسرف في أحلام اليقظة؛ يستنفذ كما هائلا من طاقته النفسية التي يحتاجها بشدة في مواقف أخرى أهم؛ تهُّم حياته واقعا، وربما كانت سببا جوهريا في النجاح، وتحقيق الذات عمليا،
لا تسرفوا فيها، حتى تستطيعوا أن تميّزوا بين الواقع والخيال.
وأنت حبيبتي في الله وابنتي، هل لازلت تحلقين في إطار دبلة الخطوبة فقط؟ حتى متى ستمر الليالي وأنت تحلمين وتتخيلين الموكب؟ فارس الأحلام يسير، فارس الأحلام يحملك، فارس الأحلام يمتطي الحصان الأبيض ويقتحم القلعة ليخطتفك ويحملك إلى قصره الأرجواني، الفستان سيكون طويلا وواسعا، لا؛ سيكون ضيقا ولامعا، هكذا ستكون (الطرحة)، وللأسف أحيانا يكون الحلم، أن تلقي الفتاة حجابها بكل هوان على الأرض لينكشف المستور، وتنهار خصلات شعرها على كتفيها العاريين فرحة بليلة العمر.
لا أقول أن تخنقي حلمك؛ فأنا كنت فتاة مثلك؛ وأعلم جيدا ما هي أحلام الفتاة؛ وكم حلمت بيوم زفافي وفستاني الأبيض؛ ولكنني لست مع أن تكون كل الأحلام؛ وكل الليالي لهذا الحلم فقط.
والأسوأ الإستسلام الذي وصلت إليه الكثيرات من البنات، فهي حتى لا تستطيع أن تبتكر حلمها، ولأننا في عصر السرعة؛ صار الحلم جاهزا وحارا وطازجا؛ والتوصيل مجانيا إلى بوابة عقلك، فقط افتحي عينيك وبحلقي في الفيديو كليبات؛ وأسندي رأسك على كفك؛ وتنهدي بين الكليب والآخر؛ وشيطون وأعوانه سيقومون بكل شيء.
تستطيعي أن تتخيلي أنك أنت الموديل وترتدين نفس الفستان، والمطرب محروس أفندي المبعجر يغني لك؛ أنت؛ أنت فقط.
ما رأيك؟ أليست خدمة مجانية؟ وتستطيعين أن تكملي الحلم وأنت ساهرة لتشغلي وقت فراغك. ويا له من فراغ؛ إن لم يمتليء. ومصيبة المصائب أن يفتح باب الحلم على وجه الداعية الإسلامي الشاب؛ فيصير مؤثرا؛ لا أثرا في شخص الفتاة التي لا تفرق بين الإفتتان به كنجم؛ والإستماع إليه كداعية لخير؛ لتفصل بين الأمرين وتحقق الإتباع؛ وتكون ممن يستمعون إلى القول فيتبعون أحسنه؛ بدلا من أن تكون ممن يرون الداعية فيترقبون موسمه.
والمؤلم أن تقارن الفتاة و الزوجة مستقبلا بين زوجها الطيب، الذي يعيش بفطرته معها، وربما تراه نائما بعد يوم عمل شاق وطويل؛ فاتحا فمه (منكوش الشعر يصدر شخيرا عاليا)؛ وبين النجم المتألق منمنم الملامح، أنيق الملابس.؛ مهذب الكلمات؛ صاحب الصوت البلابلي الصداح، فتشمئز من زوجها الشاب؛ وتكرهه وهو يحبها،
والعكس طبعا.
فهناك من الأزواج من يتمنى فلانة (المطربه) وفلانة (الممثلة)، وينظر بحسرة إلى زوجته الحبيبة؛ التي تحمل ولدها على كتفها؛ وتسير في تؤدة؛ بعد أن حولتها شهور الحمل وآلام الولادة وآثار الرضاعة إلى شيئ آخر؛ لو صلح قلبه وصفت جوارحه واتقى الله فيها؛ لأحبها أكثر؛ وأكثر؛ وأكثر .
لابد من وقفة ومراجعة وصحوة؛ وأحيانا صفعة.
الوقت يمر… والشمعة تنصهر… والطريق يتآكل تحت أرجلنا، ولأننا لابد أن نعيش الحياة لنصل إلى الآخرة… فلنحاول أن نعيشها بما يرضي ربنا، وكلما غفلنا؛ لابد أن نستغفر ونحاول أن ننهض من جديد.
إملء حياتك بنشاطات حيوية؛ أخرج وشارك؛ حول طاقاتك الإبداعية إلى شيء ملموس؛ لا تجلس وحيدا ولا تستسلم للشيطان؛ حتى لا تصاب في النهاية باليأس؛ فتبكي ويبدأ الشعور بالتوتر والحزن؛ وبعدها تصاب بالارهاق وتبدأ مشاعرك السلبية بالظهور؛ فتنفجر في وجه أمك وأبيك.
ولا تحقق هدفا؛ ولا تنجز شيئا؛ وافتح عقلك وابدأ بالإطلاع على سمات العالم الأخرى من حولك.
وإن وجدت بعض من الأحلام الوردية -ولابد أن تجدها وإلا فنحن نكذبك- حاول أن يكون حلمك(بالحلال)؛ وحاول أن تتمنى الخير؛ واحلم بها عفيفة طاهرة، واعمل مع لحظات الحلم القصيرة؛ ولا تتحول إلى صنم؛ لا يعمل مع ساعات حلم طويلة.
وأنت حبيبتي لا تتمنيه إلا تقيا عفيفا؛ وإن كان فارسا فلا تجعليه سجانا لك؛ عندما ترفضين كل من يطرق بابك؛ لأنهم جميعا لا يشبهون فارس الأحلام.
حنان لاشين
كاتبة إسلامية ملقبة بأم البنين
- التصنيف:
- المصدر: