الانتخابات المغربية و فوز الربيع
المغرب يسع الجميع ؛ هذا ما سطّره المغاربة وبعثوا به درساً لمن أراد أن يتربص بالمغاربة أو أراد بهم شروراً ، لا مكان فيه للإقصاء ، ولا مكان للإملاءات ، المغرب هو المغرب ؛ كان المغرب ولازال المغرب وسيظل بإذن الله المغرب ؛ لا إرهاب ، لا فوضى ، لا دماء بريئة تسفك على أرضه ، ولا تُرتهن إرادته بترهيب مضل أو ترغيب مذل .
واصل المغاربة مسيرة تغريدهم بعيدا عن الأسراب التي لا تعرف وجهتها ، أو التي تسير مسرعة نحو الهاوية ، وجاءت نتائج الانتخابات قسمة عادلة ، كان الشعب المغربي هو المهندس لها ، والحادي الذي عزف لحنها ، والصنديد الذي تحمل ثمنها .
ذلك أنه قد يكون لكثير من الشعب المغربي تحفظات على حزب العدالة والتنمية في أدائه الإداري أو الاقتصادي أو السياسي ، والذي كان من الممكن أن تدفعه أن يتخذ موقفاً أكثر تشدداً تجاه الحزب لو كان المناخ السياسي الدولي والإقليمي في حالة مغايرة لما هو عليه الآن من رغبة جامحة في كسر إرادات الشعوب ، وتأديب كل من تسول له نفسه أن يعيش على أرض وطنه حراً ذا إرادة واستقلال ، غير أن المغاربة سدّدوا وقاربوا ، وآثروا أن تستمر سفينة إرادتهم ماخرة وإن تجشّموا مزيدا من وعثاء السفر.
حين كتبنا مقالتنا السابقة " الانتخابات المغربية بين الربيع العربي والربيع المغربي " راهنا على عظمة المغاربة في أنهم سيجتازون الاختبار بنتيجة تليق بمجدهم التليد ، وكان غيرنا ينتظر أن تشرق شمس المغرب بما غربت عليه شمس غيرهم بالمشرق القريب ، غير أن المتدبر في أحوال البشر يعلم يقيناً أن الكون ليس بهذه الدرجة من الظلام البهيم ، الذي يريد المستبدون أن يرخوا سدوله على جنباته .
نتائج الانتخابات المغربية التي حاز فيها حزب العدالة والتنمية المركز الأول في الانتخابات الجهوية ، متقدماً على حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال ، وقد احتل المركز الثالث في الانتخابات الجماعية من حيث عدد المقاعد وإن كان الأكثر من حيث إجمالي عدد الأصوات بما يجعله الأول من حيث مؤشر الشعبية والتواجد ؛ جاءت لتحسم الأمر وتعلن أن المغاربة قرروا الاستمرار في الحالة الاستثنائية الخاصة بهم ، سواء أكان هذا الاستثناء على صعيد المؤسسة الأمنية التي توقع منها البعض إزاء توليها المسئولية الكاملة عن الانتخابات ونظام التصويت الذي تم إقراره أنها قد بيتت النية للإطاحة بفصيل سياسي معين ، أو على صعيد الشعب المغربي الذي قرر الذهاب إلى الصندوق وجعله الحكم والفيصل في تحديد المسار المغربي ، أو على صعيد حزب العدالة والتنمية الذي تربع للأمانة على قمة الاستثناء ، وقدم للمراقبين والمحللين عرضاً وأداء سياسياً مختصره ومفاده : نعم نحن رجال دولة وقادرون على إدارة دول.
لم يكن الطهر والنقاء السياسي ونظافة اليد التي شهد بها المغاربة لحزب العدالة والتنمية هي الأدوات التي ركن إليها الرائع بن كيران ، ولم يجعل مما يحمله لنفسه من ذاد روحي من صلاة وصيام وأذكار وفصاحة في الرقائق والمواعظ جسراً يعبر عليه نحو انتزاع تأييد ودعم المغاربة له وإن كان خالي الوفاض من كل إنجاز سياسي حقيقي ، بل رأينا ورصدنا فرساناً ميدانيين في أنشطتهم وتواجدهم على الأرض على غرار فرسان العدالة والتنمية في تركيا ، تخطيطا وانضباطا وحرصاً على التواصل الميداني الحقيقي ، وبساطة في الخطاب يدعمها رصيد من الاقتناع الشعبي الحاضن لهؤلاء الذين لم يزدهم ثقة الشعب فيهم إلا تقرباً منه وتواضعاً معه وإيثاراً حقيقياً لمصالح الشعب ، حتى حار المتربصون بالحزب في أن يثبتوا على أحد من قيادات العدالة والتنمية أي شبه فساد أو انحراف من أي نوع كان .
ما الذي ننصح به السيد بن كيران بعد تهنئته وتهنئة المغرب جميعاً شعباً وملكاً وحكومة ومعارضة وأحزاباً ؟؟
ننصح بالحفاظ على تلك الحالة الاستثنائية والخيار الاستثنائي للمغاربة ، والذي قد يفرض من وجهة نظرنا على حزب العدالة والتنمية تنازلات الأقوياء وتواضع الفائزين ، والذي ربما يتجلى في خطوة للخلف ابتغاء عشر للإمام مع مكونات الواقع السياسي في المغرب ، وأن يعلم الجميع بالحال والفعال وليس الشعار والمقال أن الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات هو الشعب المغربي ، وأنه لا سبيل إلى الندم على هذا الخيار ، بل يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يوجد فهماً جديداً استثنائياً للتناوب الخلّاق في إدارة شئون المغرب ، ووضع رؤية جامعة للمغاربة نحو المستقبل الذي يليق بشعب صنع لنفسه ربيعاً مغربياً علّم به من حوله أنه ليس بالضرورة أن ينقلب كل ربيع خريفاً .
حسن الخليفة عثمان
كاتب إسلامي
- التصنيف: