معضلة اللاجئين الفلسطينيين عموماً والعراق خصوصاً
منذ 2009-07-06
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
يسعدنا في هذا اليوم الخميس الموافق 14/5/2009 أن نلتقي الشيخ الداعية الفلسطيني الأستاذ خباب الحمد الباحث الإسلامي والمراقب في الشأن السياسي فأهلا ومرحبا بك في هذا اللقاء الخاص في موقع (فلسطينيو العراق):
ونبدأ بالسؤال الأول وهو: كيف تتابعون الوضع في العراق المحتل؟، وما هي انعكاسات ذلك على اللاجئين الفلسطينيين هناك؟
ج 1) بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام النجباء المبجَّلين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حياكم الله تعالى، وبارك في مساعيكم، وجعل ما تقومون به من خدمة لقضايا المسلمين في ميزان أعمالكم وحسناتكم يوم تلقون ربكم.
العراق الحبيب احتلاله مصيبة من مصائب هذا الزمان، وأصدقك القول بأنَّ اليوم الذي سمعت فيه بسقوط بغداد بأيدي الأمريكان، كان يوماً عصيباً جداً، بل لم أكد أصدِّق هذه المصيبة التي حلَّت بواقع المسلمين، وتمثَّلت حينها بقول الشاعر إذ قال:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر *** رجعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم أجد في رده أملا *** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
الوضع في العراق بات وضعاً قلقاً للغاية بل محيرا، فلا يزال الاحتلال الأمريكي وأعوانه يجثم على هذه الأرض المسلمة، ولا يزال بني إيران يكيدون لأهل السنَّة والجماعة ويدبرون لهم المكائد والقتل البشع والمجازر الدموية، ولا تزال حكومة العراق منغمسة بأوحال الفساد والاستبداد والطغيان، والمصيبة أنَّ الكل يدعي أنَّه أب للوطنيَّة وأنَّه ينافح عن هذا الوطن المسلوب المكلوم أهله بجراحاتهم التي لا زالت تنزف، وكما قال الشاعر:
فلو كان سهماً واحدا لاتقيته *** ولكنَّه سهم وثان وثالث
والمؤلم في الحقيقة عدم توحد الجهود الجماعيَّة الجهاديَّة السنيَّة المقاتلة للعدوان الأمريكي وحليفه المعتدي على أرض العراق، فترى الخلافات والشجارات والخصومات بين شتَّى الأطراف الجهاديَّة وكل يقول أنا الذي ـ وللأسف ـ فالخلافات مقدَّمة لدى الكثير منهم على الموافقات، والتمزيق أكثر من التنسيق، وهذا كله يضعف القوة والبنية الجهادية السنيَّة في العراق!.
نعم لا زالت ألوية الجهاد معقودة وهنالك من الأعمال التي تفرح المسلم في مقاتلة أعداء الله، لكنَّي أرى أنَّ الوضع في العراق بحاجة لعقول حكيمة ربَّانية تجمع بين العلم والأدب والحلم، وسعة الأفق وبعد النظر، والرؤية الاستراتيجية الواضحة بناء على المنهج الرباني الإسلامي الحنيف.
كل ما ذكرته ينعكس على وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، أولئك اللاجئين الذين لم ترحمهم هذه الحكومة العراقيَّة سيئة الذكر، ولم تنظر لاسمهم الذي ينزف دماً ودمعاً، ومع أنَّ كلمة اللاجئ تثير في كوامن النفس معاني التشريد والمعاناة والاضطهاد، وكلمة الفلسطينيين تذكرنا بمعاناة الشعب الفلسطيني الذي ذاق الويلات تلو الويلات تحت حكومات واحتلالات متعاقبة لم ترحم وجود وكيان الشعب الفلسطيني الذي يرزح منذ أكثر من قرن تحت فساد سياسي واستبداد قسري واحتلال تسعفي واضطهاد كبير إجرامي.
ومع هذا كله فلم يقع اللاجئون الفلسطينيون في العراق إلاَّ تحت سياط الجلاَّد، ورحمة الرصاصات التي أودت بالكثير منهم إلى التعذيب والقتل ومجازر الإبادة الجماعيَّة البشعة تحت يد الاحتلال الأمريكي من جهة والمليشيات الرافضيَّة المجرمة من جهة وتحت القوات الحكوميَّة العراقيَّة من جهة أخرى.
العجيب يا أخي أنَّ من أسباب كراهية وحقد المليشيات الشيعية الحاقدة أنَّهم حينما رأوا صدَّام يقوم بالإنعام والإغداق على الفلسطينيين بسبب نكبتهم الحقيقيَّة التي جرت لهم، وكذلك لأجل مصالحه السياسيَّة والشخصيَّة والقوميَّة آنذاك، وبدلاً من أن يتضامن أولئك الشيعة الذين يدَّعون الأخوة الإسلاميَّة مع اللاجئين الفلسطينيين، ولا يجعلونهم طرفاً في الحرب أو الحقد تجاههم باعتبارهم ضيوف في هذا الوطن، بيد أنَّهم قاموا بصبِّ جام غضبهم على تلك العوائل والانتقام منهم شر انتقام والقيام ضدَّهم بأعمال عنف لو رآها الرائي لطار لبَّه من قسوتها... وبما أنَّ العوائل الفلسطينية في العراق سنيَّة فالحقد المبطن أصلاً بكراهية أولئك الشيعة الروافض لأهل السنة وكراهيتهم لصدَّام من جهة وحقدهم عليه، كله أدَّى لأن يقوم الشيعة بما قاموا به من حملات إبادة وتهجير لهم!.
لقد أعدت اللجنة العربية لحقوق الإنسان في باريس، دراسة موسعة حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، قام بها الناطق باسم اللجنة د. هيثم مناع لأماكن تواجد اللاجئين وقد أشار الدكتور مناع إلى حجم التضليل الذي مورس حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، حيث أكد أن الهدايا والعطايا التي كان يعلن النظام عن تقديمها للفلسطينيين ما هي إلا أخبار إعلامية لم يرها اللاجئون على أرض الواقع، كما أبدى استغرابه من الأخبار التي كانت تنشرها صحف عربية قبل احتلال العراق عن الامتيازات التي يتمتع بها اللاجئون هناك.
وعن انعكاسات ذلك الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين على أوضاع اللاجئين في العراق، فقد تحدث رئيس رابطة فلسطيني العراق؛ بأن وضعهم يزداد من سيئ إلى أسوأ خاصة بعد تفعيل القرار (51) لعام 1975 الذي يعامل الفلسطيني كلاجئ سياسي.
وأمَّا المصيبة الكبرى لهؤلاء اللاجئين فما نجده كذلك في وضعهم المأساوي في المخيمات الصحراوية، والعجب العجاب كيف ترفض الدول العربيَّة استضافتهم في حين أنَّ هنالك دولاً أوروبيَّة وفي أمريكا اللاتينيَّة تقبل بهم وتستضيفهم، وذلك في تصفية واضحة لقضيَّة حق العودة وإعادة التوطين!.
وأختم في نهاية الجواب عن سؤالك يا أخي الكريم أنَّه يجب أن نعلم أنَّه منذ احتلال العراق وحتَّى عام 2008م قتل أكثر من 300 فلسطيني - نحسبهم شهداء ولا نزكي أحداً على الله تعالى - وجرح قرابة 100 وتم تهجير أكثر من 3000 عائلة إلى أكثر من ثلاثين دولة معظمها في أوربا ولا يزال قرابة 3000 فلسطيني في الصحراء على الحدود العربية منذ ثلاث سنوات في ظل صمت وتقصير دولي وإسلامي وإقليمي وعربي إلا القليل منهم، أليس ما جرى لهذا الشعب اللاجئ إلى العراق جريمة تضاف إلى الجرائم المرتكبة بحقه!!.
س2) هل هناك مشروع ومخطط لتصفية قضية اللاجئين عموما؟، وفي العراق على وجه خاص؟
ج2) في البدء مهم أن أقول أنَّه يقدر عدد الفلسطينيين في داخل فلسطين وفقا لإحصائية مركز الإحصاء الفلسطيني في نهاية عام 2004 بنحو 4 ملايين و106 آلاف فلسطيني، أما عدد اللاجئين في الشتات فقد بلغ حتى نهاية عام 2003 نحو 4 ملايين و843 ألفا و427 لاجئا يعيشون في المنفى في الشتات، أي أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني مشرد في مخيمات الشتات وفي الدول العربية والغربية!.
وعليه فضرورة قصوى إدراك الأساليب والألاعيب التي تقوم بها المنظومة الدوليَّة في الضغط على الرؤساء والملوك والساسة لاعتماد سياسات تقوم على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وغيرها بالطبع من الأمور الفلسطينية المشكلة والعالقة .
ومما يلاحظ في هذا الشأن أنَّ كثيراً من المشاريع الدوليَّة والإقليمية التي تعنى بفكرة تعويض اللاجئين الفلسطينيين وسحب معنى اللجوء إلى التوطين الحقيقي في البلاد التي يقيمون فيها، هذه المشاريع في الكثير منها وخصوصاً المشاريع الأمريكية يشرف عليها يهود أمريكان في مراكز دراسات وأبحاث يقدمون أفكارهم، ومن بين هذه المشاريع مشروع باحثة يهوديَّة واسمها: دونا إيزرت، حيث أعدَّت في عام 1999 مخططاً لتوطين الفلسطينيين ، وتضمَّنت دعوتها بكل فجاجة الدعوة لتهجير الفلسطينيين وإعادة توزيع خمسة ملايين و257 ألف فلسطيني على دول منطقة الشرق العربي وبعض دول الغرب كحل نهائي للصراع العربي الصهيوني.
بل إنَّ مشاريع التوطين للفلسطينيين في أماكنهم لتصفية وجودهم قديم، ففي القرن التاسع عشر الميلادي أبدى البارون ادموند روتشيلد وقد كان ممولاً رئيسياً لمشاريع المغتصبات الصهيونية، هذا الشخص المسمَّى بادموند أبدى استعداده لتقديم الدعم المادي للعرب الذين يقبلون بالهجرة من فلسطين ومغادرتها نهائياً إلى بلاد العراق!.
وهنالك مشاريع أخرى لا ينساها الفلسطينيون، ومن ضمنها المؤتمر المشبوه والمسمى بمؤتمر هرتسيليا الخامس في نوفمبر عام 2004م حيث كان فيه قمَّة الهجوم الصهيوني على حق العودة، والمناداة والمطالبة صراحة بتوطين اللاجئين قبل حل القضية الفلسطينية كما أعلن في وقتها وزيري الخارجية والمالية شالوم ونتنياهو، مع مطالبة رئيس الوزراء الأسبق شارون بإسقاط حق العودة، وذلك لأنَّ الدولة (المزعومة) العبريَّة اليهودية باتت تدرك مدى المعادلة الحقيقية فيما لو رجع الفلسطينيون لأراضيهم وأنَّ هذا الأمر سيكون مركب رئيس في معادلة الصراع ونسبة الأكثريَّة التي تحدد شيئاً كبيراً من حق تقرير المصير، والتأثير الديمغرافي على التركيبة السكانيَّة، وكل ذلك في النهاية سيؤثر حتماً على الدولة العبرية ولأجل هذا بدأت تصرِّح هذه الدولة وتنادي بدون خجل أو مواربة بتنفيذ عمليات توطين اللاجئين من خلال مساعدات دولية.
ولقد كان من أواخر المخططات لتصفية حق اللاجئين الفلسطينيين للعودة إلى ديارهم المؤتمر المعروف (أنا بوليس) حيث كانت له أهداف رسميَّة معلنة، ولكنَّ من أهدافه الخفية والتي أدركها الكثير من الساسة وأصحاب الفكر وخبراء الاستراتيجيا والرؤية المستقبليَّة المبنية على قراءة الماضي ودراسة الحاضر ورسم سيناريوهات المستقبل، حيث يجري الضغط من الرباعية وزعيمتها أمريكا على الطرف الفلسطيني للتنازل عن حق عودة اللاجئين وذلك من خلال صيغة اتفاق لعودة اللاجئين الفلسطينيين لأراضي ما يسمى بالدولة الفلسطينية، والتنازل عن حقوقهم في أراضيهم التي اغتصبها اليهود الصهاينة ، وذلك للحفاظ على يهوديَّة الدولة الإسرائيليَّة.
وهنالك خططاً خفية يشرف عليها رئيس الحكومة الصهيونية ووزارة الخارجية وكذلك رئيس دائرة أراضي إسرائيل، حيث يتوجهون إلى العائلات الفلسطينية المقيمة في بعض المدن الأمريكية وكذلك الدول الأوروبية والعربية ويقدمون لهم عروضاً مغرية بأموال تقارب مئات الآلاف من الدولارات لكي يقبلوا بالتعويض عن أراضيهم، ويقبلوا بشرط التنازل عن أملاكهم وأراضيهم التي احتلت في حدود عام 1948م.
هذا مع العلم أنَّ قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يقضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم فضلاً عن تعويضهم لحقوقهم المالية التي فقدوها، كل ذلك سيلقى به في سلة المهملات ولن يلتفت إليه وخصوصاً مع كثرة الدندنة على مشاريع وهميَّة لحل قضية اللاجئين أشبه ما يكون بذر الرماد في العيون ونتيجتها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً أنَّ قرار: (194) جاء بعد قرار إجرامي ومجحف، وذلك حينما جاء الأمر بتقسيم فلسطين من قبل الأمم المتحدة عام 1947م بقرار كان رقمه : (181) وفيه المطالبة بل الأمر بإنشاء وطن يهودي قومي لليهود، وتنفيذ المحتل البريطاني لهذا القرار ومباركة المجتمع الدولي له وعلى رأسهم أمريكا.
علينا أن نعي أنَّه ما من خير يأتينا من يهود، وهي الأمَّة الغضبيَّة التي غضب الله عليها ولعنها، وأمة المكر والخداع والمخاتلة، وهي الأمة التي لا تؤمن إلا بالقتل بل هي التي قتلت أنبيائها ، فلا غراوة إذاً أن نجد فلاديمير جابوتنسكي يدعو بكل صفاقة ووقاحة لترحيل العرب من فلسطين بالقوة فقط، وكان يقول: "يمكن أن تكون غالبية يهودية، وبعدها دولة يهودية، فقط برعاية القوة، ومن وراء جدار حديدي لا يقوى السكان المحليّون على تحطيمه".
ولكننَّا في النهاية نقول كما قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [سورة الأنفال: 30]، وبقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [سورة الطارق: 15-17]، وبقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة يوسف: 21].
س3) لماذا عند كل محنة يمر بها بلد عربي يكون الضحية الأول فيها اللاجئ الفلسطيني؟، والعراق نموذجا؟
ج3) باعتقادي أنَّ هذه القضية الفلسطينية صارت مسلخاً يتبارى فيها جميع طغاة الأرض الصغار لكي يقدموا قرابين لشيطانهم وطاغوتهم الكبير (إبليس) في الفت من عضد أهل هذه البلد وقضيتهم، وهذا ينعكس حتماً على اللاجئين الفلسطينيين.
ولك أن تلاحظ الآن حينما قامت الحرب بين الجيش اللبناني ضد فتح الإسلام، فقد كان المتأذي الأول في تلك الحرب أولئك اللاجئون الفلسطينيون، وكذلك حين قامت الحرب في العراق وجدنا اللاجئين الفلسطينيين قد وقعوا تحت فرس رهان أولئك الساسة الذين يسنون حرابهم على أولئك اللاجئين المساكين، بل حتَّى اللاجئين في مخيمات الشتات داخل الأرضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة نالوا من الشتات والضياع والغربة الشيء الكبير، وخصوصاً ما بعد انتفاضة الأقصى، ولا ننسى ما حدث من مجازر جماعيَّة أدانتها هيئات أمميَّة وحقوقيَّة عالميَّة مثل مجزرة مخيم جنين، وكذلك ما جرى من قصف لمدارس الأونروا أثناء قصف قطاع غزة الحبيب الصامد وكذلك الحال في كثير من الدول العربية نالت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلاء شديدا.
اللاجئ الفلسطيني لم تعد له كرامة يا أخي، وليست هنالك دولة حقيقية تدافع عنه وتعطيه حقوقه ، فضلاً عن ضعف مطالبة المجتمع الدولي والمنافحة لحقوق أهل الحقوق من اللاجئين المنكوبين.
أرى كذلك أنَّ السلطة الفلسطينية تتحمَّل القسط الأكبر من الإثم، فما دام أنَّ السلطة الفلسطينيَّة هي السلطة المخولَّة بالحديث باسم الفلسطينيين فأين دفاعها الحقيقي عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وضغطها على المجتمع الدولي واستخدام جميع أنواع القوة لدرء المصائب عن اللاجئين الفلسطينيين الذين ما فتئوا يخرجوا من مصيبة إلاَّ وتأتيهم مصيبة أخرى!.
اللاجئ الفلسطيني بات الحلقة الأضعف في هذه المعادلة بحكم اغتصاب أرضه، وكما تعلم فإنَّ جميع العرب الذين كانوا في العراق وقد استهدف بعضهم، بيد أنَّهم غادروا العراق وكل له وطن عاد إليه، وأمَّا اللاجئ الفلسطيني فإلى أين الفرار والنجاة والنجاء، أين يذهب؟!! .
وبالأصل فإنَّ اللاجئ الفلسطينيّ اضطر للجوء إلى الدول المضيفة؛ لأسباب تتعلق بالانتهاكات الجسيمة التي ارتُكِبَتْ بحقه، وعلى رأسها أعمال الطرد والمجازر التي دفعته إلى الرحيل، الأمر الذي أدى إلى تحويل معظم الشعب الفلسطيني إلى لاجئين.
أذكر لك يا أخي الكريم قصَّة حدثنيها أحد الإخوة الفلسطينيين الثقات، حين دار بيني وبينه حديث عن النكبة الجديدة للاجئين الفلسطينيين الذين كانوا في العراق، حيث قال لي أنَّ لديه زوجة في سورية من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وأنَّ لها أختا لاجئة في العراق، وأخرى في الأردن، وأخرى بمصر، وأخاها الرابع في اليونان، والخامس بالسويد، والسادس بالإمارات، وآخر في مخيم التنف على الحدود العراقيَّة السوريَّة، ووالدهم في بغداد، وهذا مثال بسيط يدل على عمق معاناة الفلسطينيين اللاجئين!!.
س4) ما هي الرؤية الشرعية لقضية اللاجئين الفلسطينيين؟، وما مستقبل حق العودة في ضوء معطيات الواقع؟
ج4) أود أن أذكرك في البداية بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سورة الفتح: 39]، وهذا ما جرى لأهل فلسطين حيث خرجوا من ديارهم بغير حق، فالمسألة واضحة يا أخي، شعب كان يعيش في وطنه، فأتى جيش محتل وطرد أهل هذا الشعب من وطنهم تحت مآسي القتل والتعذيب والاحتلال والمصادرة للأراضي بقوة السلاح وبمعاونة المجتمع الدولي.
وهنالك أكذوبة ترددها بعض الصحف والكتابات الصهيونية وهي أنَّ تشريد اللاجئين الفلسطينيين لم يكن بسبب عمليات الإبادة التي يقوم بها أولئك الصهاينة ضدهم، لأنَّهم كانوا في وضع الدفاع عن أنفسهم ضد الجيوش العربية، وأنَّ اللاجئين فروا من أراضيهم بناء على أوامر من الجيوش العربية وليس بفعل الإرهاب الصهيوني ضدهم، وخير ما يمكن أن نرده على هؤلاء أن نقول بأنَّ هذه الادعاء الكاذب، قد فنَّده ( الكونت برنادوت) في تقريره الذي استندت عليه الأمم المتحدة في إصدار القرار 194 حيث جاء في التقرير: "أن عرب5 فلسطين لم يغادروا ديارهم ويهجروا ممتلكاتهم طوعاً أو اختياراً، بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب التي قامت بها السلطات الإسرائيلية ضد العرب الآمنين". وانتهى في تقريره إلى أن قضية فلسطين لا يمكن حلها إلا إذا أتيح للاجئين العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
إن ملايين اللاجئين في العالم عادوا إلى أوطانهم باستثناء الفلسطينيين، الذين يمثلون حوالي ثلث تعداد اللاجئين في العالم، ولهذا فإنَّ عودة أولئك اللاجئين لأراضيهم وديارهم التي كانوا يعيشون فيها ويتفيئوا ظلالها ويأكلوا من خيراتها حق شرعي ومطلب عقائدي، بل حتى القوانين الأرضية توافق عليه، فعلام يريد أولئك الذين يزايدون على قضيتنا بأن يقبل اللاجئون التعويض المالي ويبقوا عائشين في ملاجئ الشتات؟!!.
ولنفترض جدلاً أنَّه لا يوجد قانون دولي يدعم حق اللاجئين الفلسطينيين في الرجوع لأراضهم وتعويضهم عمَّا جرى لحقهم من أعمال عنف ومجازر بشعة، فإنَّ شريعة السماء تقضي بوجوب الجهاد في سبيل الله واسترداد هذه الأراضي المغتصبة التي كانت للمسلمين في فلسطين.
ولهذا لا يجوز التنازل عن هذه الأرض ولا بيع جزء ولو يسير منها للعدو الصهيوني، بل الواجب عليهم أن يعودوا لهذه الأرض ويحولوا بين المغتصبين لها من اليهود ولو قضى بعضهم حياته في سبيل المدافعة في ذلك لكان من الشهداء فقد قال عليه الصلاة والسلام: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أرضه فهو شهيد» كما أخرجه الإمام أبو داود في سننه بسند صحيح، وهذه الأرض أرضنا وليس لهم أصلاً أي حق فيها، والحقوق لا تستجدى، ولكن تنتزع انتزاعاً، ولا يفل الحديد إلا الحديد، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلاَّ بالقوَّة.
والعاقل يدرك أنَّ من باع شيئاً من أرضه ولو بقناطير مقنطرة من الذهب، فإنَّ هذه خيانة لله ورسوله وللمؤمنين، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٢٧﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 27- 28].
لقد انعقد في القدس يوم20/10/1353هـ اجتماع كبير لعلماء ودعاة فلسطين: من مفتين وقضاة ومدرسين وخطباء، وأصدروا بالإجماع فتوى بخصوص بيع الأراضي في فلسطين لليهود، وأنَّ ذلك البيع يحقق المقاصد الصهيونيَّة في تهويد هذه البلاد الإسلاميَّة المقدَّسة وإخراجها من أيدي أهلها وإجلائهم عنها وتعفية أثر الإسلام بخراب المساجد والمقدَّسات الإسلاميَّة كما وقع في القرى التي بيعت لليهود وأُخرج أهلها متشردين في الأرض؛ فقد اتَّفقوا على أنَّ البائع والسمسار والوسيط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود عاملٌ ومظاهِرٌ على إخراج المسلمين من ديارهم، وأنَّه مانعٌ لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، وهو كذلك متخذ اليهود أولياء؛ لأنَّ عمله يعدُّ مساعدة ونصراً لهم على المسلمين ومؤذٍ لله ورسوله وللمؤمنين، وخائن لله ولرسوله وللأمانة).
ثمَّ أوضحوا أنَّ أولئك الباعة والسماسرة والوسطاء في بيع أراضي فلسطين لليهود: "كل أولئك ينبغي ألاَّ يصلَّى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتقار شأنهم وعدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخواناً أو أزواجاً، وأنَّ السكوت عن أعمال هؤلاء والرضا بها مما يحرَّم قطعياً".
ونحن نقول هذا لأننا ندرك مآلات خطورة هذا البيع، فبيع المسلم لأرضه يؤدي في النهاية إلى امتلاك الكفار المحتلين أراضي المسلمين شيئاً فشيئاً ، وينعكس هذا على كثرة وجود المحتل الكافر المغتصب، وتصير لهم الأغلبيَّة، ومن ثمَّ تشريع القوانين الأرضيَّة الوضعيَّة وتحيكم غير شرع الله تعالى، وهذه أمَّ المصائب والكوارث!!.
ولهذا وجدنا بعض أهل العلم في فلسطين يفتون بكفر وردة من قام ببيع أرضه في فلسطين لليهود، وأنَّ من سعى لذلك فهو مرتكب لجريمة شرعيَّة، وخيانة واضحة واقعية، وهو بفعلته الشنعاء تلك قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، ومن استحلَّ ذلك فإنَّه كافر لأنَّه مكَّن أعداء الدين من أرض المسلمين، وصار بمثابة المولي لهم، وهذا الأمر يوقع المرء في الردة والمروق من هذا الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأتذكر أني قرأت لشيخنا العلاَّمة عبد الرحمن عبد الخالق في إحدى اللقاءات معه أنَّه يرى وجهاً شرعياً لتكفير من قام بهذا الفعل من باب أنَّه نوع من التمكين لليهود في هذا وكأنَّه إعطاء لهم بصك شرعي في هذا الامر، ولهذا رأى الشيخ عبد الرحمن أنَّ القول بالتكفير في ذلك له وجه شرعي مسوغ....
ولهذا فلا يسقط حق العودة ولا يحل التنازل عن شيء من هذه الأرض سواء تحت بند اتفاقية أو كتابة وثيقة أو معاهدة تقضي بتعويض اللاجئين فكل هذا لا يرضي أهل فلسطين الصابرين الصادقين، فأرض فلسطين أرض وقفيَّة إسلامية خراجيَّة ، والوقف لا يجوز التصرف فيه حتى من الحاكم إلاَّ بما يوافق الشرع الرباني، بل لو تنازل عنها الفلسطينيون جميعاً ـ ولن يكون هذا بإذن الله ـ فإنَّه يلزم أهل الأرض أن يستردوها ولا يبقوها لكيان مغتصب.
ولهذا فلا يجوز لأي شخص كائناً من كان رئيساً أو حاكما أو أميراً في فلسطين أن يتنازل عن شبر من أرض فلسطين بغية تحقيق صلح مع بني صهيون أو تهدئة، لأنَّ هذا الأمر يخالف جمهور رأي المسلمين في فلسطين وخارجها، وهذاً فضلاً على أنَّ الحاكم الآن لا يحكم بشريعة الإسلام بل بقوانين وضعيَّة، والأصل أن يكون الحاكم شرعياً يحكم بما أنزل الله ويكون مؤتمناً على الدين والأرض وليس بأن يتصرف الحاكم بهذه الأراضي بناء على رأيه وخصوصيته، وخصوصاً أنَّ هذه الأراضي ليست ملكاً عاما بل هي لأناس لهم عليها حق تمليك وصكوك وعقار وأمور شخصيَّة لا يحق لصاحب الملك العام أن يتدخل فيها جميعا بحسب ما يراه من مصلحة موهومة.
والواجب على الحاكم أن يعلن أنَّ هذه الأرض يستحيل التنازل عنها بأي ظرف كان، لأنَّ الأمر أبعد من تحقيق تنازل مقابل مصلحة، فهذا لن يكون، والذي سيكون هو تحقيق تنازل مقابل تنازلات عديدة، وتوسع صهيوني في بناء دولتهم الكبرى من النيل للفرات.
لهذا لا يجوز أخذ التعويض المادي والقبول به عن حق عودة اللاجئين فالأوطان ملك لهذه الأمَّة وليست ملكاً لشخص محدد معينة وسواء أكان ملكاً أو رئيساً، أو محكوماً أو صغيراً لكي يتنازل عنها، وأمَّا قبول أموال لأجل التشريد الذي لحق أهل فلسطين فلا باس به بناء على أنَّهم راجعون لأراضيهم.
فإن الآباء يرثون الأجداد، وأن الأبناء يرثون من الآباء، وأن الأحفاد يرثون من الأبناء وهكذا فالحق قائم لا يسقط مهما طال الزمان وتوالت الأجيال، ثمَّ إن عدم القدرة عن استعادة الحق كاملاً لا يبرر التنازل عنه مطلقاً ولا عن جزء منه.
س5) فلسطينيو العراق تعرضوا لمجازر وانتهاكات حقيقية بعد عام 2003 على يد الميليشيات الشيعية، كيف تقيمون ذلك؟
ج5) صدقت ونحن نقول لهذه المليشيات المجرمة آيتين من كتاب الله تعالى أمَّا الأولى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [سورة الشعراء: 227]، وأمَّا الثانية فهي قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [سورة طه: 111].
والله يا أخي الكريم ما تعرض له الفلسطينيون في العراق من عمليات بشعة من التقتيل والتعذيب والتمثيل والإهانة شيء لا يطاق بل لا يصدق، وحق لنا أن نتمثل بقول الشاعر العربي الذي قال:
فلو أني بليت بهاشمي *** خؤولته بنو عبد المدان
لهان علي ما ألقى ولكن *** تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
يجب أن نذكر في مستهل الجواب أنَّ الفلسطينيين نالهم ما نال العراقيين من أهل السنة على يد المليشيات الطائفيَّة الحاقدة من الشيعة الروافض، فما جاء من أذى للفلسطينيين جاء مثله وأضعافه كذلك لإخواننا العراقيين من أهل السنة في العراق المنكوب.
لقد نال الفلسطينيون في العراق مأساة حقيقة، ولعل قربهم من منطقة الرصافة من بغداد وتداخلهم مع الأماكن ذات الغالبية الشيعية والمسيطر عليها من ضمن المليشيات المجرمة كفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية! ومليشيا جيش المهدي التابعة للتيار الصدري، وكذلك فقد كان أكبر تجمع للفلسطينيين في البلديات يقع على مسافة 2 كلم من مدينة الصدر معقل جيش المهدي، بل كانت هنالك مناطق تقع على بعد نصف كيلو من المجمع كمنطقة الفضيلية والتي قصف المجمع بقذائف الهاون منها!!، ولأجل هذا كانوا ضحية يتقرب بها أولئك الشيعة في الانتقام منهم باعتبارهم من أهل السنة والجماعة في النهاية.
مع أنَّ الفلسطينيين الذين عاشوا على مدار ستة عقود من حياتهم بعد جلائهم من أرض فلسطين عاشوا فترة الترقب والحذر من والحياد بعد احتلال العراق ولم يكونوا يتوقعوا ما جرى لهم مطلقاً كما تحدث بذلك عديد من الفلسطينيين الفارين من جهنم وجحيم المليشيات الطائفية الشيعية في العراق ومحاولة استهدافهم لهم.
ولو أردنا أن نحصي أشكال القتل والتعذيب للفلسطينيين لوجدنا ذلك يشتمل على عدَّة أشكال ومنها:
1) استهداف المشايخ والدعاة الفلسطينيين بالقتل والتعذيب.
2) قتل أستاذة الجامعات ومنهم قتل الأستاذ حسام الأسعد في منطقة حي أور حينما كان برفقة عائلته.
3) إجبار عوائل فلسطينية التي كانت تسكن في بيوت تعود ملكيتها لمواطنين عراقيين على الخروج من هذه البيوت بحجَّة الإيجارات القليلة التي يدفعها الفلسطينيون.
4) قصف السفارة الفلسطينية واعتقال السفير الفلسطينية لمدة سنة.
5) تهجير وطرد أكثر من 400 عائلة في عام 2003 م من مناطق متفرقة ببغداد.
6) التضييق الحكومي من قبل الحكومة العراقية عام 2004 م على280 حاجاً فلسطينياً وهم على الحدود العراقية السعودية حيث باتوا أكثر من 6 أيام في الحدود بحالة سيئة ومزرية، وفي النهاية منعوا من أداء الحج بإيعاز من الحكومة العراقية!
7) اقتحام مجمعات فلسطينية وإطلاق النار بشكل عشوائي وإفزاع الأهل.
8) قتل الفلسطينيين بالخنق، وتعذيبهم بعود الثقاب، وقتلهم بالدريل والمنشار، وتكسير عظام الأرجل والأيدي، وفتح البطون والتمثيل بها، مع العلم أنَّ بعض القتلى حين يرمون في الشارع يكتب عليهم بقطعة قماش: (جيش الإمام).
9) الكتابة على الجدران (على كافة الفلسطينيين إخلاء بيوتكم خلال يومين فقط وإلا سوف تعرضون أنفسكم للموت) أو كلمات (الموت للفلسطينيين).
إنَّ المصيبة أنَّ ما حدث لإخواننا الفلسطينيين في العراق حدث ينبغي أن يحرك أصحاب الضمائر الحيَّة من المنظمات الدولية وحقوق الإنسان بأنَّ تقف ضد الظالم الذي قام بهذه الجرائم سواء كان ذلك من قبل الاحتلال الأمريكي أو من المليشيات الرافضيَّة الحاقدة على الفلسطينيين ووجودهم، وإنَّ المتابع لحال الفلسطينيين اللاجئين في العراق ليجد أنَّ حالهم أشدَّ أضعافاً مضاعفة من حال نكبتهم عام 1948م وخصوصاً أنَّ الذي جرى عليهم بعد هجرتهم وتركهم لبلادهم وديارهم وأوطانهم ومع معاناتهم تحت الاحتلال الأمريكي، تأتيهم معاناة جديدة تحت ظل الحكومة الشيعية الطائفيَّة والمليشيات الأخرى، ممن يدَّعون أنَّهم إخوة للمسلمين ولكنَّهم يقومون بهذه الجرائم التي لن تنسى لهم!!
ولا شك أنَّ قوات الاحتلال الأمريكي كانت معنيَّة بهذه الفوضى العارمة بل الإتاحة لهذه المليشيات بأن تقوم بعملياتها البشعة نيابة عنها، كما أنَّ حكومتي المالكي والجعفري كان لهما تغطية كبيرة على الجرائم التي حدثت في العراق على يد هذه المليشيات المجرمة.
وأقول لمن يشكك في هذا كلِّه بأنَّ هنالك تصريحات من عدد من المسؤولين الأمريكان ومنظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدوليَّة حيث أصدرت وصرَّحت بأنَّ اللاجئين الفلسطينيين تعرضوا لاستهداف بشع من قبل المليشيات الشيعية في العراق، ممَّا أدَّى لتهجيرهم!.
س6) من يتحمل تهجير أكثر من ثلثي الفلسطينيين في العراق لأكثر من ثلاثين دولة معظمها أجنبية في ظل إغلاق الحدود العربية بوجههم؟، وما مدى انعكاس ذلك مستقبلا على حقوقهم الثابتة في أرضهم؟
ج6) يجب أن نقول أولا أنَّ عدد الفلسطينيين في العراق كانوا قرابة (25000) إلى أن جاءت حرب الاحتلال الأمريكي وحلفائه، حتَّى هاجر من فلسطينيو العراق أكثر من الثلث!.
كل الذي حصل لهم إذاً نتيجة يتحملّها في البداية هو الاحتلال الأمريكي لأنَّه أول من بدأ بهذه الحرب وأشعل أوارها وأذكى نيرانها فالبادئ أظلم، ثمَّ الحكومات العراقية المتتالية وخصوصا حكومتي الجعفري والمالكي، ثمَّ ميليشيا جيش المهدي التي تتحمل جزءاً كبيراً ممَّا حصل في العراق، كما أنَّ الوضع السياسي الفلسطيني ودوره في الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين عموماً وفي العراق خصوصاً دور هش ودون المستوى المطلوب في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين المهجرين من أراضيهم.
إننا نجد الآن أنَّ اللاجئين الذين كانوا يقيمون في العراق هم على الحدود العراقية السورية أو الحدود العراقية الأردنية أو بعضهم غادر العراق بوضع مزري وهذا يعني بداية جديدة من الشتات والضياع الحقوق.
وسينعكس ذلك على حقوقهم الثابتة في أرضهم بأنَّ حقوقهم التي سلبت واغتصبت في ظني لن ترجع لهم لأنَّه للأسف لا أحد يسمع ولا أحد يرى ويبصر ما الذي جرى بل لم نجد لجان حقوقية اهتمت كثيراً بموضوع الفلسطينيين المهجرين في العراق وما حالت بهم الأحوال وآلت بهم المآلات إلى هذه الكارثة الإنسانية التي يندى الجبين حين يصفها أو يتذكر مواقفها، فحالة الفقر المزري والبطالة المستمرة منتشرة، بل هنالك لاجئون توفوا في الصحراء، وهنالك مرضى بحاجة للعلاج لا أحد يسمع بهم أو يتحنَّن عليهم!!.
ويجب أن تعلم في النهاية أنَّ معاناة الفلسطينيين في العراق تلحقهم حتَّى في نيتهم للخروج من العراق حيث لا يستطيع اللاجئ الفلسطيني مغادرة أرض العراق المحتل لعدم وجود توصيف قانوني خاص به، كما أنَّ غالبية الدول المحيطة بالعراق تحول بين الفلسطينيين وبين مجيئهم واستقرارهم في تلك الأراضي، ولهذا نجد أنَّ بعض الفلسطينيين لشدَّة ما لاقوه صاروا يتحايلون على القانون ويهاجرون بطرق ملتوية وغير صحيحة للنجاة بأنفسهم!!.
لقد تحدَّثت تقارير إخباريَّة عن مأساة النساء والأطفال المرضى الذين اعتقلوا في السجون السوريَّة، لأنَّهم فلسطينيون من العراق وقامت السلطات السورية بترحيلهم للصحراء، وسبب ذلك أنَّهم دخلوا بجوازات عراقيَّة، وكان هنالك نوع من الالتفاف على القانون، وهنالك أطفال محرومون من العلاج في مخيم التنف لأنَّهم دخلوا مع أسرهم بطرق التفافيَّة إلى سوريَّة وذلك لما يعانيه الفلسطينيين من معاناة في الداخل العراقي.
س7) هل ترون هنالك قصور دولي وإسلامي وعربي إزاء قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق؟، مع ذكر الأسباب؟
ج7) القصور وارد ولا شك بل هو الذي كان له السبب الكبير في كل الذي جرى، وأمًّا الأسباب فإنَّ حالة اللهو واللعب والطيش من كثير من الساسة تلهيهم عن المواقف الجدية التي يجب أن يقفوا عندها، كما أنَّ المواقف الدولية في الأصل لم ترعى للفلسطينيين حقهم وحرمتهم في داخل فلسطين فما البال في خارجها، والأسباب واضحة فانعدام الدين والأخلاق لدى المنظومة الدوليَّة، والاهتمام بقضايا مزيَّفة أخرى، بل التخطيط للفوضى الخلاَّقة التي يريدها أولئك لكي تقوم في المنطقة التي يسمونها بالشرق الأوسط، وكذلك أنَّ المجتمع الدولي لا يريد حقيقة إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ولهذا لا نجد الاهتمام البالغ به، كما نجد اهتمامه ببعض القضايا الدوليَّة الأخرى!.
دعني أقول لك بصراحة المجتمع الدولي بات يكره اسم (الفلسطيني) ولهذا نجد أنَّ كثيراً من الدول صارت تقوم بمبادرات وسيناريوهات واستراتيجيات انبطاحيَّة استسلاميَّة لكي يقبل الفلسطينيون بشيء منها ويوافق المجتمع الدولي عليها، ومن ثمَّ يخلص العرب والمسلمون من هذه القضيَّة التي منذ أن ناهزوا الحلم وهم يسمعون عنها خبراً بعد خبر.
لهذا نجد القول بتصفية اللاجئين واقتراحات غريبة عجيبة، وضعف في المواقف إزاء ما يتعرض له اللاجئون، وكثير من المسؤولين عن بلدان المسلمين غير مستأمنين على قضايانا، وكذلك هم حالات معبّرة عن خيانة الأمانة التي أوكلت لهم، وتنازعهم فيما بينهم وتفرقهم وتشتتهم، كل هذا أدَّى لأن يكون هنالك موقفاً هشَّاً وضعيفاً لا يحمي حقوق الفلسطينيين اللاجئين، بل لا يحمي حقوق ساكني بلادهم .
س8) كلمة توجهونها للاجئين الفلسطينيين عموما، وفي العراق خصوصا في ظل المحن المستمرة وضبابية المصير؟
ج8) ندعو إخواننا اللاجئين الفلسطينيين عموما بالالتزام بطاعة الله واتباع هدي السلف الصالح وعلى رأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة الكرام وآل بيته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان، وذلك بالصبر على الأذى، والثبات على المواقف، وعدم نسيان الحقوق الشرعيَّة، وتحكيم شرع الله تعالى فيما بينهم، ومعرفة أنَّها ما وقع بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة كما قال العباس بن عبد المطلب.
وإنَّ من أعظم النكبات أن يكون اللاجئين الفلسطينيين بعيدون عن ربهم، غير متمسكين بهذا الدين، فهي أعظم نكبة على أهل فلسطين حين ذلك، وإنني أقولها بملء الفم: إني أضع يدي في ماء باردة حين أعلم أنَّ الفلسطينيين اللاجئين متمسكين بربهم وبدينهم، فإنَّ هذا سينعكس بالطبع على تمسكهم بحقوقهم وثوابتهم ، والله تعالى يقول: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة الأعراف: 128]، فمن اتقَّى الله تعالى كان الله معه ـ سبحانه وتعالى ـ فكونوا من المتقين لكي يورثكم الله تعالى أرضكم.
كما نقول لهم ثقوا بأنَّ الفرج قريب، وأنَّ النصر مع الصبر، وأنَّه لن يغلب عسر يسرين، ونقول لهم كذلك إنَّ من ورائكم إخوة لكم لا يكلوا ولا يملوا حتى يجدوا لكم حلاَّ وأنَّهم قد أخذوا على أنفسهم بنصرتكم وتفعيل قضاياكم إعلامياً ودبلوماسياً وسياسياً، بشرط أن تبقوا متمسكين بحقِّكم الشرعي والوطني والأخلاقي في فلسطين المباركة.
حقاّ إنَّ قضيتنا الفلسطينية قضية تنزف دماً ودمعاً، وإنَّ من يقرأ فيما جرى لأهل فلسطين في الداخل والخارج ليدرك حقاً أنَّ هذا الشعب بات شعباً بلا أرض، وصدق من قال:
شعوب الأرض في دعةٍ وأمن *** وهذا الشعب تنهشه القروحُ
تناوشه الطغاة فأين يمضي *** وهل بعد النزوح غدًا نزوحُ
يقارع طغمة الإجرام فردًا *** وتشكو للجروح به الجروحُ
س9) كلمة أخيرة توجهونها لكل من بيده أمر اللاجئين الفلسطينيين من قيادات ومسؤولين؟
ج9) نحن في الحقيقة نوجه النداء أولا للحكومة العراقية بأن تتحمل مسؤوليتاها الأخلاقية والقانونية والإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين وتوفير سبل الحماية لهم، كما أنَّ على عاتق منظمة التحرير الفلسطينية والتي هي بوصفها الممثل القانوني للفلسطينيين في الشتات بأن تتحمل دورها إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون في العراق من مجازر وحملات إبادة وتهجير ووضع حد حقيقي وفعلي لكل هذه الجرائم التي تقام، وأنَّه يجب عليها ألاَّ تسكت على مظلمة أولئك الناس المظلومين، كما يجب على الإسلاميين السياسيين في فلسطين أن يتقوا ربَّهم وأن يوضحوا بكل دلالة معاناة الفلسطينيين وإجرامهم وإدراك الخطر الإيراني الذي يعبث بالمنطقة العربيَّة عموماً والذي اكتوى بنيرانه الفلسطينيون.
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إنَّ الله لا يقدس أمَّة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع» [صححه الألباني].
مراسل موقع (فلسطينيو العراق): في الختام لا يسعنا إلا أن نشكركم الشكر الجزيل على إتاحة هذه الفرصة بالتحاور معكم، ونسأل الله أن يوفقكم ويزيدكم من علمه.
الأستاذ خباب الحمد: أشكركم على اهتمامكم ومتابعتكم ووفقكم الله لكل خير.
-------------------
* المصدر: موقع (فلسطينيو العراق)
المصدر: موقع (فلسطينيو العراق)
- التصنيف: