عبد الناصر أمام قبر حسن البنا (نموذج للاستبداد)

منذ 2009-02-18

في 12 فبراير 1949 اغتيل الإمام حسن البنا رحمه الله (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين)، وفي 12 فبراير 2009 يكون قد مر 60 عام على اغتيال حسن البنا رحمه الله، ومع ذلك بقيت دعوته وجماعته التي أسسها...

ورغم تحفظي على بعض سياسة الجماعة، ومنهجها، وخلافي، إلا أنني لا استطيع أن أخفي اعجابي بتلك الشخصية المبهرة حسن البنا رحمه الله...

فقد عرفت شخصيات كثيرة سعت وتطلعت لإنشاء جماعات ولكنها لم تستطع أن تفعل في أكثر من ثلاثين عام 10% مما فعله حسن البنا في خلال 21 عام (1928-1949)... نعم فالإمام حسن البنا رحمه الله كان صاحب فضل على الدعوة الإسلامية بفضل الله لا ينكر مهما تباينت الآراء في تقييم دعوته واختلفت معه؛ فقد استطاع رحمه الله أن يعيد للدعوة والفكر الإسلامي حيويته واستطاع بفضل الله أن يؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سنوات قليلة لتشق طريقها وسط حالة حرب متنوعة ضد الإسلام والمسلمين.

لكن علاقة الإخوان بالسلطة كانت وما زالت محل جدل ونقد شديد سواء من بعض الإسلاميين أو غيرهم، وقد استوقفني منذ أيام خبر ملفت ومثير جاء فيه أن قطاع الأخبار باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، عثر في الأرشيف على فيلم قديم تاريخه يعود إلى شهر فبراير 1954، أي بعد خمس سنوات من اغتيال حسن البنا، وفيه يظهر كل من رؤساء مصر السابقين محمد نجيب وعبد الناصر والسادات أمام قبر الإمام الشهيد حسن البنا -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحد- في ذكرى تأبينه...

كان من الممكن أن يمر الخبر مثل آلاف الأخبار اليومية ولا يلتف إليه أحد، ولكن أهمية الخبر ترجع إلى التاريخ الأسود للرئيس المصري مع الإخوان والدعوة الإسلامية، لذلك كان لافتاً جداً ما ذكر أن عبد الناصر أعلن أمام قبر حسن البنا رحمه الله أنه سيظل ثابتاً على مبادىء البنا والإخوان ويجاهد في سبيلها!!!!؟، (أعتقد أنها من الطرائف الساخرة التي لا تتكرر وسجلها التاريخ)...

وكيف لا يكون الخبر ساخراً ومثيراً جداً ولم تمضي شهور على تلك الواقعة حتى تمت مسرحية حادثة المنشية التي قيل فيها أن الإخوان دبروا لقتل عبد الناصر، واعتقل عبد الناصر ما يقرب من عشرين ألف من الإخوان في ليلة واحدة، أعقبها الحكم بعدها بشهور على المئات من الإخوان بالسجن المؤبد والاعتقال الذي لا ينتهي، وفي السجون قتل بعد تلك الواقعة بشهور عشرات من الإخوان في سجن طرة فيما سمي مذبحة طرة الشهيرة!!

وكيف لا يكون الخبر ملفتاً ومثيرًا وقد علق عبد الناصر على أعواد المشانق خيرة رجال الإخوان ومصر والعالم الإسلامي بعدها بشهور، ومن أشهرهم المستشار الكبير عبد القادر عودة رحمه الله، والشيخ الأزهري محمد فرغلي، وغيرهم كثير رحمهم الله جميعاً، وبعدها بسنوات أعدم المفكر الإسلامي العظيم سيد قطب رحمه الله صاحب الظلال وما أدراك ما في ظلال القرآن (نحسبهم من الشهداء ولانزكى على الله أحد).

الحقيقة أن علاقة عبد الناصر بالإخوان كلها ملفتة ومثيرة جدًا بداية من شهادات المؤرخين التي تشهد أن عبد الناصر بايع الإمام حسن البنا وانضم إلى جماعته، مروراً بمشاركة الإخوان في انقلاب يوليو 52، بل ومشاركة بعضهم في الوزارات، وإن كان أعلن انفصالهم نهاية إلى فصولها المأساوية، وما شهده الإخوان المسلمون في عهده من اعتقالات وسجون وتعذيب وإعدامات وقتل وتشريد!!

لكن الشاهد فى ذلك الفيلم النادر الذي عثر عليه في الأرشيف هو أنه يحوي كلاماً لعبد الناصر متناقض تماماً مع ما حدث فيما بعد للإخوان، والحقيقة أن قسم عبد الناصر أمام قبر البنا بالوفاء بمبادئه كان للإعلام فقط، وللدعاية، وتدشيناً لانتهاء وجود الإخوان بالقرب من الحكم في الحياة السياسية؛ فقد تغير بعدها مسار الجماعة تماماً، وبدلاً من مقابلة أعضاء الحكم في القصور قابلتهم وهي في السجون!!

وقد أثبتت الوقائع أن عبد الناصر في عام 54 كان يضمر خطط ومؤامرات للإطاحة بجميع من حوله وأولهم الإخوان، وتوالت مؤامرته ضد أقرب الناس ممن كانوا معه في الحكم وأولهم محمد نجيب الأب الروحي لانقلاب يوليو الذي لم يسلم من عبد الناصر، وانقلب عليه وشرده هو وعائلته، ثم غيره كثيرون ممن الضباط الذين كانوا معه في انقلاب يوليو (يراجع شهادة كثير من الضباط الأحرار في كتبهم وحالياً شهادة اللواء جمال حماد في برنامج شاهد على العصر).

لكن الوحيد الذي سلم من عبد الناصر هو السادات؟؟!!، وهو أيضاً شهدت علاقته بالإخوان تناقضاً مثيراً حيث بدأ عهده في أوائل السبيعينات بالإفراج عن المعتقلين من الإخوان، وبدأ نحو تحالف سياسي مع الإخوان بخطوات ممزوجة بخبث السياسة، حيث كان السادات في حاجة إليهم ضد الشيوعين، ولكن النهاية لم تكن سعيدة؛ فقد زج بالمئات منهم في السجون فيما سمي قررات التحفظ (وما حدث من السادات رسالة مهمة كي يعي الإسلاميين كيف تستغلهم السلطة)...

ويبقى أن مشهد عبد الناصر أمام قبر الإمام حسن البنا يُعبر بعد 54 على مروره على حقيقة من خفايا موقف السلطة المستبدة من رجال الإسلام، بدأها محمد علي بنفي الشيخ عمر مكرم بعدما كان سبباً في توليته الحكم، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد عاد عبد الناصر يكرر الأمر مع جماعة الإخوان التي ساعدته في ثورة يوليو!!

(ومما يثير السخرية المملؤة بالمرارة الآن أن البعض يتندر بظلم عبد الناصر على مايراه الآن)!!

أعتقد أن ما جاء فى الفيلم المذكور من وقوف عبد الناصر أمام قبر البنا هو رسالة من السلطة المستبدة التي حكمت مصر أنها تريد الإخوان وكل الاسلاميين ومن سار على دربهم في القبر، بمعنى عدم الحركة مطلقاً أو بمعنى أصح أن لا يكون لها دور سياسي مطلقاً، وأن يهتم الإسلاميين بفقه المقابر فقط...

وتبقى تساؤلات هامة هل استفاد الإخوان مما حدث؟!، وهل يستفيد الإسلاميين من تجارب التاريخ مع المستبدين؟!، وحتى متى يتم إقصاء الإسلاميين من الحياة السياسية ومنعهم من الدعوة والزج بهم في السجون في الوقت الذي ينعم فيه الشيوعيون والعلمانيون والمتأمركون بكامل حريتهم السياسية والفكرية؟!

وأخيراً رحم الله الإمام حسن البنا، وجعل مثواه الجنة مع النبيين و الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.


ممدوح إسماعيل محام وكاتب Elsharia5@hotmail.com








المصدر: طريق الإسلام