أخي هل تجيب النداء ؟
الأسباب المعينة على الإستيقاظ لصلاة الفجر
أما بعد:
أيها المسلم الحبيب:
هذه الرسالة فيها التذكير بأعظم فريضة من فرائض الله بعد الشهادتين. إنها الصلاة وأخص صلاة الفجر بذلك. فهذا نداء طالما سمعه بعضنا ولكنه تناساه وأهمله. إنه نداء صلاة الفجر، ذلك النداء العظيم، فأحببت التعاون معك واضعاً لهذه المشكلة ما يعين على علاجها بإذن الله. وهي على قسمين:
القسم الأول: الأسباب الروحية (الإيمانية)
1- إدراك فضل الصلاة ومكانتها وخاصة الفجر:
يقول سبحانه وتعالى: { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [الإسراء: 78].
وروى مسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله »
ولذلك اعلم أخي الحبيب:
إن هذا الدين الحنيف يأمر بالصلاة في جميع الأحوال. في السلم والحرب والصحة والمرض، وصلاة الفجر تناديك، وتعلمك بفضلها. روى الطبراني عن ابن بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه » قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. قال النووي رحمه الله: الذمة هنا الضمان وقيل الأمان، قال العلامة المباركفوري: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "فهو في ذمة الله" أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة.[تحفة الأحوذي].
وإذا لم تكن في ذمة الله. فيا ترى في ذمة من أنت؟؟ الشيطان وحزبه؟ قال تعالى: { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [المجادلة: 19].
2- البعد عن صفات المنافقين:
فعلى المسلم أن ينفي عن نفسه صفة المنافقين، لأن صلاة الفجر هي أثقل الصلوات عليهم، وروى الإمام أحمد كما في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً » أي كما يحبو الصغير، وهاهو ابن مسعود رضي الله عنه يقول: " ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق " [رواه مسلم].
ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن". [رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه]
وروى الإمام ابن حزم عن عطاء قال: "كنا نسمع أنه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق" ، المحلى لابن حزم.
وروى الإمام الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لو أن رجلاً دعا الناس إلى عرق أو مرماتين لأجابوه وهم يدعون إلى هذه الصلاة في جماعة فلا يأتونها. لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس فأضرمها عليهم ناراً إنه لا يتخلف عنها إلا منافق » كما في المسند وقال عنه الشيخ أحمد شاكر سنده صحيح.
وهذا يعطي درساً بأن النفاق ليس من صفات النفس المؤمنة المنقادة لخالقها سبحانه وتعالى، والنفس البشرية تأنف من أدنى عبارة جارحة أو لمزة نابية فكيف أن تعد من المنافقين.
3- إدراك الأثر في عدم القيام لهذه الصلاة:
إن الصلاة لها نور وتركها ظلمة، وظلمتها على جميع الجوارح، بل وكآبة في النفس وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مالك والبخاري وأبو داود، عن نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام، ثلاث عقد. يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان » فإذا كان هذا في قيام الليل فكيف بصلاة الفجر.
وهذا الأثر السيئ لا يظهر إلا على الذين لا يصلون الفجر في جماعة، فترى أثر ذلك على صاحب العمل وحتى الطالب في المدرسة وغيرهم.
واسمع إلى هذا الحديث: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل نام ليلة حتى أصبح: "وما أكثرهم في زماننا" قال: « ذاك رجل بال الشيطان في أذنه » ، أو قال « أذنيه » .
فكم من نائمٍ بال الشيطان في أذنه؟ نسأل الله أن لا نكون منهم.
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: البول هنا حقيقي فهو يبول، وينكح ويتناسل، بكيفية لا يعلمها إلا الله.
ولذلك عليك أن تردك الأثر في الإستيقاظ من طيب النفس، والبعد عن صفات المنافقين، إن الأثر لا يقف على ذلك، بل حتى المصالح الدنيوية الصحية وغيرها فإنك تكسبها، فبعد صلاة الفجر يستنشق من الجو غاز يسمى غاز الأوزون، فإن هذا الوقت هو أعلى نسبة لوجوده في الجو وله تأثير مفيد على الجهاز العصبي، ومنشط للعمل الفكري والعضلي.
4- عمارة القلب بالإيمان:
إن هذا القلب الذي بين جنبيك له عليك حقوقٌ، فهو وعاء تراه يمتليء بأي شيء، فاملأه بالخير، وخصوصاً الإيمان، فإن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية ، فحرصك على صلاة الفجر، وندمك على فواتها، دلالة على عمارة قلبك بالإيمان، فما أجمل الطاعة، ففي أثرها يقول تعالى: { لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ } [الفتح: 4].
5- الهمّة وصدق النية:
إن قوة الهمة والإرادة وإخلاص النية، تجعلك تصل إلى المعالي، وصدق ابن الجوزي رحمه الله عندما قال عن علو الهمة ودنائتها: من علامة كمال العقل علو الهمة والراضي بالدون دني.
ولم أر في عيوب الناس عيبا |
كنقص القادرين على التمام |
فقو الإرادة واشحذ الهمة، ترى بإذن الله تعالى أن الاستيقاظ قد أصبح
سهلاً ميسوراً.
6- الحرص على آداب النوم:
إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء هو أسلم الهدى. فالمحافظة
على هديه قبل النوم من نوم على طهارة، والقيام بالأذكار الواردة من
آيات وأحاديث لها أثر في ذلك، وإياك والنوم على جنابة فإنها مكسلة
ومؤثرة.
7- البعد عن المعاصي (وخاصة في الليل):
إن ختام عمل الإنسان اليومي بطاعة. يتقرب بها إلى ربه، لهو من أفضل
الخير. بدل النوم على المعاصي من أفلا ومجون ولهو إن ذلك له أثر على
قلب المسلم ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الذنوب جراحات ورب جرح
أوقع في مقتل، ويقول أحد السلف: حرمت قيام الليل بذنب أصبته.
القسم الثاني: الأسباب العملية
1- التبكير في النوم وعدم السهر:
أخي الحبيب: إن نبينا صلى الله عليه وسلم، أخبرنا بأن الجسم له حق
علينا، فإن إطالة السهر له تأثير على صحة الإنسان. فالنوم المبكر خير،
والكلام بعد صلاة العشاء ورد النهي عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم
كما في الصحيح إلا ما اسثناه الدليل من مسامرة الزوج زوجته، والجلوس
مع الضيف، ومدارسة العلم، أما إذا خشي فوات صلاة الفجر فلا يجوز،
وكذلك إذا ترتب على الدعوة إلى الله وأعمال الخير فوات صلاة الفجر حرم
ذلك، أما ما تراه من انتشار المجالس، ويا ترى تقضي في أي شيء؟!! إن
اللهو هو علمها، والفراغ شعارها، فإياك وإياهم.
2- الحرص على القيلولة:
إن راحة الجسم بعد عناء التعب، يعطيه استجماماً، ونشاطاً، وحيوية،
والقيلولة.
في اللغة هي النوم، أو الراحة، وسط النهار أو عند الظهيرة أو بعدها.
ماعدا النوم بعد صلاة العصر فإنه مفتر ومكسل، ويعين على السهر.
فالراحة وإن كانت قليلة، فلها أثر بإذن الله.
3- تأخير الوتر:
إن الوتر من السنن المؤكدة، وحث عليها الإسلام، فتأخير الوتر، إلى
قبيل الفجر، له أثر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً
» [متفق
عليه].
فكلما جعلت استيقاظك قبل الفجر، نلت خيراً كثيراً، فعن ابن عمر رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بادروا الصبح بالوتر » [رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن صحيح]. وأما من خشي أن يستيقظ آخره فليوتر أوله لحديث أبي
هريرة أنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: « صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وأن
أوتر قبل أن أنام » [متفق عليه] وقد أوصى كذلك أبا
الدرداء بذلك كما عند مسلم.
4- الاستفادة من الوسائل الحديثة:
إن ما يمر على الإنسان من تطور، واختراع وابتكار ينبغي له أن يسخره في
الخير ومن ذلك:
الساعة المنبهة:
فاحرص على اقتنائها، وشراء أفضلها، وخاصة تلك التي إذا أطفأتها عادت
ونبهتك، بعد خمس دقائق، فالحرص عليها وعلى توقيتها التوقيت المناسب،
ووضعها في مكان لا تستطيع إطفاءها إلا بقيامك من نومك، واحذر عبث
الأطفال بها بإطفائها أو تغيير مكانها.
الجوال والنداء وهاتف المنزل:
وهذه أجهزة ذات حدين. فغلب نفعها في الخير، وخاصة الصلاة. وقت أي واحد
منها، على وقت معين. وينبهك بإذن الله بدل وضعها في الجيوب وإخراجها
أمام الناس للمباهاة.
5- إيصاء الأهل والأصدقاء:
ويعجب الإنسان بقوة اهتمام بعض المسلمين بأمور الدنيا، وكثرة ما يوصي
بعضهم بعضاً عليها: فما أجمل هذا أن يكون في الصلاة، وخاصة الفجر.
فيتعاون الوالدان مع أبنائهم. ويا ليت بعض الآباء يهتم بإيقاظ أبنائه
للصلاة كما يوقظهم للعمل وللمدرسة، ولحوائجه وشئونه.
ويتعين على الصديق مع صديقه ذلك سواء بنصيحة أو اتصال. أن الله سبحانه
وتعالى يقول: { وَتَعاَوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة: 2].
6- عدم الإكثار من الأكل والشرب:
إن حرص الناس اليوم على الأكل والشرب وانتشار المطاعم دليل على ذلك
فإن كثرة الأكل تولد ثقلاً في النوم، بل حتى الطاعة لتقل، والخشوع
ليذهب، لأن من أكل كثيراً، تعب كثيراً، ونام كثيراً، فخسر كثيراً،
فقلل من العشاء.
7- عدم الإنفراد في النوم:
إن البطر وحب الذات. جعل الكثير يميل إلى أن ينام وحده. لشهوات ذاته،
وحب الاستغراق في النوم، إلا من شاء الله. وأنت تعلم أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى أن يبيت الرجل وحده. كما رواه الإمام أحمد. لأنه
ربما يغلبه النوم فلا يكون عنده من يوقظه للصلاة.
8- إخبار الإنسان أهله أو من معه إذا غير مكان نومه:
لأنك تعلم أنه قد يظن أنك قد خرجت إلى المسجد، أو أنك غير موجود في
البيت، وإخبار الأهل مفيد في ذلك وحتى في أمور الحياة الأخرى.
9- عدم التكاسل في القيام بعد الإستيقاظ:
فإن التكاسل ربما يتسبب في نومة، وهذه النومة ربما تفوت عليك صلاة
الفجر جماعة بل ربما تفوتك مصالحك وهذا واقع مشاهد، بل بادر بعد
الإستيقاظ، إلى الذكر الوارد،وأوقد المصباح، أو ضع ماء بجانبك، وامسح
به وجهك، فإن ذلك له أثر في طرد النعاس.
عدم الإسترخاء في الاضطجاع بعد الوتر إذا أخره قبل الفجر أو بعد سنة
الفجر لمن ليس عنده من يوقظه وإن كان الاضطجاع قد ورد عن نبينا محمّد
صلى الله عليه وسلم أنه قال عنه: « إذا صلى أحدكم فليضطجع على يمينه » [رواه الترمذي].
والاضطجاع هو وضع رأسه على كفه وإقامة الساعد وهو مستلق واضطجاعه صلى
الله عليه وسلم ربما كان يغط بعده ولكن كان عنده من يوقظه وهو بلال
رضي الله عنه. فقد كان يعلمه بالصلاة ولكن كم من إنسان فعل هذا وما
استيقظ إلا بعد طلوع الشمس.
10- عدم إرهاق الجسم:
إن عمل الإنسان اليومي ربما يكون له أثر، فاحرص على عدم تكليف الجسم
أكثر مما يستطيع، لكي يعينك على ما تريد من الطاعة ولذلك أوصى النبي
صلى الله عليه وسلم، أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام لما
كان يفعله بالنهار فإذا كان هذا في شأن الوتر فكيف بصلاة الفجر واستعن
بالله في الخير.
تنبيه وتذكير:
وهو للذين يوقظون غيرهم لصلاة الفجر:
1- احتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى والصبر على ذلك لأن الله تعالى
يقول: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ
وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [طه: 132] فلا تسأم، ولا تفتر، فتقول
أيقظتهم ولكن لا يصلون، أو لا يريدون الصلاة فتتركهم.
2- عليك بالرفق واللين. فإن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، ولا نُزع
من شيء إلا شانه. وقد يحتاج إلى شدة في الإيقاظ ولكن بعد الرفق،
وصبّرك الله على ثقلاء النوم.
3- استعمال الوسيلة النبوية، وهي نضح الماء في وجه النائم برفق وذلك
بعد إيقاظه والتأكد من قيامه، وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم
الرجل والمرأة، الذين قاما من الليل.فإن الأسلوب الحسن له في ذلك أثر
طيب، لأنه ربما يقع شجار وسب وشتم، ولا بد أن يتحمل من النائم الإساءة
فإنه مرفوع عنه القلم ولا بد من التأكد انه قد استيقظ فكم من شخص
يكلمك ويخبرك أنه قد استيقظ وإذا هو غير ذلك، وعند إيقاظ النائم لا بد
من كشف الغطاء الذي عليه بعد التأكد من ستره، فما دام في الدفء فإنه
يصعب ذهاب لذة النوم عنه.
وأخيراً:
أخي: إن صلاة الفجر لا تأخذ من وقتك إلا دقائق فاحرص عليها ومسجد حيك
يناديك بقوله:
وجلجلة الأذان بكل حي |
ولكن أين صوت من بلال |
|
منائركم علت في كل ساح |
وسمدكم من العباد خالي |
رسالة:
إلى إمام المسجد وكل مسؤول، علينا تذكير الناس بهذه الفريضة المهملة التي لا يحسبها كثير من الناس من جدول عمله فضلاً أنها من طاعة ربه وعلينا أن نكون قدوة في أعمالنا وأخلاقنا ونعوذ بالله أن نكون ممن قال الله تبارك وتعالى فيهم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2].
وصلى الله على نبينا محمّد وآله وصحبه أجمعين.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: sales@dar-alqassem.com
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
إبراهيم بن مبارك بوبشيت
إمام وخطيب جامع علي بن أبي طالب بالأحساء في السعودية
- التصنيف: