فلن أكون ظهيرًا للمجرمين

منذ 2015-09-28

في القرآن نظائر تحذرنا من الاقتراب من العون على أي ظلم، مهما اختلفت أشكال ومظاهر هذا العون.

"ترتع في ملاهي الجمال، أو ترتدي القمصان البيضاء، وفجأة إذا بك تسيح في أماكن الوحل، وتلبس ملابس مستقذرة، لا يطيقها حتى ضعاف الناس".

دعوة قرآنية استوقفتني، لهج بها موسى عليه السلام، حينما وكز القبطي فمات، فظللت فيها متأملاً؛ حيث غفر الله له وأكرمه بالعلم والحكمة، {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17]. كيف بعد هذه النعم، أن أقف مع ظالم، أو أدافع عن متجبر؟! لم تحبسنا ذنوبنا، أو تَكُفُّنَا خطيئاتنا، حتى بِتْنَا مؤازرين للباطل، صافين مع الظلمة، مشاركين في الرزية!

إن الظلم وهو ظلم شنيع أسود، يَشْتَّدْ اسوداده، حينما أشارك ظالمًا في ظلمه، وأُعِين طاغية في طغيانه، حيث اغتصب، أو استحل، أو استباح! كالمنطق العربي الهمجي القديم: "لا يسألون أخاهم حين يندبهم، في النائبات على ما قال برهاناً، يُهرعون إلى المساندة، ويَهُبُّون للموآزرة بدون برهان، أو قسطاس".

كل ذلك لا يجوز، حتى مع من أختلف معهم فكريًا أو مذهبيًا، بل الواجب، دفع الظلم وزجر الظالم، وقد صح في الحديث المشهور: « انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟!" قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» (صحيح البخاري [6952]).

ولهذا المعنى نظائر في كتاب الله تعالى: 

كقوله: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]، وكقوله: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف:51]، وكقوله: {وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105] أي ظهيرًا ومعينًا. وكقوله: {قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124] وإذا لم ينزجر، وأصر وكابر، فالمتعين تركه وخذلانه، فإن الله سينتقم منه ويقتص للمظلوم قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42].

إذا ظالمٌ أبدى من الظلم مذهبا *** وَلَجّ عتوًا في قبيح اكتسابهِ
فَكِِلْه إلى ريب الزمان فإنّها *** ستبدي له ما لم يكن في حسابهِ
فكم قد رأينا ظالما متجبرًا *** يرى النجم تِيهًا تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بظلمهِ ***أناخَتْ صروفُ الحادثات ببابهِ
فأصبح لا مالٌ ولا جاهُ يُرتجى *** ولا حسناتٌ تُلتقى في كتابهِ
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي *** وصَبّ عليهِ اللهُ سوطَ عذابهِ

للإمام الشافعي رحمه الله.

والظالم إذا لم نستطع إيقاف ظلمه، فلا أقل من هجره، والتباعد عنه، وعدم إعطائه أي مصداقية، لأنه شنار وعدوان، وهم متوعدون من الله بالهلاك كما قل تعالى: {قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ. رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:93].

ومن صور المظاهرة والإعانة المحرمة:
1- شهادة الزور، المثبتة لباطل، أو المانعة من حق.
2- التعاضد مع الأحلاف ولو كانوا ظلمة.
3- المحاماة عن اللصوص والقتلة والمعتدين.
4- الإشادة بالمجرمين والفاسدين كلامًا أو تأليفاً وخطابةً أو إعلامًا.
5- السكوت عن السرقة والناهبين، لمشاركتهم في القسمة.
6- إيجاد الذرائع للمجرم لكي يفعل ما يريد.

وقانا الله وإياكم الظلم والظلمات، والسلام.

------
بقلم: د.حمزة بن فايع الفتحي.