من صور المقاطعة

منذ 2009-02-18
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الهادي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين.

لقد كنت أنظر إلى كثير من المنتجات الاستهلاكية التي يقوم بإنتاجها الأمريكان ومن هم على شاكلتهم بعين الغرابة، وكيف يزينوها ويحشدون لها جميع الوسائل لتسويقها، فبالنساء تارةً وبالمتعة الزائفة تارةً أخرى، فأساليب القوم كثيرة ولا يتوقفوا عن التجديد في وسائلهم للسيطرة على العقول، ثم أقول في نفسي أليس من رجل أعمال مسلم يستطيع أن يحشد طاقاته بدلاً من أن يكون مستورداً لما تصنِّعه أمريكا فيصنِّعَه هو، فالأمر استهلاكي بحت ولا يحتاج إلاَّ أن يخطط له بعض الشيء ويسوَّق له بطريقة أكثر أدباً مما تعرضه الشاشات العربية تسويقاً لغزو أمريكا حتى في الأشياء الاستهلاكية التافهة.

فكم حُشِدَت الملايين لإعلانات المشروبات والأغذية الأمريكية وجُنِّد لها من أهل العري والإغراء حتى أصبحت تشاهد في معظم الدول العربية حتى في الطرق العامة، فهذه الثقافة الأمريكية المستهلكة، فيجب أن تأكل على طريقتهم وتشرب على طريقتهم، و...، و...، حتى تصبح عبداً لهم.

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنة من كان قبلكم، باعاً بباع وذراعاً بذراع، وشبراً بشبر، حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم فيه»، قالوا: "يا رسول الله اليهود والنصارى؟"، قال: «فمن إذًا» [1].

ولكم أصَّل الكثير من العلماء جزاهم الله خيراً لمسألة المقاطعة تأصيلاً شرعياً، في هذه الأزمة ومن قبل.

فيقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين في كتابه (أحكام المقاطعة): "ولعلَّ المسلمين أن يعرفوا عداوة الكفار، وأن يحرصوا على كل ما يغيظهم ويقلل من شأنهم، ولو بمقاطعة منتجاتهم ومنع التعامل معهم، رجاء أن يكون سببا في ضعف معنوياتهم وكساد تجارتهم، متى قاطعهم المسلمون شرق البلاد وغربها واتفقوا على ذلك". [2]

ولكن أين التفاعل وكأن الأمر لا يعنينا؟!

لقد أُجْرِيَ العديد من الأبحاث عن عدد من المشروبات الغازية الأمريكية المشهورة والتي أصبحت في عدد من الدول العربية والإسلامية تُشْرَب بكثرة حتى استعيض بها عن الماء، وهذه الأبحاث قد أشارت إلى ضرر هذه المشروبات وما تحويه من مواد مسرطنة تؤثر على خلايا الدماغ، ولكن التجاهل كان مصيرها من قبل المتلقي العربي، ومع هذا غزت جميع الأسواق وحتى استراحات المدارس والجامعات بواسطة بعض وسائل الإعلام العربية المتأمركة.

فلنَدَع الآن ضررها إن ثبت فقد يقال: "هذه الأبحاث قد تكون مزوَّرة لكي يتم استبدالها بسلعة منافسة"، ولو تجاهلنا الضرر الذي قد تسببه أو المواد التي قد تدخل في تركيبها من مواد ضارة أو محرمة كمحرضات جنسية أو نسب من المخدر ولو بسيطة أو الكثير مما يشاع عنها من دخول منتجات الخنزير فيها، أو المنتجات الحيوانية غير الحلال ولقد اعترفت بعض الشركات علناً لاستخدامها لتلك المنتجات.

فالحسم في هذه المسألة إن ثبت ما يشاع ما رواه ابن ماجة من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار. [3]

أفليس لنا الآن أن نتذكر - ونحن نشرب هذه المشروبات الأمريكية ونأكل من أيديهم الملطخة بالدماء ونحن ندعم بها اقتصادهم - أخوتنا في غزة الذين يحرمون قطرات الماء العذب وأهل الرافدين وقد دنسه الأمريكان؟؟؟

إن كنت تريد أن تشرب أو تأكل أو تلبس فليكن، ولكن ليس من منتجات أيدي هؤلاء المجرمين، إن ميزانية أحد شركات المشروبات الغازية قد تخطت المليارات من الدولارات، وتتبجح علنا بدعم الكيان الصهيوني، ألم تسأل نفسك من يمتلك هذا النفوذ الاقتصادي الضخم في أمريكا؟؟

إذا لم يقاطع التجار فلنقاطع نحن، فلقد أدْمَت الأوضاع في غزة قلوب الملايين ومن قبلها الفلوجة..، و...، و...، ونحن مازلنا نسوِّق للأمريكان منتجاتهم، وكأفراد غير مهتمين بما يجري مستهليكن ما تصنّع لنا ومن أسوء ما تنتج.

فاللباس أمريكي، والشراب أمريكي، والغذاء أمريكي،...، وحتى ثقافة بعض مؤسسات الإعلام العربي أصبح منحدراً هابطاً، طبعاً لأنه أمريكي.

ولقد انتشرت في معظم الدول الإسلامية والعربية منتجات أمريكية لو علم الناس ما علم عنها لرُميت في القمامة.

فلقد قامت أحد شركات المشروبات الغازية الأمريكية بالانطلاق للأسواق العربية من أحد الدول الإسلامية التي لها مكانة في قلوب المسلمين، فأصبح القائل يقول: هي تأتينا من تلك الدولة وعلماؤها لو حرموها أو قاطعوها لما سمحوا للأمريكان بأن ينطلقوا بتجارتهم من تلك الدولة، حتى تصلنا، ووسائل إعلامهم تنشر من الإعلانات الترويجية لها باستمرار.

ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل، فالكل سيُحَاسَب، فالناس بحاجةٍ إمَّا لمبررٍ يبيح الأمر، أو لحافزٍ يحفز على هذه المقاطعة المشروعة.

فعليكم أيها التجار أن تتقوا الله فيما تتاجرون به، وتعلموا أن الرزق بيد الله عزَّ وجلَّ.

قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:28]، وعلينا كأفراد أن نبادر نحن بمقاطعة ما لا نرغب به، فالتأصيل الشرعي لمسألة المقاطعة بدا معلوماً للجميع، فلنبادر بالمقاطعة والله المستعان.

ومن صور مقاطعة الكفار اقتصاديا والتي حدثت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي استخدم الحصار الاقتصادي ضد الأعداء: فهذا ثمامة بن أثال رضي الله عنه بعدما أسلم كما جاء في الصحيحين "فلما قدم مكة قال له قائل: "صبوت"، قال: "لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم" [4].

وزاد البيهقي في السنن الكبرى "ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" [5].

إذاً فالسلاح الاقتصادي في محاصرة الكفار والمشركين قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم وهو سلاح مشروع، فلم لا نستخدمه للضغط على الأعداء؟!

ومن صور المقاطعة خلال الحرب الإجرامية على أهلنا في غزة ما قام به شاب مسلم قد انتظر عملاً بفارغ الصبر، ولكن كان هذا العمل في مجال التسويق لإحدى كبريات شركات المشروبات الغازية الأمريكية في إحدى الدول العربية، وبالرغم أن المبلغ كان حُلماً بالنسبة لطالب جامعي ولكن أبى هذا العمل ورفضه، فالرزق كما يقول بيد الله، فكيف يهنأ له عيش برزق قد غمس الصهاينة الأمريكان أيديهم فيه ؟؟

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2- 3]

فهذا الشاب قد خسر عملاً لكم حلم به، والله سيعوضه برزق أحسن منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تدع شيئا لله إلا أعطاك الله خيرا منه» [6].

ولكن أنت ما ذا تخسر إذا قاطعت، لن تخسر شيئاً وستؤجر، أما إذا لم تقاطع مع علمك بضرورة المقاطعة، فما موقفك أمام أهلك الذين يذبحون ويقتلون بآلة الإجرام الأمريكية، وأن تساهم في نشاط اقتصادها وترويجه، وستقف بين يدي الله وتسأل.

ويقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في كتابه (أحكام المقاطعة):
"فعلى المسلمين مقاطعة إنتاجهم وترك ترويج منتجاتهم وسلعهم، وعدم الاستيراد لشيء من صناعتهم صغيرة كانت أو كبيرة، فمتى فعل ذلك المسلمون كسدت سلعتهم وضعف اقتصادهم، حيث أن المسلمين ليسوا بحاجة إلى تلك المنتجات فهناك ما يقوم مقامها من منتجات وطنية" [7].

ويقول الشيخ سلمان العودة: "لقد دعا بعض الإخوة إلى المقاطعة، وأنا أدعو إلى ما هو أبعدُ من ذلك، وهو البحثُ عن بدائلَ؛ فبدلاً من تعديل أمريكا يجب علينا تبديلُها، ولْنرفعْ شعار (تبديلُ أمريكا لا تعديلُها)". وفي موضع آخر قال: "لقد بات من المستحيل تعديلُ سياسات أمريكا، فلْنتوجَّهْ إذًا إلى بدائلَ أخرى، تقودنا إلى الاستغناء الكامل عنها" [8]

وكتبه

همام محمد الجرف
غفر الله لي ولوالدي ولجميع المسلمين
‏السبت‏، 28‏ محرم‏، 1430هـ
‏24‏/01‏/2009



-------------------------------------
[1] رواه النسائي في سننه حديث رقم (3994) وصححه الألباني.
[2] أنظر كتاب أحكام المقاطعة، الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ص7).
[3] رواه ابن ماجة في سننه حديث رقم (2340) وصححه الألباني.
[4] رواه البخاري حديث رقم (4114) ومسلم (1764).
[5] رواه البيهقي في سننه الكبرى، كتاب السير، جماع السير، باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم حديث رقم (16765). وقال الألباني إسناد الزيادة حسن، أنظر إرواء الغليل ص289.
[6] رواه أحمد في مسنده حديث رقم (20739) وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.
[7] أنظر كتاب أحكام المقاطعة، الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ص18).
[8] مقال بعنوان: الشيخ سلمان العودة يدعو إلى مقاطعة شاملة ورفع شعار (استبدال أمريكا لا تعديلها). أنظر: موقع الإسلام اليوم.
http://www.islamtoday.net/salman/artshow-78-106610.htm

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.








المصدر: صيد الفوائد