مستقبل الصراع السياسي - (5) مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان
ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان؟ وقلنا أنه كي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال فلابد أولاً أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط، وشرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي ومشاريع الجهاد العالمي والجهاد المحلي وتنظيم الدولة الإسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي والمشروع الإخواني وذكرنا في الحلقة الثالثة مشروع الإمارات-السيسي ومشروع إيران ثم ذكرنا في الحلقة الرابعة مشاريع الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا والصين في المنطقة ونختم هذه السلسلة بهذه الحلقة الخامسة والتي نذكر فيها توقعاتنا بشأن مستقبل المنطقة فيما يتعلق بأغلب المشاريع المذكورة في الحلقات السابقة.
ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية وأفريقيا وأفغانستان؟ وقلنا أنه كي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال فلابد أولاً أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط، وشرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي ومشاريع الجهاد العالمي والجهاد المحلي وتنظيم الدولة الإسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي والمشروع الإخواني وذكرنا في الحلقة الثالثة مشروع الإمارات-السيسي ومشروع إيران ثم ذكرنا في الحلقة الرابعة مشاريع الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا والصين في المنطقة ونختم هذه السلسلة بهذه الحلقة الخامسة والتي نذكر فيها توقعاتنا بشأن مستقبل المنطقة فيما يتعلق بأغلب المشاريع المذكورة في الحلقات السابقة.
مستقبل الصراع في المنطقة
سوف يستمر الصراع في المنطقة بين كل هذه القوى التي ذكرناها في الحلقات السابقة وفقاً للتحالفات القائمة الآن وإن كان البعض منها قد يتغير مع تطور الأحداث وعلى كل حال فسوف يستمر الصراع السياسي والحروب حتى يحدث التوازن بين من يصمد منها ويستمر باقيًا ولا يفنى حتى لحظة حدوث التوازن، والتوازن يحدثه أحد ثلاث عمليات:
الأولى: يطور الضعيف من هذه القوى نفسه ليتمكن من التوازن مع الآخرين الأقوى منه فلا يصبح هناك أي طرف ضعيف بل يستمروا كلهم بقدرة متوازنة مع بعضهم البعض فتقتنع كل قوة منهم بألا قدرة لها على إفناء خصومها فتختار تكريس الوضع القائم أي الأمر الواقع إما باتفاقات مقننة أو بصمت وإقرار ضمني بلا تقنين قانوني أو إعلان صريح.
العملية الثانية: يحدث إنهاك للجميع فيتساوى الجميع في الضعف فتحدث نفس النتيجة السابقة وهي توازن القوى وما يصحبه من قناعة بألا قدرة لأحد على إفناء الآخر.
العملية الثالثة: ينهك الأقوى بدرجة تقربه من درجة ضعف الضعيف ويتطور الأضعف فيرتقي لدرجة تجعله في مستوى الأقوى بعدما أنهك فيتوازنان ونصل لنفس النتيجة السابقة.
ورغم هذا كله فهناك قوى ستمحق وتزول وأخرى ستبقى فمن هي؟
ربما يزول طرفا الغلو يميناً ويسارًا ولكن من يزل لا يتحتم أن يكون زواله فيزيائي أو واقعي وإنما قد يعدل نفسه ليصير كأنه قوة أخرى جديدة لها خصائص سياسية وفكرية جديدة فيصبح قد زال شكله الفكري والسياسي وقدر من الجغرافي السابق على التعديل وظهر بكينونة جديدة.
إلى ماذا ستؤول الاتجاهات الموجودة الآن؟؟
سيتحول تنظيم الدولة وتنظيمات القاعدة إلى توجه يشبه توجه الجهاد المحلي وإن لم يفعلا ذلك فسوف يزولون تماما أو يضعفون جدًا بحيث لا يبقى لهم أي وجود حقيقي لكن ربما يبقى لهم مجرد وجود رمزي وشكلي عند نهاية مرحلة الصراع الحالية بوصول المنطقة لدرجة كبيرة من الاستقرار عبر توازن القوى.
وسيتحول غلاة العلمانية لموقف التظاهر بالإسلام التقليدي السعودي لكنه في جوهره علماني جداً لكنه يظهر هذا المظهر ليتعايش مع الحركات اًسلامية بغية كسب ودها كي تكف عن معارضته.
الأخوان لو ظلوا على نفس منهجهم السياسي والاستراتيجي دون أي تغير فقد يستفيدون من بعض الصفقات السياسية التي ستعقد بعد نهايات الصراع في كل دولة من الدول لكن أرباحهم ستقتصر على السماح لهم بحرية ما للتواجد عبر حركة سياسية ودعوية في كل دولة على حدة، ومع هذا سيفقدون قدرًا كبيرًا من أنصارهم كما سيفقدون الزخم الجماهيري الذي كان يصحبهم في العقود الثلاثة الأخيرة لأن كل تمدد جهادي أو علماني أو شيعي فهو يخصم من رصيدهم الجماهيري لأن جماعة الأخوان المسلمون جعلت منهجها السياسي والاستراتيجي على النقيض من هذه المشروعات الأخرى كلها منذ أربعين عاماً تقريباً ولم تبن أي جسور تعاون أو تحالف حقيقي مع أي منها.
ومن المتوقع أن يكون الكاسب الأكبر في نهاية المرحلة هو قوى الجهاد المحلي كأحرار الشام وفجر ليبيا وحماس ونحوهم لأنهم يعدون بديلاً عن تنظيم الدولة والقاعدة وفي نفس الوقت فإن قدراتهم وسيطرتهم على الأرض ستمنع القوى الدولية والإقليمية من إزاحتهم وإحلال الإخوان أو الإسلام التقليدي (السعودي) كبديل لهم، هذا إن توحدوا وتعاونوا ولم تضربهم سوسة الشقاق والخلاف الداخلي الذي لو حدث فسوف يقضي عليهم وينصر خصومهم.
وسيسعى خصوم التيار الإسلامي بعامة والجهادي منه بخاصة إلى اختراق الحركات الإسلامية ليس فقط للحصول على المعلومات من قلب قيادتها ولكن أيضا لتوجيهها وفقاً لأجندات القوى الإقليمية والدولية وتمزيقها ببذر بذور الشقاق بينها وضرب بعضها ببعض وسوف يستغلون حب الرياسة والتعصب الحزبي لتحقيق ذلك ولن تنجح أي حركة إسلامية إلا بتجاوز هذه العقبة.
وسيظل لإيران أماكن نفوذها خاصة بأجزاء من كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن.
كما ستتمتع السعودية بنفوذ ذي شأن بعد أن تكسر النفوذ الايراني وتقلل من قدراته وتمدده وذلك بشرط أن يظل آل سعود متحدين ولا يتنازعوا ويظلوا مصرين على المبادرة بالمنطقة.
وماذا عن القوى غير المتحيزة جغرافيًا مثل الإسلامين في مصر؟
هؤلاء يرتبط مصيرهم بمصير التغيرات الشاملة في المنطقة ككل إذ ما يحصل في سوريا والعراق وأفغانستان واليمن وليبيا والخليج وتركيا سيؤثر على مصر ونتيجة الصراع في كل هذه البقاع سوف تحدد نتيجة الصراع في مصر.
ما الشكل الجغرافي المتوقع في كل بقاع المنطقة؟
من المتوقع أن تتغير الجغرافيا السياسية في المنطقة وتتحول الكيانات إلى دول صغيرة بانقسام سوريا والعراق وربما اليمن وليبيا والصومال ومالي ونيجيريا وربما العديد من الدول الأخرى، وسيصير هناك دولاً تحكمها قوى الجهاد المحلي وأخرى تحكمها تنظيمات تابعة للقاعدة أو تنظيم الدولة بعد تعديل في موقفهما كما ذكرنا، بجانب استمرار الدولة السعودية وإيران وستعود طالبان لحكم أفغانستان، وسوف يتغير نظام الحكم في مصر ويتحول أولاً لنظام يشبه لنظام مبارك عام 2005م وربما يتحول في مرحلة تالية لنظام حكم يحكمه تحالف من الإخوان والعسكر لكنه سيظل في صراع مرير وطويل مع فصائل إسلامية تابعة لقوى الجهاد المحلي أو العالمي.
ما موقف اسرائيل من هذا وما مستقبلها؟
ستستغل اسرائيل الصراعات لبسط هيمنتها أكثر وأكثر على الفلسطينين في الضفة الغربية والقدس الشريف والضغط على غزة، كما ستستجم قوتها لانشغال المنطقة عنها فضلاً عن تحقيق العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية بفعل زيادة تعاونها مع مزيد من القوى بالمنطقة.
ما هو موقف الولايات المتحدة وأوروبا من أحداث المنطقة؟
المشروع الأقرب لقلب وعقل الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل هو مشروع الإمارات-السيسي (ويليه مشروع إيران، أما المشروع الصهيوني فهو مشروع الولايات المتحدة نفسها) لكنه هو الأبعد والأغرب عن طبيعة المنطقة الفكرية والاجتماعية بل والسياسية ومع هذا فستظل الولايات المتحدة تساند مشروع الإمارات-السيسي، وتراقب ما يحدث وسوف تنتهز الفرص المختلفة لانجاحه أو الضغط على خصومه لكن دون تورط في شيء واضح أي دون تدخل عسكري بري وسوف تتفاهم بشكل أو بآخر في النهاية مع من يحكم على الأرض ويتحكم في الواقع ويصير هو نفسه أمرًا واقعاً لا مناص عن التعامل معه وإن ظلت تتربص به الدوائر ما لم يكن على هواها.
وما تأثير هذه الأحداث علينا سلبًا وإيجابًا؟
لقد أوضحت السطور السابقة ما نتوقع أن تسير عليه الأحداث الى أن يهدأ الصراع السياسي والعسكري في المنطقة، ويمكن تدبر هذا التوضيح لمعرفة ما المصالح وما المفاسد التي ستترتب على سير الأحداث ومعرفة كيف نستغل الفرص التي تكمن في هذه الأحداث وكيف نتجنب المخاطر التي تحملها هذه الأحداث، ونتبين موقع أقدامنا ونتلمس سبل النصر وأسبابه وكما قال بعض السلف الصالح: "وتختلف الاستفادة بالعلوم بحسب القرائح والفهوم" وكما في الحديث النبوي الصحيح: «
».وعلى كل حال فبعد نشر هذه السلسلة من المقالات فسوف ننشر إن شاء الله سلسة أخرى أظن أنها لابد أن تكون قريناً لهذه دائماً فيصير هذا الزوج لا غنى عن دراستهما معًا لكل من يريد النصر والعز لهذه الأمة.
ماذا علينا تجاه هذه الأحداث عملاً فيها وتجهزًا لمراحلها المختلفة؟؟
هذا هو موضوع السلسلة الأخرى التي أشرنا إليها آنفا وسوف نكتبها عن "العمل الإسلامي" إن شاء الله لتكون قرينًا لهذه السلسلة التي انتهت بفضل الله ومنته، ونسأل الله تعالى أن ييسر لنا هذا.
عبد المنعم منيب
صحفي و كاتب إسلامي مصري
- التصنيف: