مستقبل الصراع السياسي - (1) مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان

منذ 2015-09-26

الكل يراقب ويترقب محاولاً معرفة الإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان؟ وتأتي أهمية إجابة هذا السؤال من أن إجابته ستحدد مصائر ليس فقط المنطقة وشعوبها وأفرادها فردًا فردًا بل وستحدد مصير وشكل العالم والنظام الدولي كله.

الكل يراقب ويترقب محاولاً معرفة الإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان؟

وتأتي أهمية إجابة هذا السؤال من أن إجابته ستحدد مصائر ليس فقط  المنطقة وشعوبها وأفرادها فردًا فردًا بل وستحدد مصير وشكل العالم والنظام الدولي كله.  

لقد كتبنا سابقا هنا في ديسمبر 2014م عن خريطة الصراع السياسي في المنطقة العربية الآن وشرحنا أهداف أغلب القوى المتصارعة ووعدنا بشرح أهداف بقية القوى في حلقة تالية ولكن قعد بنا ضيق الوقت عن الإكمال كما أن بعض الأمور تغيرت بموت ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز وتولي الملك سليمان وفريقه للحكم بالمملكة ولجوءه للتحالف مع قطر وتركيا ضد المحور الإيراني مع تهدئة ما تجاه الإخوان المسلمون في أماكن والتحالف معهم  في أماكن أخرى، وموضوعنا اليوم ليس هو التكملة التي وعدنا بها ولكنه موضوع آخر وإن حمل في طياته - ضمن ما يحمل- التكملة.  

ذكرنا في المقال السابق المذكور أن هناك احتدام للصراع بين عدة مشاريع للسيطرة بالمنطقة هي:
 
-المشروع التركي بقيادة أردوغان. 
-المشروع الإيراني. 
-المشروع الأمريكي. 
-أتباع المشروع الأمريكي وهم مصر والأردن ودول الخليج العربي. 
-مشروع شبكة القاعدة والتي تغيرت أسماء منظماتها إلى جبهة النصرة في سوريا وأنصار الشريعة باليمن وليبيا وتونس. 
-مشروع داعش في المنطقة خاصة في سوريا والعراق. 
-مشروع الإخوان المسلمون في مصر وتونس واليمن وسوريا. 
-مشاريع جهادية إسلامية محلية في سوريا (كأحرار الشام كمثال) وليبيا (كفجر ليبيا ونحوها كمثال) وفي أفغانستان حركة طالبان كمثال.

ولكن طرأ تغير الآن حيث بلور الملك سلمان وفريقه مشروعاً سعودياً في المنطقة بالتحالف مع عدد من الحلفاء أبرزهم دول الخليج (عدا عُمان والإمارات) بالإضافة للمغرب والسودان وغيرهما.  

وكي نفهم مستقبل هذا الصراع لابد أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط وحينئذ سنجد هذه القوى هي:
 
-المشروع التركي بقيادة أردوغان:

 وجوهره الارتقاء بتركيا لتصير قوة عظمى دوليًا (هي الآن قوة عظمى إقليمية فقط) بجانب معارضة وإفشال أو على الأقل حصار المشروعين الإيراني والإسرائيلي، ويتوسل لذلك بعدة وسائل هي:

-تنمية تركيا اقتصادياً لأقصى حد يمكنه تحقيقه وذلك لحيازة القوة الشاملة كدولة وللحصول على تأييد الشعب التركي داخليًا لحزب أردوغان بما يتيح له إطلاق يده في العمل السياسي والاقتصادي داخلياً وخارجيًا.

-اكتساب التأييد الأمريكي والأوروبي لخطواته الإقليمية والدولية ويتوسل لهذا بحيل شتى آخرها محاربة إرهاب داعش.

-إقامة شراكات وتحالفات إقليمية مهمة تساعده على تحقيق سياسته الإقليمية والدولية مثل تحالفه مع قطر وحماس وأكراد العراق وأخيرًا السعودية.

-الحفاظ على شعرة معاوية مع أغلب غرمائه مثل علاقاته مع إيران وعلاقته السرية مع إسرائيل وهدنته لسنتين متصلتين مع تنظيم العمال الكردي.

ويوثق أردوغان علاقاته بالقوى التي تناهض المشروعين الأمريكي والإيراني بالمنطقة ويساندها لكنه يلعب في الملعب المأمون له فقط (بحسب ما استخلصته من المعلومات المعلنة) فيصعب أن يجازف بما يثبت علاقة له أو مساندة لقوى مصنفة أنها إرهابية بشكل قاطع لدى أميركا وأوروبا (باستثناء مساندته القوية العلنية والخفية لحماس) ولكنه قوي وأداءه السياسي قوي فربما يغض الطرف عن دعم لهذا أو ذاك بشكل يصعب على خصومه إثباته عليه.

-المشروع الجهادي العالمي:

تيار الجهاد العالمي متمثل في منظمة القاعدة وفروعها، وقد مر بثلاثة أطوار وآخرها هو طور رأت فيه الفروع المحلية لشبكة القاعدة أن ضغوط الواقع ومقتضياته (من حيث زيادة أعداد أعضائها في بقاع جغرافية محددة وحاجة هذا العدد لحيز جغرافي يأمن فيه على نفسه وأسرته ويخزن فيه معداته ويستقبل فيه الوافدين والمتعاطفين الجدد ولا يمكن أن يتأتى له ذلك في بيت أو مزرعة فقط كما كان الحال سابقًا) تجعله محتاجًا الى التحيز جغرافياً لبقعة من الأرض يحميها ويتحصن بها وتكون معروفة ليلوذ بها داعموه ومن هنا نشأت إمارات تابعة للقاعدة بعضها معلن وبعضها غير معلن مثلما حدث في العراق أيام أبو أيوب المصري وأبو حمزة المهاجر وفي اليمن والصومال ومالي وغيرها.

ومن هنا تظهر استراتيجية التنظيمات التابعة للقاعدة في الصراع الحالي وهو سعيها لتكوين دولة إسلامية في مكان ما في المنطقة العربية أو أفريقيا كي تتمكن أن تأمن على نفسها فيها وتحقق النموذج الإسلامي في الحكم الذي طال انتظاره منذ بداية حربهم مع أمريكا (بداية من الصومال في بداية التسعينات من القرن العشرين وحتى الآن)، ورغم أن مثل هذه الدولة قد تكون قاعدة ومنطلقاً لمواصلة الحرب ضد الولايات المتحدة إلا أنها قد تلين موقفها من الولايات المتحدة كما فعلت النصرة مؤخرًا أو قد تهدئ من إطلاق الهجمات كما هو الحال في الصحراء الأفريقية والصومال واليمن مؤخرًا وغيرها.

وهكذا بات الهدف العملي والأقرب للتطبيق في الصراع الدائر بالمنطقة بالنسبة لفروع القاعدة هو إقامة الدولة الإسلامية في بقعة جغرافية ما كلما أمكن وسوف يستمرون في الحرب حتى يتحقق لهم ذلك.

-مشروع تنظيم الدولة:

نشأ تنظيم الدولة عبر الاستقلال عن القاعدة وهذا الاستقلال وما واكبه من تغير فكري له أسبابه وطبيعته وليس هنا مناسبة تفصيله ولكن على كل حال فتنظيم الدولة خرج من عباءة القاعدة بعد طورها الأخير وهو طور إقامة الدولة لكن تنظيم الدولة أخذ يعطي إقامة الدولة زخمًا إعلاميًا كبيرًا كي يلعب على وتر المشاعر الجياشة للمسلمين الذين يعانون من الظلم والاستضعاف أو الاغتراب ويتشوقون لدولة تجسد مبادئهم يعيشون في ظلها آمنين، ومن هنا فتنظيم الدولة قاتل ويقاتل للحفاظ على صورته كدولة لأنه جعلها مبرر وجوده ومصدر شرعيته وأعلن أن أمير التنظيم هو خليفة المسلمين.

-المشروع الجهادي المحلي:

هو تيار إسلامي جهادي رأى أن من الصعب الدخول في حرب مع النظامين الإقليمي والدولي بجانب حربه مع النظام المحلي الحاكم ولذلك فهو لا يعلن مشروعًا أو أهدافًا لا إقليمية ولا دولية وإنما يركز على أهداف ومشروع محلي قائم على إقامة حكم إسلامي محلي داخل دولته مستخدمًا الجهاد المسلح لتحقيق مشروعه وقد رأينا تبلور هذا الاتجاه في عدد من المنظمات المهمة بكل من سوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونواصل التحليل في الحلقة التالية غدًا إن شاء الله.

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

 
المقال التالي
(2) مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان