إسرائيل تمضي في تحقيق حلم تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا
ماهو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى؟ وكيف يبدو حلم إسرائيل ومتى يتحقق؟ وأين سيادة الأردن على المسجد؟ وما الذي تخشاه إسرائيل ويمنعها من تحقيق حلمها؟
مهدت الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة -والتي زادت عن حدتها خلال السنوات القليلة الماضية بحق المسجد الأقصى المبارك- الطريق إلى تحقيق حلم صناع القرار داخل إسرائيل بتنفيذ بعض من المشاريع والقوانين لتفتيت أبنية المسجد، وتقسيمه، وفرض إقامة استيطانية حوله. أبرز ما يتعرض إليه الأقصى في الوقت الحالي هو تنفيذ خطة تقسيمه زمانياً ومكانياً، بعد أن كان محطَّ نقاش داخل أروقة الكنيست الإسرائيلي ضمن مسودة قانونية عام 2012م، ليصبح واقعًا نعيش فصوله اليوم.
أولاً: ما هو مشروع خطة تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً وعمرياً؟
التقسيم الزماني: وهو تخصيص أوقات معينة لدخول المسلمين المسجد الأقصى وأخرى لدخول اليهود، ويقتضي منه اقتسام ساعات اليوم وأيام الأسبوع والسنة بين اليهود والمسلمين؛ حيث يستوجب على المسلمين مغادرة الأقصى على ثلاث فترات، صباحًا، وظهرًا، وعصرًا. ويأتي تخصيص هذا الوقت لليهود بحجة أنه لا صلاة للمسلمين في هذا الوقت؛ ليتم السماح لليهود بأداء ثلاث صلوات في اليوم داخله، كما يتم تخصيص الأقصى لليهود خلال أعيادهم، والتي يقارب مجموع أعدادها نحو 100 يوم في السنة، إضافة إلى أيام السبت طوال السنة، كما يحظر رفع الأذان خلال الأعياد اليهودية.
التقسيم المكاني: وهو تخصيص أماكن بعينها في المسجد الأقصى لكلٍّ من الطرفين؛ إذ يهدف إلى تخصيص أجزاء ومساحات من المسجد الأقصى يقتطعها الإسرائيليون ليحولوها لكنائس يهودية لأداء صلواتهم فيها.
ولتمرير ذلك عمل الاحتلال خلال الفترات السابقة على إنشاء طرق ومسارات خاصة لهم للتمهيد للتقسيم المكاني، والذي يشمل السيطرة بالقوة على جميع الساحات الخارجية للمسجد الأقصى أما الأماكن المسقوفة -مثل مصلى قبة الصخرة والمصلى المرواني- فتكون للمسلمين، ويشمل هذا التقسيم مخططات لبناء الكنيس اليهودي والهيكل.
التقسيم العمري: وهو تحديد أعمار من يحق له الصلاة في الأقصى ومن يحظر عليه الدخول، وقد بدأ الإحتلال بتطبيقه في السنوات الخمس الأخيرة تحت ذريعة أن الشباب دون سن الـ 40 عامًا يُطلقون الحجارة ويشتبكون مع الإسرائيليين الذين يقتحمون المسجد بمن فيهم رجال الشرطة؛ لكن الهدف الحقيقي من وراء هذا الإجراء ليس لمنع الشباب من إلقاء الحجارة والاشتباك مع رجال الشرطة وسيادة الأمن والاستقرار كما تدعي السلطات الإسرائيلية؛ وإنما لتنفيذ وتطبيق من يحق له دخول المسجد الأقصى وتحويله إلى قاعدة عامة لتتمكن من التحكم والسيطرة على ساحات المسجد.
ثانيًا: ما هي خطة التقسيم المطروحة للمسجد الأقصى؟
كشفت -مؤسسة الأقصى للوقف والتراث- عن وثيقة وخارطة، تتضمن مسودة مشروع مقترح لوضع قوانين ولوائح تنظم تقسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود؛ حيث يعدها نشطاء من حزب الليكود يطلقون على أنفسهم (قيادة يهودية) يتزعمهم نائب رئيس الكنيست الحالي (موشيه فيجلين). مضمون الوثيقة هو: أنه يتوجب تخصيص مساحة في الجهة الشرقية من المسجد الأقصى، تشكل خُمس مساحة ما يسمى (جبل الهيكل)، وتمتد من محاذاة مدخل المُصلَّى المرواني في الجهة الجنوبية الشرقية من الأقصى مرورًا بمنطقة باب الرحمة وانتهاءً عند باب الأسباط، أقصى الجهة الشرقية الشمالية من الأقصى.
ووفق المخطط أيضًا ستكون هذه المساحة بمثابة كنيس يهودي، توزع فيها مساحات لإقامة الصلوات اليهودية الفردية والجماعية، وهي المساحة القريبة الموازية لمقبرة باب الرحمة، وفق أوقات زمنية محددة متوزعة على أيام الأسبوع وأخرى على مواسم الأعياد والمناسبات اليهودية.
وتنص المسودة على تقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، ويحدد مساحات لكل منهما؛ وهذا يعني أن المُقترَح يقوم على أساس أن كامل مساحة المسجد الأقصى مكان مقدَّس أو معبد يهودي اسمه (جبل الهيكل)؛ ولكن بسبب الظروف الحالية يمكن السماح للمصلين الفلسطينيين الصلاة فيه ضمن ترتيبات يتم الاتفاق عليها. وينص المقترح على تخصيص الجامع القبلي المسقوف وفيه -فقط- تؤدى الشعائر والصلوات الخاصة بالفلسطينيين، ويخصص بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه بإقامة الكنيس في الجهة الشرقية.
ثالثًا: هل نصت إسرائيل قانونيًا على مشروع تقسيم الأقصى؟
لابد من الإشارة إلى أنه لم يكن سرًا الطموح الإسرائيلي منذ احتلال شرقي القدس في حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967م -السعى لتقسيم الأقصى ابتداءًا، وربما هدمه لإقامة المعبد المزعوم انتهاءًا، مشفوعًا بفتاوى حاخامية وانتهازية سياسية لهذه النصوص الدينية البالية. وتشير جملة الإجراءات الإسرائيلية خلال العقود الماضية التي أعقبت ضم شرقيّ القدس -عقب احتلالها عام 1967- و إصدار سلسلة قوانين وأنظمة لتغيير ملامحها -من مدينة فلسطينية عربية إسلامية إلى إسرائيلية يهودية- بما في ذلك مصادرة نحو 70% من أراضيها، وتوسيع حدودها -من 5.6 كم2 إلى 70 كم2- التمهيد الفعلي لتقسيم المسجد الأقصى.
وبَدَر حينها عن المؤسسة الإسرائيلية -بشقيها السياسي والأمني- العديد من الإجراءات والممارسات التي هدفت لجسّ النبض الفلسطيني والعربي لإمكانية الإقدام على سيناريو تقسيم المسجد الأقصى، تمَثَل أخطرها في الاقتحام الإستفزازي الذي قام به (أريئيل شارون) أواخر أيلول/سبتمبر 2000، وأسفر عن اندلاع انتفاضة الأقصى. لكن ما يجري اليوم هو -من وجهة النظر الإسرائيلية- قانوني، وليس عبثاً؛ حيث في منتصف عام 2012 تم طرح مسودة قانون داخل أروقة الكنيست الإسرائيلي لتقسيم المسجد مكانياً وزمانياً بين المسلمين واليهود. وهي الخطة التي يعتقد الفلسطينيون أن تطبيقها بدأ بالفعل مع الاقتحامات التي يقوم بها المستوطنون تحت رعاية الحكومة الإسرائيلية.
وبدأ الاحتلال بتنفيذ خطته في فترة ما بعد اتفاق أوسلو؛ من خلال عَزْل كل القدس عن الضفة الغربية، وإقامته الجدار العازل والحواجز التي تمنع دخول المقدسيين وفلسطينييّ الداخل من الوصول إلى الأقصى الشريف.
وتقضي المُسْودة الإسرائيلية -التي أعيد طرحها في الكنيست الإسرائيلي عام 2013؛ لكن النواب العرب تصدوا لها بشدة- بتخصيص وقت محدد للمسلمين للصلاة في الأقصى، ووقت محدد أيضًا لليهود ليقوموا بصلواتهم وطقوسهم، أي بنفس الطريقة التي فرضها الاحتلال في المسجد الإبراهيمي بالخليل، والتي انتهت بسيطرة اليهود على 60% من المكان، والمسلمين على 40%.
رابعًا: ما هي الأطراف الإسرائيلية الداعية لهذا المشروع؟
يستند الإسرائيليون وصناع القرار تحديدًا -عند المُضي في تنفيذ خططهم- إلى طلب رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) قبل نحو 20 عامًا السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي، باعتباره مكاناً مقدساً، وجب على إسرائيل بسط سيطرتها عليه، فهو حق لما تسميه (الشعب اليهودي وليس للأردن لكي يكون وصيًا عليه).
لذلك سعى العديد من الوزراء الإسرائيليين في الحكومة لتغيير الواقع في المسجد الأقصى؛ من خلال التذرّع بإتاحة حرّية العبادة لليهود، حتى شهدت الأشهر الأخيرة -وتحديدًا في النصف الثاني من العام الماضي- تصعيدًا من السلوكيات الإسرائيلية -الرسمية وغير الرسمية- تجاه تحقق سيناريو تقسيم المسجد الأقصى.
فمن الطبيعي جدًا أن يؤيد هذا القرار في الوقت نفسه رجال الدين في إسرائيل؛ والذين يُقرّون بعدم شرعية تواجد المسلمين في المسجد الأقصى، كونهم يبررون أن عودتهم المزعومة إلى إسرائيل قد جاءت من منطلقات دينية، وليست بدوافع سياسية أو اقتصادية فقط.
حتى أن وزارة الأديان الإسرائيلية تسعى -عبر مساعٍ رسمية وقانونية- إلى التقسيم؛ بدعوى أن منع اليهود من أداء طقوسهم فيه خرق لحرية العبادة. فيما المفوضية اليهودية -التي توازي دار الأوقاف الإسلامية- تشرف على متابعة الخطط التي كانت تعدها اللجان البرلمانية المختلفة في الكنيست بشأن تأمين اقتحامات اليهود للمسجد خلال موسم الأعياد اليهودية. في المقابل، تجد أوساطًا إسرائيلية نافذة -في مستويات صنع القرار الإسرائيلي- تتخوف من تبني أي قرار لتقسيم الأقصى؛ بسبب إحتمالية إشعاله حالة من العنف. حتى أن المؤسستان الأمنية والعسكرية لا سيما الشاباك والجيش -يؤكدان: أن الحديث عن التقسيم وتكرار اليهود اقتحامه، سيؤدي لاندلاع موجة هجمات تفجيرية واحتجاجات جماهيرية واسعة.
هذه الأصوات -التي تبدو رافضة لتكثيف اقتحامات الأقصى تمهيدًا لتقسيمه- لا تناقش في أصل (الحقّ اليهودي) بـ (جبل المعبد)؛ ولكنّ تصريحاتهم هذه تأتي في سياق المطالبة بالتّروّي والتدرّج لتحقيق هدف التّقسيم؛ منعًا لردّات فعل يصعب السيطرة عليها.
خامساً: من هم المرابطون داخل الأقصى؟
ما إن يُذكر أي اقتحامات لساحات المسجد الأقصى المتكررة، حتى يتم الإشارة إلى جماعات المرابطين حوله، وهم من سكان القدس، وأراضي الـ 1948م، من فئات عمرية مختلفة نساءاً ورجالاً، مهمتهم الأولى صد أي انتهاكات ضد الأقصى، والتصدي لجنود الإحتلال عند التنكيل به. ويتواجد المُصلّون في المسجد في الساعات الصباحية، وبعد الظهر؛ للتأكيد على تمسكهم بالمسجد الأقصى ومنع المستوطنين المقتحمين من أداء أي طقوس دينية في المسجد، بينما بعضهم ينشغل في مصاطب العلم: وهي حلقات للعلم وتدريس علوم القرآن والسنة النبوية الشريفة تجري في الساعات الصباحية. المرابطون منذ سنوات الإنتفاضة الثانية عام 2000 يظهر نشاطهم، ويتواجدون باستمرار داخل باحات الأقصى، حتى باتوا يشكلون هاجسًا لدى جنود الإحتلال الإسرائيلي، فبدأت عمليات التضييق والخناق والمنع من دخول الأقصى تزداد عامًا بعد عام.
ومع الاقتحامات الأخيرة؛ وقَّع وزير الجيش الإسرائيلي (موشيه يعالون) أمرًا، أدرج بموجبه المرابطين والمرابطات وطلاب مصاطب العلم في المسجد الأقصى المبارك كتنظيمين محظورين، واعتبارهم عاملين رئيسيين في خلق التوتر والعنف، وتقويض ما يسمى بـ (سيادة إسرائيل على جبل الهيكل).
وتهدف إسرائيل من وراء ذلك إلى منع تواجد المصلين في المسجد أثناء الاقتحامات الإسرائيلية له في الساعات الصباحية تحديدًا. بيد أن الحركة الإسلامية داخل مناطق الخط الأخضر تؤكد: أن المرابطين ليسوا تنظيمًا ولا جمعية حتى يتم إخراجهم عن القانون؛ وإنما هم يُعبّرون عن حالة شعبية تحمل الحب والعشق للأقصى.
سادسًا: الأردن وصية على المقدسات الفلسطينية... ماذا ستفعل؟
عام 1924م بدأت السيادة الأردنية على الأقصى، وتنقلت سنوات لاحقة لقيادات محلية فلسطينية؛ لكن بعد حرب عام 1948، وعندما أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تابعة للحكم الأردني، عادت الوصاية أردنية بلا منازع. أخذت الأردن على عاتقها منذ تلك اللحظة حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية من أي عبث أو انتهاك إسرائيلي، فالدور الأردني الهاشمي في الأقصى ومقدساته وإعمارها وصيانتها قد مرّ بمراحل طويلة زادت على الثمانية عقود، وهو مستمر رغم الظروف السياسية الصعبة والمعقدة.
ويُشار إلى أنه: في 25/فبراير/ 2014م، ناقش الكنيست الإسرائيلي في خطوة هي الأولى من نوعها نزع السيادة الأردنية عن الأقصى، وطالب عضو الكنيست من الليكود (موشي فيغلين) نقلها إلى البرلمان، داعيًا لسيطرة إسرائيلية عوضًا عن الأردنية؛ بحجة أن من يحكم جبل الهيكل يحكم البلاد كلها. وأغضبت حينها مناقشات الكنيست حول سيادة الأردن الذي يحظى بالوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، حسب ما نصت عليه اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل العام 1994، فضلًا عن الاتفاق الموقع بين الملك عبدالله الثاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس حول الوصاية الهاشمية لتلك الأماكن. لكن الكنيست تراجع عن مناقشة سحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس؛ لِتُجنب إسرائيل ليس غضب المسلمين والمسيحيين فقط؛ بل غضب المجتمع الدولي والدول الكبرى بالذات التي تحاول جاهدة عقد اتفاقية سلام دائم بين العرب والإسرائيليين.
في الوقت الحالي ومع ارتفاع وتيرة الاقتحامات في الأقصى والحفريات أسفله، لم يتخذّ الأردن أي إجراء فعلي لحماية المسجد؛ بيد أن أعضاء في مجلس النواب الأردني يرون أن الخيارات الدستورية مفتوحة أمام المجلس في الضغط على حكومة بلاده، بما فيها طلب استدعاء سفيرها في إسرائيل للتشاور. وكان العاهل الأردني -الملك عبد الله الثاني- قد حذَّر في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، من أن استمرار الاستفزازات الإسرائيلية من شأنها أن "تؤذي العلاقة" الأردنية الإسرائيلية، وهو بخلاف ما نقلته وسائل إعلام محلية للتصريحات مترجمة بأنها قد تؤثر في العلاقة.
--------------
الكاتب: بثينة اشتيوي.
- التصنيف:
- المصدر: