الغارقون في الدموع

منذ 2015-12-01

نعم إن أيامنا تنزف ألماً، والطرق الواصلة إلى الحق والخير تتضايق وتكاد تخنق المارين، والاستضعاف يطوق الناصحين وأهل الخير والعلم والفضل، والخوف ينسج كل يوم ثيابا جديدة، والزور يضع كل يوم أقنعة جديدة.

هل صرنا غارقين في الآسى والأحزان ؟ هل صارت أمتنا قيد الهموم؟ هل فتحنا أبواب اليأس وأغلقنا أبواب الأمل والطموح ؟

نعم إن أيامنا تنزف ألماً، والطرق الواصلة إلى الحق والخير تتضايق وتكاد تخنق المارين، والاستضعاف يطوق الناصحين وأهل الخير والعلم والفضل، والخوف ينسج كل يوم ثيابا جديدة، والزور يضع كل يوم أقنعة جديدة.

نعم كل هذا يحصل في عالمنا اليوم، كل هذا قد يتكرر أضعافه في بعض بلداننا وبعض ديارنا، وقد تحبس العبرات في حلوقنا وقد تجف الكلمات عن التعبير.

لكن أهكذا يصير حالنا؟ هل نرتضي لأنفسنا أن نكون غارقين في الدموع، منكسرين ناكسي الرؤوس، بينما المتلاعبون يتلاعبون بنا في كل ميدان ؟!

إنّا لنرفض الألم إن كان الألم انكسارا، ونخاصم الأوجاع إن كانت الأوجاع مذلة ومهانة، ونرحب بالكرامة رغم الجراح، وبالعزة رغم الفقر والحاجة.

إن الأحزان لا تبني حضارة، والهموم ليست طريقاً للطموح، والانكسار ليس قرينا للتقدم، إنما الحضارات تبني بالأمل، والتقدم دافعه الإرادة، والطموح وليد العزم.

لقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من كل المعاني السلبية التي تعوق السير إلى المعالي، قال أنس رضي الله عنه: "كنت كثيرا مااسمعه يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل واعوذ بك من الجبن والبخل» (أخرجه البخاري).

ربما ثقلت الآلام علينا فناءت بحملها ظهورنا، وربما صدمتنا فألقت بنا على جانب السير بلا حراك، لكننا وفي كل مرة تزورنا الآلام نرفع أكفنا إلى السماء نستمد العون، ونستجمع ما بقي من قوانا الجريحة وننهض من جديد.

الصالحون يكرهون الانكسار إلا في ركوع الصلاة، ويتبرؤون من الضعف إلا بين يدي الله، ويبغضون الذلة إلا سجودًا للملك المتكبر، إنهم يعادون الظلام ويصنعون للنور مصباح حياة .

إن لحظات الألم تحتاج إلى قلوب شجاعة، وظهور تستعصي على الانحناء، ويحتاج الناس أنفسهم إلى تلك القلوب ليلتفوا حولها، ويتشبثون بها، فتنبعث فيهم زفرة الأمل من جديد.

ربما تظهر تلك القلوب بين الجموع بعد أن غابت، وربما عادت بعد رحيل، وربما برزت في لحظات الضعف أو الخور الثقيل الذي يصيب الجميع .

والناس دوما بحاجة إلى ذلك القلب، فلكأنهم يبحثون عنه كلما مرت بهم صعوبة أو حلت بهم نازلة، يفتشون عنه في الوجوه، ويعرفونه في لفظات القول وخطوات السلوك ولمحات الأعين، فهو المتفائل عندما يحيط اليأس بالناس والمقدام بينما التراجع يكون عميماً، ورابط الجأش إذ الإحجام يكسو الخطأ .

هو المتوكل على ربه بينما يتردد الناس، والمتصل بالإيمان بينما تضعف القلوب المحيطة، ذاهل عن الصغائر، مترفع عن المكاسب الخاصة، واهب نفسه للحق والخير والإيمان.

 

د. خالد رُوشه