الصحابة جنود الإسلام

منذ 2015-09-28

كيف كان صحابة رسول الله خير جند للإسلام؛ بعقيدة راسخة وفهم ثابت.

تتلخص مزايا الجندي المتميز بما يلي: عقيدة راسخة، ومعنويات عالية، وضبط متين، وتدريب جيّد، وتنظيم سليم، وتسليح جيد. تلك هي مزايا الجندي المتميز في كل زمان ومكان، فهل كان جنود النبي صلى الله عليه وسلم يَتَحََّوْن بهذه المزايا العالية التي تجعلهم جيشاً قويًّا رصينًا؟ وهل كانوا يختلفون في شيء من ذلك عن العرب الذين ينتمون إليهم؟

والحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل جيش المسلمين يتحلى بكل هذه المزايا الرفيعة؛ فقد بذل غاية الجهد ليغرس كل هذه المزايا في نفوس المسلمين، وبذلك كوَّن منهم قوة لا تُغْلَب. وكانوا قبل حين كغيرهم من القبائل الأخرى، تطغى عليهم الأنانية الفردية، ولا يعرفون معنى الضبط والنظام، وليست لديهم عقيدة بالمعنى الصحيح. ليس من السهل أبداً أن ينجح إنسان في تبديل نفسية رجاله من حال إلى حال إلا بعون الله، ونجاحه هذا هو معجزة واقعية أكبر وأعظم من معجزات الخيال.

* عقيدة راسخة
آمن المسلمون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فهم يقاتلون لحماية ما آمنوا به من العدوان، حتى تكون كلمة الله هي العليا. وفي سبيل الدفاع عن عقيدتهم التي آمنوا بها كل الإيمان؛ تركوا أوطانهم وأموالهم وعرَّضوا أنفسهم للخطر، وقاتلوا حتى أولادهم وأهليهم وعشيرتهم. لقد بذلوا كل شيء رخيصاً في سبيل الدين الذي اعتنقوه.

التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، والأهل بالأهل؛ خالفت بينهم المبادئ ففصلت بينهم السيوف. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع المسلمين، وكان ابنه عبد الرحمن مع المشركين. وكان عتبة بن ربيعة مع قريش، وكان ابنه حذيفة مع المسلمين. وعندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مصير أسرى بدر، قال عمر: "أرى أن تمكنِّي من فلان -قريب عمر- فأضرب عنقه، وتُمكِّن عليًّا من أخيه -عقيل بن أبي طالب- فيضرب عنقه، وتمكِّن الحمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين".

ولما سحبوا جثة عتبة بن ربيعة الذي قُتِلَ يوم بدر؛ لتدفن في القليب، نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ابنه حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغيَّر لونه؛ فقال له: "يا حذيفة! لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟" قال حذيفة رضي الله عنه: "لا والله يا رسول الله فما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام؛ فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك".

وفي غزوة بني المصطلق، حاول عبد الله بن أُبيّ -رأس المنافقين- أن يثير الفتنة بين المهاجرين والأنصار، فأصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالحركة فوراً حتى لا يستفحل أمر الفتنة؛ وعند وصول المسلمين إلى المدينة، تقدّم عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمره بقتل أبيه؛ لأنه حاول إشعال نار الفتنة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عنه قائلاً لولده المؤمن: «إنا لا نقتله، بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا».

وفي غزوة بني قريظة طلب يهود حضور أبي لبابة لاستشارته، فسمح الرسول صلى الله عليه وسلم له بالذهاب إليهم، وسأله يهود: "هل ينزلون على حكم محمد؟" قال لهم: "نعم"، وأشار إلى حلقه؛ كأنه ينبههم إلى أن مصيرهم الذبح، لم يعرف أحد من المسلمين بإشارة أبي لبابة هذه إلى حلقه حين استشاره يهود، ولكنه أدرك لفوره بأنه خان الله ورسوله بإشارته تلك، فمضى هائماً على وجهه حتى ربط نفسه إلى سارية في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبقي على حاله هذا حتى تاب الله عليه.

وقبيل غزوة فتح مكة جاء أبو سفيان بن حرب إلى المدينة، فقصد دار أم حبيبة ابنته وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها طوت الفراش عن والدها، لأنها رغبت بالفراش عن مشرك نجس ولو كان هذا المشرك أباها الحبيب.

لقد أنفق المسلمون أموالهم في سبيل الله، حتى تخلّل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالعباءة، وكان يملك أربعين ألف دينار قبل الإسلام. فما الذي يدفع لمثل هذه الأعمال الرائعة غير العقيدة الراسخة والإيمان العظيم؟ وهل يقاتل أصحاب مثل هذه العقيدة كما يقاتل الذين لا عقيدة لهم إلا أهواء الجاهلية وعصبية الأنانية وحب الفخر والظهور؟ إن عقيدة المسلمين بسُمو أهدافهم جعلتهم يستميتون في القتال دفاعاً عن تلك الأهداف.

-------

محمد الغزالي