من صور العقوق العلمي!
ذكر الكاتب 10 نفسيات لأنواع مختلفة من طلبة العلم.
تحوطه بحنوّ الأب، ورعاية المشفق، وتحفزه للآفاق، وبعد مدة ينقلب على عقبيه، ويرى نفسه منفوشًا كالطاووس، ورفيعاً، ومن دونه أسافل، وعليما، وغيره جهال! لا سيما إذا حاز منصبا، أو امتطى شهادة متفوقة، وبات في مستنقع التعالم المنفوخ، لا العالم المليء المتواضع! فيبيت في عداد العاقين لآبائهم، ووجه الشبه، إن الأستاذ والشيخ كالأب النسبي، روحا ومعنى وتوجيها. ويفعل ذلك غالبًا: مَن تطاول وهو صغير، أو زبّب وهو حُصرم، أو نسي تاريخه، أو اختصر العلم في بضاعته المحدودة، أو كان كسيح أخلاقيًا أو فكريًا، ولم تخالط روحانية العلم شغاف قلبه.
أعلمه الرمايةَ كل يومٍ *** فلما اشتد ساعده رماني
وقد شاهدت تطاول بعض الشباب المتعلم لقامات علمية، شابت في الإسلام، فبدا لي تقييد شيء من أشكال العقوق:
1- تلميذ تعلمه وينساك، وتحسن إليه فيجحدك، وتكرمه فيبخل عليك، وترقّيه فيرى ذاته عليك! [نفسية لئيمة].
لم يعد ثمة قيم ولا أخلاق!.
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها *** ولكن أخلاق الرجال تضيقُ
2- استفاد من كتبك، وقرأها، ثم ضمنها مقالاته، ناسبًا الفضل لنفسه، والحِذق لعقله، أشبه ما يكون بالسارق، المعتدي على مالك، لا فرق بينهما. وقد ابتلى بذلك الإمام السيوطي رحمه الله فكتب "الفارق بين المصنف والسارق" على شكل المقامة الأدبية، وشبهه مستعير دون رد أو اعتذار [نفسية سارقة].
3- يحضر بعض مجالسك، فيقتنص بعض نوادرك، فيعمد إلى تسجيلها، ويعيد صياغتها بأسلوب نفسه، وترنيمات عقله، ولا يكاد يميزها إلا الحذاق. كما قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، مع براعة في الاستلال؛ بحيث يطمس ذاته الفكرية، فيتأكل على موائد الآخرين بدون عزو، وكأنه يعجز عن التفكير وحسن الاستنباط، والله المستعان [نفسية محتالة].ومن ألطف ما حفظنا هنا قول أحدهم:
وإنْ أفادك إنسانٌ بفائدةٍ *** من العلوم فأدمن شكره أبدًا
وقل فلانٌ جزاه الله صالحةً *** أفادنيها ودعك الكبر والحسدا
4- مضارعة مشايخه بتأسيس دروس مشابهة، فقهًا، أو عقيدة، أو تفسيرًا، ومحاولة لفت الانتباه، متجاهلا الأدب والذوق الحسن! [نفسية متسرعة]. وقد صح في الحديث « » (صحيح الجامع [2207]).
5- ممارسة الردود العلمية مع من درسوه، وكان لهم في الدعوة والوعظ بلاء، بحيث يحاول الاستدراك، أو تتبع العثرات، دون مسوغ، مهملا الجوانب الأخرى، وأن الكمال لله وحده.[نفسية جافية]
وكم علمتُه نظمَ القوافي*** فلما قال قافيةً هجاني!
6- إذا ارتقى وتمكن، ينسى فضل أساتذته، فلا يكاد يذكرهم، أو يثني عليهم، ويزورهم، بل يصور أن ذلك كده واجتهاده، وانه ثقف نفسه بنفسه [نفسية جاحدة].
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم *** ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا؟!
7- طول اللسان يحمله على خرق البيان، والتكلم فيما لا يُحسن، وادعاء الفهم لكل شيء، وإنْ كان لا شيء! حتى يبيت عليم اللسان، خليط الجَنان، باحثا عن الزلة، متكلفا المسألة تجاه أساتذته، لا يكاد يرتاح أو يفرح بشيء.[نفسية مريضة].
ومن يك ذا فم مرٍ مريض *** يجد مراً الماء الزلالا
8- يتصّدر أمام أساتذته، ولم يصدره أحد، ويعتقد فضله عليهم، وأنه الأولى بذلك، لمنصبه أو درسه وكتبه، وقد يكون عريا من ذلك كله! [نفسية مغرورة] ويفتضح أمره، وأنه لا يملك لا جرة ولا ذرة.
جميعُهم لم يبقَ من وزنِهم *** إلا بقايا السوس في المنخلِ
9- يعتقد أن الإبداع العلمي، وجودة التصنيف والتدريس، في سلخ الناس، والاستطالة في أعراض العلماء والمخالفين لطريقته:« » (السلسلة الصحيحة [1871] ) فينتقد ويُسِف، ويرغي ويزبد، حتى لا يكاد يسلم منه أحد. ويزين له الشيطان ذلك، وجهال محيطون به، فيقع في الأكابر، ويلمس جناب الأفاضل، من إذا رؤوا ذكر الله تعالى. وقد قال الشافعي رحمه الله: بئس الزاد العدوان على العباد [نفسية انتقامية]. ونهايته الأخروية تنتهي إلى (حديث المفلس) الشهير، وبشرياته الماحقة الحارقة!.
10- يخالف مشايخه في آراء ومسائل، ويظن أن عنده شيء، فلا يلتفت إليه، فيشن حربه عليهم نقدًا وتجريحًا وافتراءً، متجاوزا الأدب العلمي والحوار الفكري الراقي، أسوأ مما سبق، مضيفا ركامًا من سلبيات الحزبية والتصنيفات، التي سلبته الخلق والوعي، والله المستعان [نفسية حانقة].
-----
بقلم: أ/حمزة بن فايع الفتحي
- التصنيف:
- المصدر: