وفاء قسطنطين .. مرة أخرى

منذ 2009-03-05
مشهد من مشاهد الطفولة لازال قابعاً في ذاكرتي لم يندثر مع ما اندثر من ذكريات رغم كر الأيام فقد كانت المرة الأولى التي أذهب فيها إلى المسلخ "يسمونه السلخانة" لأشهد ذبح الأضحية وكانت الذبيحة معقولة على باب المجزر تلهو بأكل بعض الأعشاب وكانت تتقافز قي مرح وهي لا تدري ما يخبأ لها فلما حان دورها في الذبح ساق بعض الأهل الذين قدموا لها الطعام من قبل الذبيحة إلى العنبر للذبح.

ونظرت إلى عينيها لأشهد نظرات الفرحة والمرح تتحول إلى نظرات من الرعب والفزع بعد أن أدركت المصير الذي ينتظرها لما رأت الجزارين يحملون في أيديهم السكاكين الملوثة بدماء الذين سبقوها إلى الذبح وأخذت تنقل نظراتها مذعورة بين أولئك الذين جاءوا بها غدراً إلى هذا المكان وبين أولئك الذين استقبلوها وفي أيديهم نهايتها البائسة تلتمس بين الجميع من يرثي لحالها ويسعى لإنقاذها ولكنها أدركت عبث ما تخيلت حين أسقطوها أرضاً لتتحول نظرات الحيوية والحياة في عينيها إلى نظرات الموت الجامدة.

لا أدري ما الذي أعاد هذا المشهد إلى مخيلتي وأنا أقرأ قصة وفاء قسطنطين المغدور بها ..لقد كانت في ذلك اليوم صائمة.. وجلست تتناول إفطارها وقد وقفوا حولها ينتظرون أن تنتهي منه ثم انطلقت معهم وهي تسير مطمئنة وقد أفهموها أنهم ذاهبون لجلسة المناصحة - وهو لقاء صوري جرى العرف أن يتم مع أحد القسس قبل إجراءات إشهار الإسلام - كانت سعيدة مستبشرة وهي لا تدري ما يراد بها لتفاجأ بهم يذهبون بها إلى فيلا في طريق موحش ينتظرها فيه حشد من القسس.

تخيلت عينيها تدوران بين أولئك الذين ساقوها غدراً إلى هناك وأولئك الذين انتظروها تبحث بينهم عمن تستجير به .. وشعرت أن العينين هما نفس العينين والذعر والخوف هما نفس الذعر والخوف.

لا أدري ما هي مشاعر أولئك الذين كلفوا بمهمة الغدر بها و ساقوها إلى هذه النهاية لعل بعضهم أشاح بوجهه ليخفي دمعة حزينة سبقت إلى وجنتيه قبل أن يدركها بالمنع، أو لعل آخرين شعروا بالخزي والقهر والهوان وهم يرون أنفسهم أضعف وأجبن من أن يهبوا لمناصرتها، أو لعل بعضهم لم يشغله كثيراً هذا الأمر ولا تلك النهاية ولم يشعر تجاهها بشيء وهز كتفيه غير مبال بشيء ولكن المؤكد أن الجميع قد نفذ الأمر وانصرف حزيناً كان أم غير حزين .. وهكذا غابت وفاء قسطنطين منذ سنوات...

ايه يا وفاء أين أنت الآن؟، وأي جدران تلك التي تحجبك عنا وتحجبنا عنك؟

هل هي جدران قبو في قاع دير من تلك الأديرة ذات الأسوار العالية اتخذوه سجناً لك تذوقين فيه طعم الذلة والهوان أكثر مما تلقين من عناء الجسد.. أم هي جدران قبر استرحت في أحضانه من خسة المنافقين وذلة المخلصين وجبروت الطغاة المتجبرين ..إنها محاكم التفتيش عادت من جديد لتنتصب من تحت ركام الزمن في أديرة وكنائس مصر.

أين هذه الملايين من المسلمين وأين أصواتهم الهادرة التي نسمعها في مباريات الكرة وأفلام السينما وفي المراقص والملاهي ومواخير الخنا ألم تسمعوا عن وفاء قسطنطين ألم تسألوا أين غابت أو كيف اختفت؟!

أين منظمات نسوان ختان الإناث والمرأة المعنفة وحرية الشذوذ والفجور ألم تسمع ضمائركم الميتة أنات المرأة المسكينة خلف الجدران .. ألم تشغلكم تلك النهاية المفجعة للمرأة المسكينة وفاء.

يا أكشاك حقوق الإنسان التي ملات أسواق الاسترزاق فى بلادنا وصدعت رؤسنا بحقوق البشر في المعاملة الكريمة وحمايته من الاعتداء عليه، ألم يخبركم أحد بوفاء قسطنطين وما وقع عليها من انتهاكات... أم ان حقوق الإنسان عندكم تنحصر في حقوق الشواذ والبهائيين والأفاقين.

يا رجال الدين والقانون ألم يبلغكم أحد أن هناك جريمة بل جرائم تحدث خلف هذه الأسوار العالية لا يسمع بها أحد ولا يراها.

ألا يوجد عندكم فى الدين أو في القانون مواد تحمي هؤلاء المساكين، تبحث عنهم وتتأكد من سلامتهم وتعاقب من ارتكب جريمة في حقهم؟، هل تستطيع مؤسسة من مؤسساتكم أن تتعرض للمتنصرين الذين يخرجون لنا ألسنتهم ويشاغبون أغلبيتنا المسلمة في قاعات المحاكم ويسرقون أبناءنا ليبيعونهم للأجانب بأبخس الأثمان.

لقد ظننت أن الجرح العميق قد اندمل بمرور الأيام ولكنه عاد ليفتح بقسوة هذه الأيام مع تكرار الحادثة مع الشابة الغضة عبير في ملوي بصعيد مصر نفس ما حدث مع وفاء وستذهب بل قل ذهبت لتلحق بوفاء وراء الشمس.. هكذا سلموها بمنتهى البساطة للكنيسة لتختفي في أحد الأديرة مثلها.. ما هذا الذي يجري؟!، أيبال هكذا في حلوقنا ونحن مكتوفوا الأيدي لا نملك حراكا ولا دفعا ..أي قانون، أو أي عرف، أو أي دين يسمح بذلك؟!، ألم يأن الأوان لتتحرك حكومتنا لتضع حدا لهذا الإذلال وهذا الابتزاز أم ينتظرون حتى تشتعل النيران فتحرق الأخضر واليابس؟!، حسبنا الله ونعم الوكيل.


أسامة حافظ









المصدر: المصريون